في ظل غياب أمني سيطر البلطجية علي الشارع المصري بعد اندلاع ثورة 25 يناير، لا يمر يوم دون حدوث جرائم: " قتل، نهب، ترويع "للمواطنين" العنف لغة وحيدة للتفاهم في الشارع المصري المريض بفراغ أمني. عاش البلطجية أزهي عصورهم في ظل الحزب الوطني المنحل، استعان بهم النظام، لتزوير الانتخابات في الوقت الذي كانت فيه الداخلية هي من يدير العملية، وتشكل منهم عصابات ترهب الناخب لمنع صوته من دخول الصناديق، وتعاقب بهم من تريد في الوقت الذي تحدده، بينما يتم استخدامهم في الوقت الحالي لمهمة أشد قسوة من أزلام الحزب الوطني ورجال العادلي وهي إجهاض ثورة يناير وترويع شباب التحرير. فيري محمد الجوادي المؤرخ والمفكر السياسي أن البلطجة التي تنتشر في الوقت الحالي تنتمي مباشرة إلي فلول النظام السابق كمحاولة لمحاربة ثورة 25 يناير وتغيير الأوضاع بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك.. ويشير إلي رجال أعمال من بقايا النظام السابق يعملون بدأب لإحداث وقيعة بين الجيش والشعب والشرطة لملء الفراغ السياسي بالعنف والترهيب .. وللمحافظة علي مصالحهم.. وقال: إنهم يستغلون أي حدث لإيقاع المجتمع في حالة من الفوضي العارمة وإحداث نوع من التوتر بين طرفي المجتمع من " مسلمين وأقباط " للوصول إلي حافة الهاوية وهو المخطط الذي نجح في أحداث " إمبابة". ولفت الجودي إلي غياب الداخلية في تقديم دعم حقيقي من شأنه سلامة البلاد من البلطجية ومعاونيهم وهو ما جعل الحديث يدور حول إعادة تأهيل جهاز الشرطة لاستعادة الاستقرار الأمني ومواجهة الانفلات الناجم عن تفشي البلطجة .. وطالب بإجراءات حازمة لمواجهة الانفلات الأمني من خلال ما وصفه بتقديم الدعم لجهاز الشرطة من خلال قرار وزاري حكيم ليضع الأمور في نصابها بالشكل الذي يعيد الأمن والأمان في أقرب وقت ممكن حتي النهضة علي كافة المستويات: الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية. علاقة قوية وإذا كان التأكيد علي وجود علاقة قوية بين البلطجية والشرطة أمرا واضحا قبل الثورة فإن ناصر أمين الحقوقي والمحامي المصري يشكك في وجودها بعد ثورة يناير فيقول: لا يوجد ضابط اليوم يمكن أن يجازف بمكانته بعد الثورة من خلال ارتباطه ببلطجي، ويضيف: " قبل الثورة" كان يتم دعم العلاقة بين الشرطة والبلطجية من قبل سياسات وزارة الداخلية وهو ما لا يحدث الآن. وأي ضابط يحاول استعادة هذه العلاقة مرة أخري يعرض نفسه للمساءلة ولن يجد من يحميه . واتهم فلول الحزب الوطني باستخدام البلطجية في القيام بثورة مضادة علي شكل اعتداءات علي أقسام الشرطة وغيرها من أعمال البلطجة ويقترح أمين الحل في تطهير جهاز الشرطة من العناصر السيئة والمتورطة في ارتكاب جرائم بل والتخلص منهم فورا وإجراء المحاكمات السريعة للفاسدين ومحاولة إعادة الضبط من خلال تدخل الجيش مع الشرطة إلي أن يتم استعادة هيبة رجل الشرطة عن طريق هيكلة الجهاز وزيادة التدريب والتوجيه وفق أسس ومعايير جديدة تقوم علي الاحترام المتبادل بين المواطن ورجل الشرطة وإعلان سياسة واضحة لوزارة الداخلية تجاه كل الأحداث والحالات التي تعرض المجتمع لانهياره ووضع آلية للمحاسبة والمتابعة المستمرة لكل من يحاول تعريض أمن البلاد للخطر ونشر الفوضي . ويضيف اللواء فؤاد علام الخبير الأمني: ما يحدث اليوم من حالة الهلع من جراء أعمال الشغب والبلطجة ليس إلا نتيجة تراجع حالة الأمن بعد الثورة فبعد أن كان هؤلاء البلطجية محجمين قبل الثورة من خلال قبضة الشرطة ،لا يجدون الآن من يردعهم. ويقول: هناك عملية تراجع أمني كبيرة جدا مما جعل هؤلاء البلطجية ينتعشون ويظهرون بالصورة الحالية فقبل الثورة كانت الشرطة قادرة علي ضبطهم بينما اليوم هناك انتشار أكبر للبلطجة بسبب رفع الشرطة يدها عن ضبط الأمن .. ويواصل: يجب إدراك أن البلطجة لا يمكن أن تصبح أقوي من جهاز الشرطة، ومهما زادت أعدادهم فلن تصل إلي 15 20 ألفا ولذلك يجب مراجعة النظام الأمني، فهناك أقسام شرطة لا يجد فيها الضباط مكانا لمتابعة عملهم. ويؤكد: إذا كانت الفرصة سانحة لأعمال البلطجة فلن يستمر هذا الوضع طويلا، وسيعود الأمن ليفرض سيطرته ويحقق ضبط الشارع المصري مرة أخري كما كان .. يقول: استعانت الداخلية من وزارة الدفاع ب 50 ألف جندي، كما دعم المجلس الأعلي للقوات المسلحة الشرطة ب 200 سيارة لتعويضهم جزءا من ال2000 سيارة التي تم إحراقها ، وعندما تستكمل الشرطة قوتها المطلوبة ستقوم بواجبها علي أكمل وجه. انهيار الأمن العام ويفسر الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، انتشار أعمال البلطجة قبل الثورة بسبب ما وصفه بالانهيار العام للدولة وهو ما جعل تشكيلات البلطجية تتطاول علي كل شيء في البلاد ..وقال: ليس هناك آلية للسيطرة علي هؤلاء البلطجية من قبل وزارة الداخلية في الوقت الحالي بسبب الظروف الراهنة، بالإضافة إلي تخوف رجال الشرطة من الشعب نظرا لسوء العلاقة بين الطرفين التي كانت نتيجة لسياسات وزارة الداخلية في النظام السابق. وحذر من فئات سيئة تستغل حالة الانفلات الأمني لكي تنشر الفساد بالمجتمع وتشيع حالة الاستياء من عدم تواجد رجال الشرطة وعدم قيامهم بمهامهم تجاه أمن البلاد وإحداث الوقيعة فيما بينهم ..وقال: لا يسعي هؤلاء إلي نشر الفوضي وتشويه صورة رجال الشرطة فحسب بل يمتد ضررهم إلي محاولة إحداث الوقيعة بين الشعب والجيش لإيقاف نجاح الثورة والتفرقة بين طرفي الأمة باختلاق الفتنة الطائفية مما ينتج عنه الانفلات الأمني الراهن والذي سينتهي بمجرد تقوية فعلية لجهاز الشرطة وتدعيم قدرتها علي المقاومة لهؤلاء البلطجية ، إلي جانب ضرورة زيادة وعي المواطنين نحو أهمية دور الشرطة وفاعليتها لاستعادة الأمن والأمان لكل فئات المجتمع.. لذا فتفعيل دور الشرطة ضروري للخروج من حالة الانفلات الأمني الراهن.