يسرا اللوزى وفرح يوسف فى فيلم »المركب« "المركب"هو التجربة السينمائية الثالثة للمخرج عثمان أبولبن، بعد أحلام عمرنا، وفتح عينيك، في تجربتيه السابقتين تعاونا مع نجوم الشباك مثل مصطفي شعبان ومني زكي ومنة شلبي، ونيللي كريم، ورغم طموحه في تقديم صيغة سينمائية أفضل، إلا أن وجود النجوم كان سببا في فساد تجربتيه ولم يضف إليهما ولا إلي المخرج الطموح، ولذلك فيبدو أنه غير تفكيره، وقرر التعاون مع وجوه شابة طازجة، وشديدة العفوية والنظارة والجمال أيضا، بعض نجوم الفيلم، كان لهم تجارب سابقة مثل يسرا اللوزي، وأحمد حاتم، وفرح يوسف، وريم هلال، وبعضهم أشاهده للمرة الأولي مثل إسلام جمال، وأحمد سعد، ورامز أمين، ولكن من تعرفه من هؤلاء يبدو وكأنه يعيد اكتشاف نفسه في هذا الفيلم! حتي النجوم الكبار مثل رغدة وأحمد فؤاد سليم يبدوان في هذا الفيلم في حالة من النضج الفني لم يصلا إليها من قبل، وخاصة رغدة التي لم تهتم لصغر حجم دورها، وقلة جمل الحوار التي تنطق بها، ومع ذلك فقد كان وجودها طاغيا، بجمالها الوحشي وبرودة مشاعرها المتعمده التي تذوب في لحظة، فتملأ المشهد الأخير بالعاطفة الجياشة! "المركب"فيلم كتب له السيناريو كل من هيثم الدهان، وأحمد الدهان ، وهي المرة الأولي التي اقرأ اسميهما علي أفيش فيلم، ولو كانت تلك تجربتهما الأولي حقا، فنحن أمام موهبتين في حاجة للاهتمام والرعاية، الأحداث تدور حول مجموعة من الشباب من طلبة إحدي الجامعات الخاصة، لكل منهم مشاكل مع أسرته كعادة الشباب عادة، يارا"يسرا اللوزي" ابنة وحيدة لسيدة أرستقراطية منغمسة في حياتها الشخصية، تقضي وقتها علي طاولة القمار، تبدد أموال زوجها الذي لاتحبه، ولكنها تستغل نقوده كما تستغل مكانة أسرتها، وتبدو الأم وكما أنها لاتعبأ مطلقا بحياة ابنتها الشابة، فلا تسألها أين ذهبت، ولامع من كانت! وهو الأمر يجعل الفتاة تشعر بحالة من الارتباك تخفيها برغبتها في أن تجعل الأخريات يتصرفن مثلها، ولذلك نراها في أحد المشاهد وهي تقنع صديقتها المحجبة "نور" ريم هلال ، بخلع حجابها بل تغريها بارتداء المايوه البكيني! أما نور فهي من أسرة متزمتة والدها يقسو عليها بمناسبة وبدون مناسبة، ويحاصرها بأسئلته ويعد عليها أنفاسها، ويفرض عليها ارتداء الحجاب، أما ليلي "فرح يوسف" فوالدها يدللها وهي علي علاقة خاصة بزميلها هيثم"إسلام جمال"وصلت إلي حد الزواج العرفي، وهو الأمرالذي يشعر الفتاة بالضيق والرغبة في الخروج من هذا المأزق، حتي لاتصبح رخيصة في نظر نفسها، أما أمير "أحمد حاتم"، فهو شاب منفلت يبالغ في شرب الخمر وكافة أنواع المخدر، ومع ذلك فهو معجب بنور المحجبة وينزعج من تخليها عن الحجاب، مصطفي أو أحمد سعد هو شاب سمين، يعيش مع شقيقه، الأكبر ويشعر أن شقيقه يضيق عليه ويبخل عليه ليوفر لنفسه حياه أفضل، رغم أنه ورث ثروة عن والديه وأصبح وصيا علي شقيقه، مصطفي يلازمه إحساس بأن أصدقاءه يسخرون منه لضخامة جسده، ويحرصون علي وجوده معهم ليصبح مادة للضحك، رغم أنه يكن لهم الحب ويجد راحته في خدمتهم والتقرب منهم، أما محمود" رامز أمين"فهو شاب متدين بلا مبالغات، ولايفرض آراءه علي بقيه الأصدقاء ولكنه يرفض الانغماس في الأخطاء ويقبل زملاءه علي علاتهم، وتبدأ أزمة الفيلم بعد دقائقه الأولي عندما يقرر الأصدقاء