في مساء يوم الاثنين 16 مايو الحالي، وقفت مجموعة صغيرة حزينة أمام مكتبة مصر الجديدة في شارع العروبة ، تجمعوا بصمت خاشع نبيل يحملون شموعا تبتهل إلي الله طالبة منه العزاء، ولافتات تسأل قيادات الجيش " قتلتوا رامي ليه ؟ " .. وفي دقائق اتسعت الوقفة الحضارية الراقية، لتضم مئات من عابري الطريق بالصدفة، من البواب إلي أستاذ الجامعة .. لم يجمعهم بوق، ولا حزب ، ولا جماعة ولا طائفة .. ناس طبيعية لمسها جلال المشهد فتضامنت معهم دون دعوة ، ووقفت تطالب بحق رامي الشهيد الذي قتلته نيران صديقة للجيش المصري .. وكان المهندس المصري رامي فخري– 27 سنة - يعمل في بريمة بترول بطريق الإسماعيلية ، بصعوبة حصل علي اجازة عدة ساعات يوم الجمعة 13 لحضور زفاف صديق له ، ثم اختفي حتي عثر عليه زملاؤه بصعوبة جثة في مستشفي الصالحية عصر السبت !!.. أفاد المستشفي أنه تسلمه من أفراد جيش، مقتولا بثلاث رصاصات نافذة في الوجه والرقبة والصدر في الثالثة صباحا، وأن روايتهم عن سبب قتله اختلفت مابين تخطيه كمينا، واختراقه بالخطأ معركة بالرصاص مابين الجيش وتجار مخدرات.. الغريب والمرفوض وسبب الغضب ، أولا أن المستشفي لم يبلغ أهله بوجوده رغم تسلمه أوراقه وبطاقته، ولم تبلغ النيابة بالحادثة، وبالتالي لم يحول للطب الشرعي، وصدر تصريح دفنه دون تحقيق ولا تقرير، أما سيارته فاختفت يومين ثم ظهرت أمام نيابة الإسماعيلية.. واضطرت أسرته لدفنه ليلا دون تحقيق أو تشريح أو تفسير.. الوقفة الحزينة العنيدة الرائعة لهؤلاء المصريين ، كان أول نتائجها البيان رقم 53 للقوات المسلحة، يعلن فتح التحقيق العسكري وكلنا في انتظار النتيجة. لكن أهم رسائلها الموجهة لكل حاكم آت ، هي أنها أول صواريخ أفراح الثورة التي بدأتها صفحة خالد سعيد ، تطالب بحق وكرامة المصري حيا وميتا .. والتي ظللت أتمناها لوطني سنوات طويلة كلما شاهدت الوقفات الاحتجاجية السلمية للدول المتحضرة، ونتائجها الفورية من حكومات تحترم المواطن وتخشاه.. وأسجل هنا أن المصريين خرجوا كالمارد وفردوا قاماتهم ، وأن صمت الخوف ماض لن يعود .. لقد استعدنا صوتنا وكرامتنا بفضل شهداء مولوتوف بلطجية الأمن ، وقناصة الرئيس الفاسد.. ولاعودة للماضي.. كان ينقصنا مزيد من التدريب علي فرض احترام حقوقنا علي الحاكم بالصمت دون عنف.. وهذا أهداه لنا اغتيال رامي فخري بخطأ كان ممكنا أن يمر ويتكرر ونستمر في ظلام الخوف والسلبية والخنوع ، لولا شموع أصحابه التي أضاءت طريق الديمقراطية والحرية . ❊❊❊ اما أسوأ ممارسة للديمقراطية ، فهي قرار إدارة جامعة القاهرة بفصل 9 من الطلاب ، وتحويل ثلاثة من الأساتذة الي لجنة تأديب كحل لأزمة كلية الإعلام.. الأزمة ان الطلبة رفضوا عميد كليتهم د.سامي عبد العزيز وطالبوا بإقالته بعد الثورة لقناعتهم بعدم مصداقيته بعد سقوط النظام .. اعترضوا واعتصموا وحملوا اللافتات داخل الجامعة، فتجاهلهم وتحداهم باعتبارهم شوية عيال وهنربيهم.. فتحول الغضب إلي عنف ثم انتقام وانقسام من الطرفين الطلبة والأساتذة.. والنتيجة لم ينجح أحد لا المجلس ولا العميد ولا الطلبة ، لأن المولوتوف دخل حرم الجامعة .. والطلبة المؤدبون المتفرجون تلقوا درسا بليغا في المشي جنب الحيط. إذا كان مجلس الجامعة وعميد الإعلام فشلوا في إدارة الأزمة وفي تعليم طلبة الإعلام الذين سيحملون مشاعل التنوير، أسلوب الحوار وأدب الاختلاف وممارسة الديمقراطية ، فليرحلوا ويتنحوا لأن رفد الطلبة هو إعلان لفشلهم ، أو خوفهم من نفس المصير .. وتبشير بأجيال إعلامية كاذبة أو مهزومة مسبقا!.. وأري أن العميد المتسبب في تصاعد الأزمة كان يستحق الأولوية في مجلس التأديب .. لأن ضحاياه من الطلبة المفصولين هم قنابل مولوتوف أشد خطرا علينا من بلطجية العمرانية. ❊❊❊ اقترحت في مقالي السابق تحت عنوان " انقاذ مصر بجيش التلامذة والشعب " فكرة فتح المدارس الحكومية لدورات صيفية إجبارية ، بدون كتب ولا امتحانات لكل المراحل ، كمشروع قومي لتحرير عقولهم وإعدادهم للمساهمة في بناء الوطن واكتشاف قدراتهم الخلاقة ، وتغذية أحلامهم بالتحاور مع متطوعين روادا ونجوما في المجالات الأدبية والفنية والعلمية والحرفية.. دورة مقابل درجات حضور تحفيزية تضاف للعام الدراسي التالي.. مع الاستعانة بجهود شباب الثورة وجمعيات المجتمع المدني النشيطة. وفرحت كالأطفال باستجابة وحماس د.أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم للفكرة بمجرد صدور العدد، لأنه أعاد لي أغلب مافقدته من تفاؤل.. وأبلغني الدكتور عبدالله عمارة مدير مكتبه، أنه بصدد وضع خطة تفصيلية لتنفيذ الفكرة فورا إن أمكن. شكرا لوزير له عقلية قادرة علي الحلم والمغامرة.. وإرادة جسورة للتنفيذ.. ومن حقي مع وزير مثله أن أتمادي في أحلام، وأتصور مدارسنا الحكومية بعد الثورة تنافس تربية وتعليم المدارس الدولية ذات الخمسين ألف جنيه مصاريف سنوية.. أو علي الأقل تقلدها وتخطف الزباين منها بمصاريف ألف جنيه فقط.