كانت حادثة هروب أحد النمور الجبلية في »كفر حميد» بمنطقة »العياط» وافتراسه لطفلة في العاشرة من عمرها وتلاها افتراس المدرب إسلام شاهين بقرية الأسد في الإسكندرية سببين مهمين في تسليط الضوء علي تجارة الموت التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة في ظل عمليات التهريب التي تتم بطرق شتي عبر دروب الصحراء بعيدا عن قبضة الأمن وأهمها الأسود والنمور المفترسة القادمة من تشاد ودول أفريقية أخري. وفي ظل انتشار هذه التجارة، اضطرت وزارة الزراعة إلي منع تجديد تراخيص مزارع الحيوانات المفترسة لحين إعادة دراسة الضوابط والشروط اللازمة لمنح التراخيص، فقد كان يوسف والي وزير الزراعة الأسبق هو من فتح الباب علي مصراعيه لتربية الحيوانات خاصة للمستثمرين وكبار رجال الأعمال عندما أصدر قراره رقم 1374 لسنة 2000 الذي يسمح بتداول وتربية وبيع وشراء ونقل الحيوانات المفترسة من مكان لآخر في ظل شروط تتعلق بالاهتمام بنظافة الحيوانات ومتانة القفص الحديدي دون إعمال القانون الدولي الذي يُحرِّم تلك التجارة، إلا في حالتي الاستفادة منها في الأبحاث العلمية واستخدامها في العروض الجماهيرية والسيرك، إلا أن الوزير أراد استرضاء كبار رجال الأعمال والمقربين من النظام الحاكم وقتذاك من عشاق تلك الهواية، ولا أحد ينسي واقعة القبض علي صبري نخنوخ أشهر بلطجية الإسكندرية، حيث وُجدت بحديقة قصره خمسة أسود أفريقية مفترسة وشبل واحد غير مرخصة، حصل عليها بطرق غير قانونية. الغريب أن تلك التجارة لم تعد تستهوي أناسا بعينهم يتمتعون بالثراء فحسب بل استقطبت شرائح جديدة من الزبائن أغلبهم من الشبان يقومون بعمليات البيع والشراء، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في نشرها، فهناك عشرات المجموعات المتخصصة لبيع وشراء الحيوانات التي يصل سعرها لآلاف الجنيهات، بخلاف حجم الإنفاق علي طعامها ومستلزماتها، حيث تحتاج لرعاية فائقة ومروِّض من طراز خاص. ليست المواقع الإلكترونية وحدها التي تروِّج لهذه التجارة، فالأسواق الشعبية الشهيرة مثل »سوق الجمعة» بمنطقة السيدة عائشة، التي يرتادها العشرات من جميع المخافظات بهدف بيع وشراء حيوانات شرسة كالكلاب البوليسية والثعابين السامة والقرود دعمت التجارة، وكذلك »سوق كرموز» بالإسكندرية المشهور ببيع الصقور النادرة، والتماسيح التي أضحي اقتناؤها موضة بين الشباب، وهذه الأسواق تفتقر إلي الإشراف البيطري أو التصاريح اللازمة. ويتراوح عدد المزارع والمراكز التي تقوم بإكثار الحيوانات المفترسة تسعة مراكز أبرزها موجود بحديقة الحيوان بالجيزة وتخضع لإشراف وزارة الزراعة، باعتبارها الهيئة المنوطة بإصدار ترخيص المركز بعد موافقة وزارتي البيئة والداخلية، ومن أهم الشروط التي لابد من توافرها بالمزرعة بعدها حوالي 200 متر عن المناطق السكنية تفاديا لأي حوادث، وعمل لجان لمعاينة وضع المزرعة من حيث شروط وقواعد الأمان، وتطبيق جميع الإجراءات الصحية والبيئية. لكن من المؤسف أن أغلب المربين لا يلتزمون بتلك الشروط وكان آخرهم صاحب واقعة العياط، حيث كشفت تحقيقات النيابة أن الأقفاص لم تكن محكمة الغلق مع كونها صغيرة جدا مما يهدد حياة الحيوانات ويجعلها أكثر ميلا للشراسة، ما دفع النمر الجبلي لالتهام طفلة مسكينة، وأغلبهم يستغلون عدم وجود حملات تفتيش من الهيئة البيطرية فيطلقون الحبل علي الغارب لحيواناتهم. وتعدُّ مناطق أبورواش والعياط والمريوطية بالجيزة أشهر المناطق التي تنتشر بها مزارع الحيوانات نظرا لوجود عدد كبير من الفيلات والقصور المملوكة لرجال أعمال وفنانين يحرصون علي تدعيم هوايتهم تلك، وكان أبرزهم رجل الأعمال عمرو سعد بطل واقعة نمر العياط ويمتلك مزرعة يربي بها نمورا بيضاء نادرة وأخري متسلقة