حققت رواية الكاتبة الإنجليزية »جوجومويز» »حياتي قبلك» أعلي الإيرادات بمجرد صدورها، مما دفع المخرجة الإنجليزية »ثيا شاروك» لتحويلها لفيلم سينمائي، وثيا لها تجارب سينمائية مع معالجات عصرية لبعض روايات شكسبير، منها »كما تحب» والعرش المقدس، ومع ذلك لم يحقق أي من أفلامها السابقة مثل هذا النجاح الذي حققه فيلم me before you، الذي أصبح ظاهرة في كل المدن التي عرض بها، رغم بساطة موضوعه وتوقع أحداثه، والفيلم يقوم علي حكاية رومانسية بسيطة يمكن اختزالها في سطور قليلة، حيث يصاب شاب وسيم من أسرة ثرية في حادث، وينتج عنه، إصابته بشلل رباعي يقعده تماماً، فتضيق الدنيا في وجهه ويتحول إلي شخص كئيب ورافض للحياة ويصعب التعامل معه، وتضطر أمه للاستعانة بفتاة شابة لرعايته والترفيه عنه في فترات غيابها، وبالتدريج تتحول علاقة الرفض إلي حب يغير من حياة الشاب والفتاة تماماً، ربما تكون قصة سندريللا هي المنبع والأصل لكثير من قصص الحب السينمائية الناجحة، الشاب الثري الوسيم والفتاة الفقيرة الجميلة التي تجد فيه فتي أحلامها الذي يقلب وجوده حياتها ويضعها علي عتبات السعادة، وقد تتغير النهايات أحياناً فتنتهي الأحداث بوفاة الفتاة كما حدث في فيلم »قصة حب» الذي تم إنتاجه عام 1971 وحقق نجاحاً ساحقاً، وقد يتوفي الفتي كما حدث في فيلم »حياتي قبلك» أو me before you، الذي يعرض الآن بالقاهرة، كما في معظم عواصم العالم، بل إن نجاحه السينمائي أدي إلي زيادة الإقبال علي قراءة الرواية، وخاصة من الجنس الناعم، الذي يفتقد في الواقع الإحساس بأي مشاعر رومانسية، ويجد في حكايات الحب علي الشاشة الفضية نوعاً من التعويض عن فقر الواقع وقبحه! ورغم أن فيلم »خمسين ظلاً لجراي»، كان يعتمد أيضاً علي أحداث رواية حققت نجاحاً تجارياً إلا أن المقارنة بين الفيلمين تحمل الكثير من الإجحاف، فأحدهما يعتمد علي المشاعر الإنسانية الصادقة ورغبة العاشق في أن يحقق لحبيبته كل وسائل السعادة، حتي لو كان لن يتواجد في حياتها، وفيلم »جراي» يعتمد أيضاً علي علاقة بين شاب ثري وسيم وفتاة متواضعة اقتصادياً ولكن طبيعة العلاقة يسيطر عليها المرض النفسي والتلذذ بالإيذاء والتدمير الجسدي والمعنوي!! اختارت المخرجة »ثيا شاروك» الممثلة الانجليزية الشابة إيميلي كلارك 29 سنة لأداء شخصية الفتاة المرحة »لو» التي تعشق ارتداء الملابس ذات الألوان الصاخبة المرحة، ولها قدرة علي سرد تفاصيل مسلية تجذب انتباه من تحادثه، وإيميلي كلارك يعرفها متابعو المسلسل التلفزيوني الناجح لعبة العروش، وقد شاركت في معظم مواسمه، ولها وجه طفولي ساحر وابتسامة تفتح القلوب رغم أنها كلبوظة بعض الشيء، ويل تانيور الشاب الوسيم الثري فقد اختارت لها المخرجة الممثل الانجليزي سام كالفين وله إسهامات وأدوار متباينة الأهمية في عدة أفلام ومسلسلات، ولكنه يتمتع بحضور مؤثر وله طلة جعلته معشوقاً للمراهقات، حيث يجمع بين المرح والجدية، ولأن هذه النوعية من الأفلام الرومانسية تعتمد بدرجة كبيرة علي التفاصيل، فإن كاتبة السيناريو وهي نفسها مؤلفة الرواية قد رصعت الفيلم بكثير منها، وقد أصبح مشهد حلاقة »لو» لذقن حبيبها من المشاهد المحببة لكثير من المشاهدين، وهو الأمر الذي دفعهم لمشاهدة الفيلم مرات! ولأن الشاب يظهر طوال أحداث الفيلم وهو جالس علي مقعد طبي متحرك، بعد إصابته بشلل رباعي، فإن هذا قد شكل عبئاً علي الصورة عالجته المخرجة بمواقف ناعمة كأن تجلس الفتاة علي حجر حبيبها ويتحرك بها علي مقعده وكأنهما شخص واحد، وقد تم تصميم عجلة طبية سهلة الحركة يمكن توجيهها بسهولة، لتجعل حركة الفتي أكثر انسيابية وتسمح له بالذهاب إلي أماكن مختلفة، خارج إطار قصره المنيف! كيف تصنع فيلماً رومانسياً من أحداث بسيطة وتفاصيل مختلفة تميزه عن غيره من الأفلام التي تحمل نفس الفكرة، هذا ما نجحت فيه كاتبة السيناريو والمخرجة، ومع تشابه الأحداث إلي حد كبير مع الفيلم الفرنسي غير الممسوسين، نجد أن فن السيناريو يستطيع أن يجعل المشاهد يستمتع بكل من الفيلمين بصنع بعض الاختلافات، فبطل الفيلم الفرنسي شاب إفريقي مرح وعاشق للحياة، ولكنه يعاني من أزمة اقتصادية فيقبل العمل كمرافق لرجل عجوز مقعد وشديد الثراء، فيحول حياته الكئيبة إلي حالة من المرح وعشق الحياة، وقد تجنبت مؤلفة فيلم me before you أن تسبب للمشاهد صدمة بوفاة البطل الشاب، فجعلت مشاهد النهاية تحمل قدراً من البهجة المقبولة، الصراعات والمآسي التي يعيشها العالم تجعل من مشاهدة الأفلام الرومانسية واحة للنفوس المتعبة والأرواح التي تبحث عن وهم الحب فلا تجده إلا علي الشاشة الفضية! ولذلك لا يخلو عام من إنتاج المزيد من أفلام الحب المفرطة في الخيال، والعلاقات المثالية التي يندر وجودها علي أرض الواقع!