في قاعة واسعة مترامية الأطراف داخل مبني مديرية أمن القاهرة، يجلس عددٌ كبير من الضبَّاط وعشرات الأفراد وأمناء الشرطة. يتراصون علي مكاتبهم أمام شاشات الكمبيوتر وأجهزة الهواتف التي يتلقون من خلالها استغاثات ملايين المواطنين، ممن يلجأون إلي الرقم (122) لنجدتهم. دخل فريق »آخرساعة» إلي القاعة بصحبة مدير الإدارة العامة لشرطة النجدة، وتابعنا عن قرب سير العمل في غرفة العمليات التي بدت أشبه بخلية نحل، هدفها الأول والأخير نجدة كل من يلوذ بها ويطلب العون، وظللنا لمدة 6 ساعات نتابع البلاغات المهمة وكيفية تعامل شرطة النجدة معها داخل غرفة العمليات وميدانياً في شوارع القاهرة. لا أحد يتخيل حجم الجهد المبذول في هذا المكان، الذي يسيطر عليه الانضباط والدقة المتناهية وسرعة الأداء، إذ يبدو الجميع وكأنهم في سباق للرد علي الهواتف، والوصول بأسرع وقت لصاحب البلاغ. بالتأكيد كل المتواجدين في غرفة العمليات تم اختيارهم بعناية فائقة، كونهم يتعاملون مع فئات المجتمع المختلفة، وكل متصل تكون لديه مشكلة تبدو عصية ومستعصية. فهذا مواطن تعرض للسرقة في منطقة نائية تحت تهديد السلاح، وذاك تسبب انقطاع التيار الكهربائي في تعلقه داخل داخل مصعد بيته ولا يجد أحداً يستغيث به لإنقاذه، وتلك أم غفلت للحظة فاختفي ابنها الصغير وسط زحام الشارع.. وهذه مشاجرة وتلك ضوضاء تزعج رجلاً مسناً سببها إقامة حفل عرس في الشارع بمكبرات صوت عملاقة.. وغيرها عشرات البلاغات التي ترد بشكل متتابع إلي غرفة العمليات. اقتربنا من أحد أفراد الشرطة من متلقي البلاغات داخل غرفة العمليات. قال إنه حاصل علي مؤهل متوسط ويجيد القراءة والكتابة واستخدام الحاسب الآلي. فجأة يقطع حديثه معنا للرد علي اتصال من أحد المواطنين، فيتحوَّل كل تركيزه مع البلاغ، حيث يقوم بتسجيل كل البيانات علي الحاسب الآلي ويخطر بها مشرف عام الغرفة (أحد الضباط). فيما يوضح لنا الضابط المشرف أن كل بلاغ له طبيعة مختلفة، فعلي سبيل المثال في حالة تلقي بلاغ سرقة يتم إخطار قسم الشرطة الذي يتبعه المُبلِّغ كما يتم أيضاً إخطار إدارة البحث الجنائي، ويحدث الأمر ذاته في حالة وجود بلاغ باندلاع حريق، حيث يتم في هذه الحالة إخطار إدارة الحماية المدنيِّة، وفي حالة بلاغ تصادم سيارات يتم إخطار هيئة الإسعاف لنجدة المصابين، لضمان سرعة التحرك وإغاثة المبلغين، فالنجدة من أهم الإدارات كونها حلقة الوصل مع جميع جهات الوزارة ووزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار يوليها اهتماماً خاصاً ويدعمها بكل الإمكانيات وأجهزة الاتصالات الحديثة. علي مسافة قريبة من مدخل غرفة العمليات يوجد ضابط برتبة مقدم وسألناه عن طبيعة عمله فقال: أنا مشرف عام الغرفة وهذه المهمة يتولاها أقدم ضابط في الغرفة وأعلي رتبة، وأكون علي اتصال بجميع جهات الوزارة وجميع مكاتب القيادات، لإخطارهم بالبلاغات الواردة. وينفي مشرف عام الغرفة ما يشيعه البعض عن عدم التحرك للبلاغ رغم تلقيه، حيث يقول: »هذا الكلام غير صحيح علي الإطلاق، لكن قد يكون هناك تأخر قليلاً في الوصول إلي موقع المبلغ بسبب الزحام المروري، فبعض البلاغات تكون في أوقات الذروة المرورية، فخلال ساعات النهار يكون التأخر وارداً مقارنة بساعات الليل، كما أن عنوان