للأشجار وأسدين أفريقيين ومجموعة من القرود والضباع. الكارثة أن هروب النمر لم يكن السابقة الأولي، فقد سبقه هروب ذئب مفترس من مزرعته وتم قتله علي يد الأهالي، فرجل الأعمال يستغل علاقاته الواسعة برموز الدولة ليضرب بالقانون عرض الحائط وليس وحده من يمتلك مزرعة كبيرة فعائلة كوتة أقدم عائلات السيرك القومي المحتكرة لترويض الحيوانات الخطرة تمتلك مركزا للإكثار، ولا ننسي واقعة افتراس أسد المدرب مدحت كوتة له أثناء تقديمه عرضاً علي خشبة السيرك القومي، إضافة لقرية الأسد الواقعة علي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، التي تمت بها واقعة موت المدربة الغريب أنه قبل تلك الحادثة بعدة شهور قليلة تقدم عادل الطلخاوي عضو المجلس المحلي بمدينة الإسكندرية ببلاغ متهما إدارة القرية بامتلاك حيوانات مفترسة دون ترخيص، وقال في طلب إحاطة عاجل إن القرية غير آمنة وبها حيوانات مفترسة (النمور والأسود والتماسيح)، بالإضافة إلي حيوانات وطيور أخري متنوعة، يقدم بها مدير القرية عرض سيرك، علماً بأن هذه القرية غير حاصلة علي تراخيص لحيازة أية حيوانات، ما دفع إسماعيل إبراهيم مدير القرية إلي نفي الاتهامات مؤكدا أنها تتبع محافظة البحيرة وتخضع لإشراف الرقابة البيطرية، وكذلك »أفريكانو بارك» القريبة من تلك القرية التي تعدُّ أول حديقة حيوان مفتوحة بمصر واستخرجت التصاريح اللازمة. وحول رحلة تهريب تلك الحيوانات إلي داخل البلاد يقول »ع.س» أحد بدو صحراء بلبيس التي تشتهر بكثرة الضباع المفترسة والصقور الجارحة التي يتهافت عليها أهل الخليج ويشترونها بآلاف الدولارات: تعد قري سامي سعد ومنطقة السحر والجمال والرويسات القريبة من الاسماعيلية مرتعا لتهريب الذئاب والضباع ويتم اصطيادها بطرق خاصة لا يعلمها سوي البدو الذين يعرفون دروب الصحراء إضافة إلي أن تلك القري تعدُّ مرتعا للبلطجية وتجار المخدرات وبعد اقتناص الفرائس ليلا يتم عرضها للبيع سواء عن طريق الوسطاء الذين يتقاضون نسبة من الأرباح أو عن طريق المواقع الإلكترونية وصفحات »فيسبوك» ويباع الضبع الواحد بنحو 10 آلاف جنيه، أما سعر الذئب فيصل إلي خمسة آلاف جنيه. يتابع: هناك أجانب وعرب يتهافتون علي شراء الصقور والنسور الجارحة بآلاف الدولارات ويقومون بنقلها في طائراتهم الخاصة ويشتركون بها في مسابقات دولية، كذلك القطط البرية التي يختلف سعرها أيضا، وتعدُّ الصحراء الغربية مرتعا للكثير منهم ويتم تنظيم رحلات صيد جماعية لهم ويقوم المرشدون من البدو بتقاضي آلاف الجنيهات نظير إرشادهم للطرق الوعرة، وأغلب من يقومون بها من كبار رجال الأعمال أو أثرياء عرب. أما قرية أبورواش فتشتهر باصطياد الزواحف الخطرة كالثعابين السامة والعقارب، ومؤخرا باتت تجارة التماسيح النيلية رائجة بعد وقائع العثور علي تمساحي مسطرد والجيزة، وأغلب من يقومون بتلك المهنة توارثوها أبًا عن جد وكانوا يجدون في السياح ضالتهم فالبعض منهم يهوي اقتناء الثعابين السامة والبعض الآخر يفضل الذهاب إلي طبيب متخصص لنزع سميتها في حالة وجود أطفال، أما بعض الأهالي فيبيعون صيدهم إلي المراكز البحثية أو فرق السيرك القومي التي تستخدمها في عروضها في المحافظات أما التماسيح فيتم تهريبها من أسوان بعد أن يتم اصطيادها من بحيرة ناصر لبيعها للأثرياء بالمنطقة ويتم تغذيتها علي عشرات الكيلوجرامات من الأسماك وبقايا اللحوم والدواجن. أما في دروب صحراء أسوان وسيوة فيتم تهريب الأسود الأفريقية وأشبالها القادمة من السودان وتشاد وأنجولا، وليس هذا فقط فعاج الأفيال يباع بآلاف الدولارات لدخوله في صناعات عديدة كالصناعات الدوائية والتحف والمشاغل، وقد أصبحت مصر مركزا رئيسيا لتلك التجارة حتي أن الصينيين باتوا يأتون إلينا خصيصا للاستيلاء