الخروج في رحلة بحرية، في مركب المحروسة الذي يملكه "أحمد فؤاد سليم"، وطبعا يقرر الزملاء الستة عدم إخبار ذويهم بمقصدهم، تحت زعم أن الرحلة لن تستغرق إلا ساعات محدودة، ولكن الرحلة الترفيهية تتحول إلي كارثة، عندما يموت صاحب المركب فجأة، ويجد الأصدقاء أنفسهم في عرض البحر، فوق مركب قديمة لايعرفون طريقة قيادتها، ولاكيفية توجيه دفتها، وبعد ساعات قليلة يكتشفون أن مالديهم من ماء وطعام لن يكفيهم إلا بعض يوم، ويستمر بقاؤهم فوق المركب ثلاثة أيام فارقة، يعيد كل منهم اكتشاف نفسه، ويسعون للنجاة بأنفسهم من مصير محتوم وهو الغرق بعد أن أصاب المركب عطب أدي إلي اندفاع المياه داخلها، وفي محاولة لإنقاذ يارا"يسرا اللوزي"يسقط الزميل البدين مصطفي في عرض البحر، ويغرق دون أن يشعر به أحد، لأن الجميع كانوا منشغلين بمحاولة إنقاذ يارا، ويقف الأصدقاء لأول مرة أمام تجربة موت أحدهم، ويعتبر مشهد الصلاة علي "مصطفي" هو نقطة التحول ، في شخصية كل منهم، حيث يحجم"أمير " عن الصلاة لأنه كان في حالة سكر، ويجد أن صلاته علي صديقه لاتجوز وهو علي هذا الحال، ولكنه يتألم ويشعر بالمرارة، ويقول إن ماكنتش حا صلي عليه دلوقت أمال حا اصلي عليه إمتي، أما نور فهي تعود لارتداء الحجاب أثناء الصلاة ولاتخلعه مرة أخري، ويحدث تغيير ما في شخصية كل منهم نتيجة هذه التجربة المريرة، ويدركون فداحة خسارتهم في صديقهم الطيب مصطفي، وعندما تتعرض المركب للغرق فعلا يرتدون أطواق النجاه ويقفزون في الماء في انتظار رحمة ربنا! وعلي الجانب الآخر تتحرك أسرة كل منهم بحثا عن الابن او الابنة المفقودة بعد غيابهم خارج منازلهم لثلاثة أيام متتالية، وقبل أن يهلك الجميع غرقا، تصل قوات الإنقاذ ومعها عائلات الشباب، وتبحث يارا عن أمها بين جموع الآباء فلاتجدها في البداية، ولكنها تبتسم في سعادة عندما تجد أمها تهرع إليها وتصفعها علي وجهها ثم تحتضنها! ميزة الفيلم إنه لايطلق أحكاما أخلاقية علي أبطاله، ولكنه يحترم ضعف وعيوب كل منهم، فالإنسان مخلوق غير كامل، ولكنه أيضا مخلوق قابل للإصلاح والتغيير حسب التجربة التي يمر بها، وميزة فيلم المركب أنه لايدعي شيئا، ولايقدم نصائح ولاعبرا، ولكنه يترك العبرة تنساب من خلال أحداثه، والقيمة الأكبر للفيلم أنه يحترم عقل المشاهد، ولايقدم حلولا مثالية، وهو يختلف عن الأفلام التي تعالج مشاكل الشباب بطرق تقليدية مقيتة، خالية من الفن والابتكار، اللغة السينمائية عند المخرج عثمان أبولبن وصلت في هذا الفيلم إلي مستوي واضح من النضج، رغم أن معظم أحداث فيلمه تقع في مكان واحد وهو المركب إلا أنه قدم حالة من الإثارة والتوتر والمفاجأة والمفارقة، وكافة عناصر التشويق السينمائي يدعمه أهم ثلاثة عناصر فنية وهي كاميرا مدير التصوير أحمد حسين "مشاهد تحت الماء وغرق مصطفي أفضلها، وموسيقي أشرف محروس مع المونتاج! أما فريق الممثلين الشبان فيبرز من بينهم"أحمد حاتم" في شخصية أمير وهو أفضل أدواره بعد أوقات فراغ والماجيك، ويسرا اللوزي، وأحمد سعد ، إسلام جمال، وفرح يوسف، أما ريم هلال فهي لازالت منشغلة بجمالها وينقصها التحكم في بعض انفعالاتها، فيلم المركب من الأفلام التي تجيب علي هذا السؤال الذي يتردد كثيرا في الأشهر الأخيرة، ماهو نوع الأفلام التي يمكن أن نقدمها بعد الثورة؟