السيدة سكينة بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، من أشهر آل البيت الذين تشرفت مصر بقدومهم إليها، واحتضنت آثارهم بين جنباتها، وتعد السيدة سكينة واحدة من أشهر آل البيت النبوي، فهي بنت الحسين الشهيد، وعمها الحسن السبط، وعمتها زينب الكبري عقيلة بني هاشم، التي تولت سكينة بالرعاية بعد مقتل والدها الحسين في موقعة كربلاء في العام 61 من الهجرة النبوية. ولدت السيدة سكينة في العام 47 هجريا علي وجه التقريب، ولقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبي، لكونها فتاة خفيفة الروح، ولما لها من مرح وحيوية وطمأنينة ووقار، حتي غلب هذا اللقب علي اسمها الحقيقي آمنة، الذي تسمت به يوم مولدها. شهدت السيدة سكينة فاجعة مقتل والدها وإخوتها وأبناء أعمامها في موقعة كربلاء، ما أثر علي آل البيت عموما، وفضلت هي أن تتفرغ للعبادة وتدعو لمن مات بالرحمة وأن يتقبلهم الله عنده من الشهداء والصديقين. وكانت السيدة سكينة من أعلي أهل زمانها علما وثقافة، فهي خريجة بيت النبوة، فجدتها لأبيها هي السيدة فاطة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم، لذلك تولت أمها الرباب تزويدها بأدب النبوة تساعدها في ذلك السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، لذلك خرجت السيدة سكينة للدنيا وهي علي مكانة عالية من الأدب والفصاحة بجانب تقواها وورعها وحسن عبادتها، فضلا عن أنها كانت شاعرة تقرض الشعر وتنقده. هذه الروحانيات التي تعطر سيرة السيدة سكينة تسيطر علي الداخل لمقامها القريب من مسجد السيدة نفيسة، فعندما تدخل المكان تشعر بالراحة والسكينة والهدوء، كما تجد المقام مليئا بالأشعار والآيات القرآنية، التي تدخلك في حالة صوفية تجعلك تنسي الدنيا وهمومها وتقترب خطوات إلي السماء فتناجي رب العرش العظيم بكل ما في نفسك. ورغم وجود مقام السيدة سكينة في قلب القاهرة القديمة، لكن كثر الاختلاف حول حقيقة وجود جثمانها داخل هذا الضريح، فهناك مقام آخر لها في مدينة دمشق بمدفن الفاطميات، وآخر في المدينةالمنورة، وآخر بمكة. ولكن الأدلة التاريخية تؤكد أن السيدة سكينة جاءت بالفعل إلي مصر ومكثت فيها فترة بعد استشهاد والدها الحسين بن علي، وعمرها 14 عاما ثم ماتت أمها بعده بسنة، فعاشت في كنف أخيها زين العابدين علي، وكانت خطبت من قبل إلي ابن عمها عبد الله بن الحسن، ولكنه قتل قبل أن يتزوجها فقد استشهد مع أبيها الحسين في كربلاء، وظلت ترفض الزواج حتي جاءها مصعب بن الزبير، فتزوجته وأنجبت منه فاطمة، حتي قتل هو الآخر، فتزوجت بعده عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وكان كريما وتقيا وأنجبت منه عدة أولاد، ولكنها روعت بفقد هذا الزوج الكريم الذي جدد أحزانها مرة أخري. ثم تعرضت لزيجة فاشلة من زيد بن عمرو العثماني، وكان مثلا في البخل والشح لدرجة أن الناس كانوا يتندرون ببخله، فانتهت الزيجة بالطلاق، لأن سكينة سليلة الكرم والسجاء والمروءة ما كانت لتقبل بالشح، وبعدما توالت الأحداث المؤلمة عليها ومن ضمنها حملها هي ونساء آل البيت سبايا بعد موقعة كربلاء إلي والي الكوفة عبيد الله بن زياد، ثم إلي الخليفة الأموي يزيد بن معاوية في دمشق، قررت السيدة سكينة الاهتمام بتعليم المسلمين أمور دينهم، حتي أصبح شغلها الشاغل حيث تشربت العلم من بيت النبوة الكريم. وعن حقيقة دفن السيدة سكينة في مصر، يقول الدكتور أسامة إسماعيل، مدير إدارة الأوقاف والمسئول عن المساجد ل "دين ودنيا": "حتي لو اختلف في مكان الدفن فليس معني هذا التعارض، فأرواح الصالحين تطير في كل مكان، وإن كان الجسد الشريف للسيدة سكينة قد دفن بمصر أو كربلاء أو سوريا أو غيرها من المواقع، وأقيم له ضريح في مكان آخر فهذا إحياء لذكري آل البيت، والغرض ليس وجود الجسد بمكان معين بل مناقبه وهي الأسوة الحقيقية التي أمرنا رسولنا صلي الله عليه وسلم أن نتأسي بهم، وأن نتذكر دائما سيرتهم العطرة لتكون حافزا دائما لكل مسلم، فهم من ذكرهم الله تعالي في كتابه العزيز بقوله: }إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا{، والسيدة سكينة قدر الله عز وجل أن تكون ضمن آل البيت الذين ضمهم شارع الأشراف في القاهرة، والذين تشرفت مصر بوجودهم علي أرضها، والمقام هنا معروف لدي المصريين من أقصي الصعيد إلي أطراف الدلتا، حيث يقصدها المريدون في كل مكان، ودراسة مناقب السيدة الطاهرة سكينة رضي الله عنها تبعث الأمن والأمان والسكون والاستقرار في النفوس التي تريد أن تسير علي درب رسول الله صلي الله عليه وسلم، فينشرون الأخلاق حيث حلوا. ويواصل إسماعيل قائلا: إن السيدة سكينة قبل أن تظهر في مصر كانت في مكة عندما كانت تبلغ من العمر 13 عاما حين أقبل موسم الحج وكانت قبلة للأنظار لحسنها وظرف حديثا وسعة علمها، حيث صارت مثلا يحتذي في كل خلق حسن فضلا عن تعبدها، وأهل المنطقة المحيطة بقبر السيدة سكينة والذين يسكنون بجوارها يحبونها ويفرحون بزائريها، وهذه سمة المصريين في حبهم لآل البيت، وهذا يتجلي في قول سيدنا أبي بكر الصديق: "والذي نفسي بيده إن ودي لقرابة رسول الله أولي من ودي لقرابتي"، ويقول الإمام الشافعي شعرًا: "يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له.