عليه ويتم تهريب الأنياب إلي السودان ومنها إلي مصر، أما الأشبال والنمور الصغيرة فتنتشر في مناطق نزلة السمان وسقارة حتي تُتم الثلاث سنوات ليتم نقلها إلي المزارع أو بيعها، وفي التسعينيات لم تكن تتراوح أسعار الأشبال سوي العشرة آلاف جنيه، ولكن بعد اهتمام الخلايجة والسياح بتربيتها أدي ذلك لارتفاع أسعارها حتي وصلت إلي خمسين ألف جنيه. يقول نبوي رجب الشهير ب»الجن» أحد مروضي الأسود بمنطقة العياط: يهتم الكثير من الناس بتربية الأسود والنمور البيضاء التي تأتي من الهند وأفريقيا وأغلبها يتم تهريبه في الجمارك باعتبارها قططاً شيرازي نظرا للتشابه معها، وعادة يكون عمره من 18 إلي 25 يوما أو حتي بدفع رشاوي للعاملين بالجمارك لأن دخول تلك الحيوانات يستلزم وجود تصاريح من وزارة البيئة والسيرك القومي. يضيف: تعدُّ عملية الترويض هي الأصعب بالنسبة لغير المؤهلين لتلك العملية فوجبة الغداء هي الوجبة الأم للأسد ويتم تناول كميات كبيرة من لحوم الماعز أو الحمير، وإذا تأخرت الوجبة فإن الأسد تنتابه نوبة هيجان شديدة قد تدفعه بالفتك بمن حوله حتي مدربه المخلص وهذا ما حدث مع نمر العياط الذي أصابته تلك النوبة، ونحن كمروضين نهتم بضبط مواعيد الأكل تفاديا لشره، أما بعض أصحاب تلك الحيوانات فيستخدمونها في عمليات البلطجة وإرهاب الناس خاصة ممن يعملون بمهنة التجارة والسمسرة فيكفي رؤية منظر أسد هائج حتي يدب الخوف في قلبك وهذا ما كان يقوم به صبري نخنوخ البلطجي الشهير. أما عن دور جمعيات الرفق بالحيوان في القضاء علي تلك التجارة غير المشروعة للحفاظ علي سلالات الحيوانات النادرة يقول الدكتور حمد الشربيني، رئيس الاتحاد المصري لجمعيات الرفق بالحيوان: مع انتشار تلك التجارة تقدم الاتحاد ببلاغات عديدة تحمل أسماء أبرز التجار إلي الجهات الرقابية ولكن دون جدوي فهم ينتهكون حقوق الحيوان خاصة في إجباره علي خلع أنيابه وأظفاره بالقوة في المناطق السياحية للتصوير مع السياح إضافة إلي عدم احترام الاتفاقيات الدولية كاتفاقية »سايتس»، وهي اتفاقية معنية بالحيوانات المهددة بالانقراض، وتضع محاذير للاتجار والتداول والتعامل مع الحيوانات، وتفرض تلك الاتفاقية أن كافة الحيوانات البرية لها بصمة رقمية، معلقة في كل حيوان، وتقيد عليها كل بياناته، ومن المفروض أن كل حيوان يُسمح له بالمرور من المطارات خارج البلاد أن يكون مثبتاً بكل حيوان هذا الرقم. يضيف: أدي ذلك الانتهاك لزيادة المزارع غير المرخصة وموت طفلة العياط كان نتيجة طبيعية لذلك الإهمال من قبل الأجهزة الرقابية ناهيك عن أن أصحاب الحيوانات لا يطبقون الاشتراطات الخاصة بالقفص الموجود به الحيوان الذي لابد أن يكون ذا مساحة كبيرة تتيح للحيوان حرية التنقل والسهولة في ذلك إضافة لتعيين مروض ذي خبرة يتفهم احتياجاته. أما الدكتور سامي طبل (طبيب بيطري) فيقول: بعد حادثة العياط أصدرت وزارة الزراعة قرارا بعدم ترخيص مزارع الحيوانات المفترسة وعدم التجديد لحين دراسة الشروط، فيوسف والي الوزير الأسبق وضع بنودا سهلة تسمح للمستثمرين والقري السياحية باستقدام الحيوانات المفترسة ما فتح الباب علي مصراعيه دون الاهتمام بموافقة وزارتي البيئة والداخلية أو حتي الخضوع للإشراف البيطري بخلاف ضرورة بعد المزرعة عن المناطق السكنية، وكان رئيس هيئة الخدمات البيطرية السابق حامد سماحة أصدر تعليماته في 2008 بضرورة متابعة أماكن إيواء الحيوانات المفترسة في القري السياحية والمنتجعات علاوة علي الإشراف علي عمليات ذبح الحيوانات المقدمة لحومها إليهم ولكن لم يتم تنفيذ القرار مما أدي لتفاقم تلك التجارة وانتشارها في كافة الأوساط، وللعلم فإن أغلبها ينشر أمراضا قاتلة إذا لم يتم الاهتمام بنظافة الحيوانات الشخصية ونظافة أقفاصها.