المبلغ قد يكون غير دقيق أو يقع في شوارع ضيقة أو في شوارع فرعية غير معروفة، ولذلك أثناء التحرك في الطريق باتجاه صاحب البلاغ يتصل به رئيس الدورية أكثر من مرة لمعرفة المكان بدقة ومعرفة تطورات الموقف، فضلاً عن تواصل متلقي البلاغ الموجود داخل غرفة العمليات مع المبلغ للتأكد من وصول دورية النجدة إليه، حتي نتلافي أي أخطاء أو سلبيات قد تحدث، وفي النهاية يتم إغلاق البلاغ، لكن لا يمكن أن يتم تلقي بلاغ ولا يتم التحرك إليه. مدير الإدارة العامة لشرطة النجدة، ظل هو الآخر متواجداً معنا داخل غرفة العمليات، ليوضح بعض التفاصيل، ومن بينها مثلاً حسبما قال وجود ربط بين غرفة عمليات الإدارة بنوعين من إنذار البنوك، تشمل جميع البنوك الرئيسية وفروعها في القاهرة، وهما إنذار لاسلكي بالتنسيق مع الشركة المصرية للاتصالات، عبارة عن خط علي اتصال بمدير البنك أو مسئول الأمن في البنك، والنوع الثاني يسمي بالإنذار المبكر وهو عبارة عن إنذار لاسلكي علي شبكة أجهزة »الترا» الحديثة وبمجرد أن يرفع مسئول الأمن أو مدير البنك سماعة الهاتف المربوط بالنجدة تظهر الاستغاثة دون التحدث ويتم التحرك الفوري إليه وهذا الأمر أدي إلي تأمين البنوك ضد أخطار السطو المسلح، وهذه الخدمة تقدمها إحدي شركات الاتصالات مقابل رسوم اشتراك مع البنوك التي تريد فقط تفعيل هذه الخاصية لكن خدمة النجدة نقدمها بالمجان. يواصل: نقوم أيضاً بتأمين الأفواج السياحية أثناء تحركاتها في القاهرة وزيارتها للمناطق السياحية والأثرية، حيث تتسلم سيارة النجدة الفوج السياحي بمجرد وصوله إلي مطار القاهرة الدولي حتي تسكينه في الفندق والإشراف علي برنامجه السياحي، وفي حالة ذهابة إلي أي مزار سياحي خارج العاصمة تتسلمه نجدة المحافظة الأخري، كما يتم تأمين الفنادق السياحية بتواجد سيارة خاصة بالنجدة خارجه، تضم ضابطا من البحث الجنائي وقسم الشرطة لتحرير المحاضر. سيارة التحقيقات المتنقلة، هي خدمة أخري جديدة تم تزويد النجدة بها منذ نحو شهرين، وتعكس مدي اهتمام الشرطة بخدمة المواطنين وإغاثتهم والتسهيل عليهم في الوصول إلي هذه السيارة التي تعد بمثابة قسم شرطة متنقل في الشوارع، كما أنها تعتبر أحد الروافد المهمة لشرطة النجدة، كونها مزودة بأجهزة اتصالات حديثة تربطها بغرفة العمليات الأساسية داخل مديرية أمن القاهرة، وبالتالي فهي تتلقي البلاغات المحولة من الغرفة، أو يمكن أن ينتقل إليها المواطن ويسجل فيها بلاغه مباشرة، وهو ما يسهل الأمور كثيراً علي قطاع كبير من المواطنين، في أوقات قد يصعب فيها التنقل في الشوارع وصولاً إلي أقسام الشرطة، والسيارة ذاتها حين تتلقي بلاغاً في محيطها الجغرافي تتحرك فوراً إلي موقع البلاغ، لتقوم بمهمتها في أسرع وقت ممكن. ويؤكد مدير إدارة العمليات أن السيارة المستحدثة موجودة في مديرية أمن القاهرة فقط، وبدأت المديرية تنفيذ التجربة الأولي بأربع سيارات تم توزيعها علي أربعة ميادين هامة، هي ميدان التحرير بوسط القاهرة، وميدان الشهيد هشام بركات، وميدان روكسي بمصر الجديدة، وميدان الداون تاون بمنطقة »التجمع الخامس» باعتبار الأخيرة منطقة نائية وقد يستغرق انتقال سيارة النجدة إليها وقتاً لذلك فإن وجودها في هذا المكان الهدف منه سرعة الانتقال إلي مكان البلاغ.