في الأيام الأولي للثورة وبعد نزول الجيش ، كنت عائدة من ميدان التحرير مع سائق تاكسي شاب .. أنظر لوجهه في المرآة وأقمع سؤالا في حلقي بصعوبة.. لماذا أنت خارج الميدان.. كنت مازلت أخاف من سواقين التاكسي، ومن كراهيتهم لعيشتهم ولصاحب السيارة، ومن افتراسهم للزبون بالوقاحة أو بالتسول وحكايات مراتي في المستشفي بتولد وأمي في العناية محتاجة دم .. ثم فكرت ، ماذا لو غضب وفرمل بقوة وأنزلني هنا في مجاهل ودخانيق آخرها المدافن .. ثم ماذا لو كان انضم للميدان وتوقف عن العمل ، كيف كنت سأعود لمنزلي .. لكنه غالبا قرأ ملامحي ، وكان هو الأكثر احتياجا للتبرير .. ولم يصمت طوال الساعات الثلاث من ميدان التحرير إلي أول عمارات العبور،عن سرد الوقائع اليومية التي يعيشها ويسمعها في الشارع عن قمع وقهر غلابة المواطنين .. حكي أنه معلم بمدرسة إعدادية ، وأنه حاصل علي ماجستير في التربية – ربما يكذب كمدخل لفرض احترامه كعادة السواقين وعمال اليومية، لأننا مازلنا شعبا لم يتعلم احترام الآخر لذاته الإنسانية - .. المهم أن أهم أسباب فرحته بتباشير نجاح الثورة ، هو سقوط النظام الأمني لرئيس النظام الفاسد فقط ، لأنه طاح في الخلق وافتري بقانون الطوارئ.. وحكي عن ليلة سوداء أوقفته فيها لجنة مسائية في وسط البلد.. وسحب الضابط رخصته، وأجبره علي النزول من السيارة ليسحبه المخبرون لمدخل عمارة.. ولما اعترض علي سحب الرخص واحتجازه بدون سبب أخذ العلقة المحترمة، وتحرر محضر إثبات حالة بالقبض عليه في مدخل عمارة لا علاقة له بها.. احتجزوه في القسم ليلة للاشتباه والفحص .. وفي اليوم التالي جاء نفس الضابط ليعتذر له بأنه شبه مسجل خطر هارب.. وأقنعه الموجودون بسحب أقواله وعدم اتهام الضابط حفاظا علي أكل عيشه .. ومضي لكن مرارة الليلة لم تفارقه لحظة .. لذلك يراقب المعتصمين عن قرب فقط بفرح، لاقتناعه أنه مارس الثورة في كل مرة رفض تسليم رخصته للكمائن بعدما قرأ القانون ، وتعلم حقوقه، وحدود سلطة أي ضابط يستوقفه بدون سبب أو مخالفة. وهذه أكبر مشاكلنا في مصر .. إننا لا نعرف حقوقنا، ولا واجباتنا علي كل المستويات.. لم نتعلمها في المدارس، وغرقنا في إعلام يهرتل بأي كلام فاضي ، لضمان سير القطيع طائعا مطيعا بليدا يحلم بالستر ويخشي أي صاحب سلطة ولو كان مخبرا في القسم.. ويتجنب دخول قسم البوليس شاهدا أو ضحية إلا بواسطة !. وغالبا ما نتعلم حقوقنا متأخرا جدا ، لكن بعد ثورة يناير وبدء محاكمة رموز الفساد ، هب المارد المصري ، وانبثق داخل كل مظلوم تعرض لقهر تلفيق تهمة بالقانون، أملا في رد الاعتبار. لذلك انشر هذه الواقعة وأتمني أن يعاد التحقيق فيها، أو علي الأقل يضع لنا وزير العدل ضمانات جديدة لحماية المواطنين من سهولة تلفيق التهم.. وتحويل أي مواطن للنيابة بدون أدلة أو تحريات مباحث ، لتتخلص منه النيابة بتحويله للمحكمة وهو وحظه ، ودعاء الوالدين . سيدة مطلقة لها نفوذ بحكم منصبها في بنك كبير ، وعلاقاتها الوظيفية ببعض المسئولين .. تتردد علي محل كوافير معروف وباختصار تقدم للزواج بها .. وافقت وطلبت أن يكون الزواج عرفيا ، وخمسين ألف جنيه لتجديد شقة والدتها كمنزل للزوجية .. دفع النقود وكتب العقد وكان الشاهد هو زوج شقيقتها صاحب شركة سياحة .. لكنها ظلت تراوغه في تجهيز الشقة حتي تأكد أنها كانت تبتز أمواله فقط .. فقرر التراجع عن الزواج وطلب نقوده ، فبدأت في تلفيق محاضر الشرطة له باستغلال نفوذ معارفها .. وانهالت عليه كل التشكيلة الجاهزة لمحاضر القلق والاستنزاف المحفوظة ، سواء من القسم للتشويش علي سمعته أمام الزبائن .. أو من الحي الذي يعيش أغلب موظفيه من رشوة استخراج رخص المحلات والعقارات .. طلقها ، ولكنه صمم علي استعادة فلوسه .. فقررت هي ردعه تماما بخطة تلفيق تهمة .. طلب زوج شقيقتها لقاءه أمام البنك لتسليمه النقود .. ذهب فوقع في الفخ .. فوجئ به وبها يستنجدان بأمن البنك لضربه وتقييده بحجة أنه جاء يهددها ويعتدي عليها .. ضربوه واستدعوا الشرطة واتهموه بترويعها وسبها وتشويه سمعتها أمام موظفي البنك .. سحبوه لقسم شرطة قصر النيل .. وفي المحضر قالت إنه اعتاد معاكستي ومطاردتي يوميا في كل مكان لأوافق علي زواجه ورفضت .. واليوم فوجئت به أمام البنك يطلبني من تليفون الشارع ويسبني بألفاظ خارجة ، وأطلب حمايتي منه . أما شاهد زواجهما فأثبت في المحضر ، أنه لايعرفه إلا من أوصاف الشاكية التي استنجدت به ، فجاء وضبطه متلبسا بسبها وتهديدها في التليفون فامسكه وطلب النجدة .. أما الضحية فسجل حقيقة ماحدث وأن مابينهما هو خلاف علي فلوس مثبت في محضر شرطة من شهرين ، وأنهم ضربوه .. قيد المحضر إداري وتم حجزه لعرضه علي النيابة صباحا ..النيابة بعد سماع أقوال الأطراف الثلاثة ، بدلت المحضر إلي جنحة تحرش ، حولتها بسرعة لجلسة محكمة بعدها بيومين فقط .. في المحكمة كشف القاضي الحقيقة فحكم بالبراءة .. لكن بقيت المرارة ، مرارة الظلم والإهانة واستغلال النفوذ وسهولة تحويل الضحية إلي مجرم والعكس .. المستندات موجودة لدي ، والفساد واضح حيث لا أدلة ولا شهود علي تهمة السب والتحرش. ولدي المزيد من هذه القضايا الصغيرة التي أشبه المسئولين عن جرائمها من حماة القانون ، بالثعالب الصغيرة .. التي تنهش إحساسنا بالأمان والعدل ، وتشيع الإحساس بالعجز لدي المواطن العادي الأعزل من أسلحة السلطة أوالمال أوالنفوذ.