اتسم الشعب الصيني بهذه السمات علي مدي قرون طويلة، ولكن بعد زيارتنا مؤخراً للصين تبين أن الصينيين تغيروا في كل شيء حتي في سماتهم البدنية، فعيونهم لم تعد ضيقة وسيقانهم لم تعد قصيرة ولم يعودوا يرتدون الزي الموحد الذي اشتهروا به طوال تاريخهم وعرفهم به العالم. الزيارة كانت للمشاركة في الملتقي الإعلامي الذي عقد في مدينة أورومشكي عاصمة مقاطعة شينج يانج التي يسكنها غالبية من المسلمين المنتمين إلي قومية الإيجور وقوميات أخري مثل التتار والكازاك والطاجيك وغيرها من العرق التركي الأصل. تبدل وتغير الصينيون بعد الطفرات الاقتصادية التي حققوها والطفرات العلمية فزاد معدل الرعاية الصحية وهو ما جعل أجسام الصينيين تزداد طولا وحيوية وجمالا، كما أن الرفاهية طبعت حياة الشعب الأصفر وجعل أفراده يبدلون زيهم المعروف بالبدلة الزرقاء ليرتدوا أحدث خطوط الموضة الغربية وبدءاً من رئيس الجمهورية الذي يرتدي البدلة الغربية وترافقه زوجته كما يفعل زعماء الغرب وحتي قيادات وأعضاء الحزب الشيوعي والفرق أن أعضاء الحزب يرتدون القمصان البيضاء في زي يبدو وكأنه موحد وهم موجودون في كل مكان في الشوارع والمشروعات يتفقدون تنفيذ خطط الحكومة التي تجمع بين الانفتاح الممنهج وبين الاشتراكية التي تتسم بسمات صينية استمرارا لما كانت عليه وقت ماو تسي تونج فقد كان يحرص علي التذكير باختلاف الاشتراكية الصينية عن الاشتراكية اللينينية أو السوفيتية فكل بلد له طباعه. الطفرة الصحية التي غيرت من ملامح أهل الصين مواكبة للطفرة الاقتصادية التي جعلت من الصين قوة كبيرة في كل المجالات فصارت الحياة أسهل ووجدنا في شوارع بكين أن معظم السيارات من موديلات غربية أمريكية وأوروبية بينما السيارات الصينية لا يزيد وجودها علي 10% مما يسير في الشوارع خاصة في العاصمة بكين. وتهتم الصين بالسياحة فالمدينة المحرمة في بكين يزورها يومياً ما يزيد علي 100 ألف سائح دولي ومحلي يسددون حوالي مليون دولار يوميا، وهي مدينة الأباطرة ومحرمة لأن عامة الناس لم يكن مسموحاً لهم بدخولها وهي تضم 9900 غرفة كان يعيش فيها الإمبراطور مع أسرته وحريمه المخصص لهم جناح كبير. وتضم المدينة قاعات عديدة كل منها له دور، فمنها ما يعقد فيها الاجتماعات ومنها ما يقام فيها الاحتفالات وزيارة المدينة المحرمة تستغرق نصف اليوم تقريباً حتي يمكن مشاهدة معظم أجزائها وهي من أهم معالم العاصمة الصينية المزدحمة. عصا الكل الصينية ومن أشهر ما يعرفه العالم عن الصينيين والشعوب الصفراء بصفة عامة الأكل بالعصا أو العصوين الرفيعتين وغالباً في معظم المطاعم لا يوجد شوكة وسكينة وملعقة وإذا وجد بعضها لا يوجد الآخر فنضطر للتعامل بما هو موجود وقد حاولنا أن نتعامل مع عصا الصين وفشلنا ووجدنا أن تعلم الأكل بالعصا قد يجعلنا نهمل تناول الطعام وبالتالي نضطر للبحث عما نأكله بعد ذلك وهي مسألة ليست سهلة في الصين فأنت لن تعرف ما يقدم لك ومن الصعب أن تجد من يتكلم لغة تعرفها مثل الإنجليزية حتي يطمئنك علي نوع الطعام الذي تطلبه وهكذا قلنا بلاها الأكل بالعصا وتعاملنا بما تيسر لنا. بالطبع كل الصينيين يأكلون بالعصا لذلك ينتج منها كميات ضخمة تصل إلي مليارات الوحدات سنوياً وهم يحرصون علي جعلها أنيقة ومغلفة لدرجة أن بعض أعضاء الوفد احتفظوا بعصوين منها للذكري. البطيخ والشمام أما واجب الضيافة الصيني فهو البطيخ والشمام، فلا تدخل مكانا إلا وتجدهم يستقبلونك بالبطيخ والشمام وبجانب ذلك الشاي الأخضر، فمن واجب الضيافة أن يوضع أمامك »مج» الشاي الأخضر وكلما شربت منه جاءت المضيفة أو المضيف ووضع المزيد من الشاي بل إن بعض الصينيين يحمل معه الشاي الأخضر محفوظا لتناوله في كل لحظة. وكان مضيفونا يحرصون علي أن نتناول طعامنا في مطاعم تقدم الأكل الحلال فطوال زيارتنا لمنطقة شينج يانج المسلمة كنا نأكل باطمئنان وعندما ذهبنا إلي بكين حرص الصينيون علي أن يكون طعامنا في مطاعم شبيهة بمطاعم شينج يانج تقدم الأكل المضمون أو ما يسمي حلال. تغيرت الحياة في الصين في كل جوانبها وهم يؤمنون بأن الاقتصاد عصب الحياة، وإذا نجحوا في تنفيذ خططهم الاقتصادية فيمكنهم تنفيذ كل ما يحلمون به، لأنه صار لديهم القدرة المالية التي تجعلهم يحققون ذلك، ويكفي أن شينج يانج تلك المقاطعة التي تسكنها أغلبية مسلمة يزورها 60 مليون سائح سنويا من الداخل والخارج، كما أن الناتج المحلي الإجمالي بها يصل إلي 93 مليار دولار أمريكي. هذا في مقاطعة واحدة وهذه سمات الشعوب التي تعشق العمل حتي تحقق طموحاتها.