الآن أستطيع أن أطمئن ويهدأ بالي: الرجل الكبير أصبح في جيبي، وقد قبل المشاركة في عمولات السلاح. لن أقبل أقل من أن أكون أكبر رجل أعمال في مصر، ولو في الخفاء، كما تعلمت بالجهاز الذي انتهت خدمتي الرسمية فيه.. وأجمل ما في الرجل الكبير أنه "صموت" يحب الغموض، ويحرص بشدة أن تكون صورته إيجابية. صورة الرجل المتحفظ، الرزين، الذي يحرص علي سمعته ونزاهة ذمته، كما يصر علي بياض صفحة علاقته بالجنس الآخر "النساء" وآه من النساء في حياة هذا الرجل.. لكنه علي أي حال إصرار علي صفات تحميني مثلما تحميه، وتحافظ علي صورته العامة ولو بالكذب لدي غالبية شعب مصر.. المشكلة فقط أن هذا التحفظ والتردد ينعكس علي قراراته الحاسمة فيبدو جامدا متحجرا، بطيء التصرف، وحركته كالسلحفاة نحو عالم البزنس الرهيب، الذي يشبه محيطا هائجا هادرا، لا يقدر علي الغوص فيه سوي الحيتان الشرسة العملاقة، من دنيا المال والنفوذ والسياسة.. لكن أملي في دفعه نحو السرعة والحماسة هو في دهاء زوجته الكبير واندفاع ولديه اليافعين، صاحبي الطموح الأكبر.. (1) ..وماذا بعد السلاح؟ إن طموحي لا تحده حدود. وشعوري، كما يشعر صديقي الكبير، أن مصر كلها ملك شخصي لي، وأنا أريد الانطلاق نحو الدنيا، كل الدنيا.. وليس كالسياحة باب ملكي إيابا وذهابا نحو مختلف البلاد والأجناس، ولأعترف كوني أتحدث مع نفسي إن صديقي الكبير هو أيضا شريكي ونديمي ورفيق حلمي وطموحي.. وها هو يمن عليّ بمساحات شاسعة من مدينة السلام، مع رغبته في أن تصبح المدينة الأولي في السياحة.. فلن أخيب ظنه ولا ظن أصدقائه وأصدقائي الإسرائيليين، وسوف تكون شرم الشيخ قبلتهم ومستقرهم، ويكون دخولهم لسيناء كلها شمالا وجنوبا دون انتظار ولاتأشيرة، فيمرحون ويهنأون بطيب السياحة والمقام، ولنتجاهل الأصوات الحنجورية التي تهاجم التطبيع، وأنا أثق في النهج الجديد للقوانين والتشريعات التي تمكننا من الاستمرار في خطنا وبجانبها قوانين الطوارئ الدائمة والقادرة علي أن تمسك بتلابيب من يعادي أحباء تل أبيب، ومن يدعي أنه أكثر منا وطنية، فتدينه وتذهب به الي سابع أرض! سأشيد بالشرم أكبر الفنادق والبازارات والملاهي وكازينوهات القمار ومنتجعات الاستجمام.. ولصديقي الكبير شخصيا مني كل السلام والامتنان والاقتسام، وهذه أقل هدية ترضيه وتعوضه عن منتزه الإسكندرية: قصر مسحور بعيد عن التلصص والعيون، ملفوف بدفء حضن الخليج، وفخامته ومحتواه لا يقلان عما يراه في الأحلام.. وفي هذا القصر لن تدري "شجرة الضر" بمايجري وما يخر.. قد تشعر وتحس وتستشيط غضبا.. وقد يصل بها الحال لأن تفكر في أن تقتله سما أو تلقيه من حالق، أو حتي تفكر بالاغتيال، لكن أحلامها وطموحاتها لنفسها ولولدها، والعز والنفوذ وحياة الآلهة والأبهة هي الضاغط والضامن الدائم لبقاء هذا الخائن الكبير، من وجهة نظرها " طبعا " كزوجة! (2) .. لكن هل يكفي السلاح والسياحة؟ لقد انفتحت شهيتي للبزنس، وأصبحت شهية صديقي بضغط أسرته أكثر شراهة، فلتكن لقمتنا التالية غاز وبترول مصر.. لماذا لا يكونان ملك يميني ويمينه، ولماذا لايكون نفس البزنس السري ذي العائد الفاحش مع أصدقائنا ملوك المال والخفاء والدهاء؟ إنني سعيد أننا سنحقق مليارات الدولارات من صفقة الغاز مع إسرائيل، وقد تتسبب تلك الصفقة وحدها في خسارة لمصر حوالي 08مليار دولار، لكن البزنس علمنا أن ننسي كل شيء فيما عدا مصالحنا الشخصية.. وما يشغلني الآن هو الولدان ابنا الكبير، وقد أصبحت لهما ذمة أو قل "معدة نهمة" مستقلة.. فلنرو عطشهما إذن ولو بنسبة صغيرة.. ياإلهي ما هذه المفاجأة وهذا الطمع؟.. إن الصغير الحالم بالعرش لم يعد يطفيء جوعه أو ظمأه فتات القروش والمليونات، لقد أصبح مدمنا للمليارات.. نعم إنه مازال غير مدرك بشكل كاف أن البزنس لا قلب له، وأنني لن أزيد له عما أقرر أنا وأريد!.. وما هذا الرعب الشديد؟ انفجارات وحرائق بفنادقي ومنتجعاتي؟ ومن الجاني.. ابن صديقي وجهاز الأمن البوليسي؟ _ صديقي الكبير: هل بلغك ما فعله ابنك الصغير في ممتلكاتنا بمدينة السلام؟ _ طبعا.. لم يأتني صراحة، لكنني فهمت! _ أنت تعلم ياصديقي الكبير أنني ضعيف أمامه وأعتبره مثل ابني والرأي لك؟ _ من الحكمة ألا ندخل في معارك جانبية، ونكون "زي اللي ماشافوهمش وهم بيسرقوا وشافوهم وهم بيتخانقوا في القسمة".. وبعدين ياسيدي نعوضها، هو احنا بندفع حاجة من جيبنا! _ عندك حق ياكبير، لكنني مع كل احترامي وحبي اسمح لي أن ألفت انتباهك إلي أنه أصبح متعجلا، ووصلت قوته إلي درجة الانتقام.. وأصبح جريئا في أن يأمر الجهاز البوليسي عفوا من وراء ظهرك، لكنه لا يدرك أننا نتحكم في الجهاز الأقوي! _ إنني أتابعه وأوازن الأمور، فلا تنس رغم عدم تحمسي لتعجله أن عملية توريثه في الوقت المناسب ضرورة تحتمها مصالحنا نحن الضرورية، فيمن سيحمي ظهورنا ويتستر علي ملفاتنا وسيرتنا بعد كل ما فعلناه في هذا البلد وهذا الشعب المسكين؟ _ معك كل الحق ياكبير.. وسأعتبره حريقا نشب عن لعبة أطفال.. ( مع أنني أدرك لكني لا أستطيع أن أصارح صديقي أن ولده الصغير قد شب أكثر من اللازم، وتشعب وتضخم، وجمع من الأنصار والمستفيدين حجما ينذر بالخطر، ناهينا عن "زن" والدته عليه وعلي والده، فارتفعت رغبته وشراهته نحو الوصول للعرش لدرجة ما يشبه حالة "جنون الغذاء" التي تصيب أسماك القرش الجائعة.. فتنطلق ولايستطيع أن يقف في وجهها شيء!) (3) ياللكارثة! لقد وقعت الطامة والنهاية الكبري جاءت ممن لم يكونوا يخطرون لنا علي بال.. ممن كنا نعتبرهم العيال.. الذين نظن أنهم يمضون الليل في انتظار نوم آبائهم حتي يدخلوا الغرف الوهمية للشات ويتبادلوا العواطف وعبارات الغزل والآهات.. فاذا بهم يخططون ويدبرون بمهارة مذهلة للاحتجاجات والثورات.. _ صديقي الكبير العزيز: إن حسك الأمني عال للغاية فماذا ترانا فاعلين؟ _ رغم أن أعداد العيال دول كبيرة شوية عما توقعناه، لكن المسألة بسيطة، وأجهزة الأمن البوليسي كفيلة بهم، وهي مجهزة كما تعلم بكل ما يلزم، وفي أسوأ الأحوال فالجيش موجود بأسلحته وأجهزته! _ لكن اليوم فشلت مهمة الشرطة، وتسبب عنفها في هبة شعبية أضخم كثيرا من تجمعات الشباب، والأخطر كما تعلم أن الجيش أعلن بكل هدوء أنه ملتزم بدوره الوطني، ولن يطلق رصاصة في مواجهة الشعب! _ عموما الخطر يبدو حقيقيا هذه المرة ويتحتم عليك أن نكون أول القافزين من السفينة قبل الغرق ولتحمل معك ما يقل حمله ويغلو ثمنه لي ولك، ولتكن أول محطاتك لدي أصدقائنا المقربين بالخليج، ثم انطلق لأوربا واستخدم صلاحياتك لتسييل العقارات والممتلكات وتأمين نقل ملياراتنا لأماكن أكثر غموضا وخفاء، ونثق في أن أصحابها أكثر التزاما ووفاء نحونا، ويكونون مثلنا غير معنيين باحترام القوانين ولا أحكام وطلبات القضاء.. وسوف أعالج الموقف عاجلا او ألحق بك لو استحال الأمر. _ طبعا علي عيني تركك في مثل هذا الظرف العصيب، لكنني واثق من أنك ستنجح، فكم من أزمات مرت بك وكم من كوارث كبري نجيت منها، وتاريخك يقول إنك ثاني أطول الحكام بقاء بالسلطة بعد رمسيس الثاني الذي حكم مصر لستين عاما.. لكنني لن أنسي أن طمع وتعجل الابن الصغير لصديقي، وحب أمه الجارف له، وتعجلها هي الأخري في توريثه الحكم، علاوة علي شلة أصدقائه ممن يفتقدون الخبرة والحنكة والرؤية السديدة وعلي رأسهم الطبال القصير.. لن أنسي أن كل ذلك لم يضيعهم فحسب، لكنه ضيعنا جميعا في سلة واحدة، وخاصة الأب الذي ضعف أمام الابن والأم ونسي الخبرات العسكرية التي تحتم أن الواجب أولي من كل شيء!.. (4) إنني فعلا أحب هذا الرجل وأعترف بأفضاله الكثيرة، ولا أنسي له مواقفه منذ البداية المبكرة في الثمانينات.. فقد سترني حينما أصدر الصحفي الأمريكي بوب وورد مفجر فضيحة ووترجيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون كتابا كشف فيه مشاركتي مع ثلاثة آخرين في تأسيس شركة الأجنحة البيضاء بباريس لتجارة وتوريد السلاح لمصر.. ولا أنسي الأراضي الشاسعة التي يخصصها لي رجاله في أي مكان أريده أو في أي مكان يريده هو ويراه ذا ميزة، بل إنه يمنحني أراضي بلا حدود في أماكن تبدو للوهلة الأولي بلا قيمة، لكنه يأمر باتخاذ القرارات والإجراءات التي تحولها إلي مناجم للذهب والمليارات في غمضة عين.. كما أنه كان يأمر بإجراء المكالمات التليفونية التي لا راد لها بمنحي عشرات المليارات كقروض بغير ضمانات حقيقية، وقد يكون سرا علي الكثيرين أنني أكبر شخص مقترض في تاريخ مصر علي مر العصور، وطبعا الفضل يرجع لشريكي الكبير ونفوذه الفريد، فقد وصل حجم ديوني للبنوك لأكثر من 03 مليار جنيه، ولم يسبب هذا الحجم الرهيب لي أي مشكلة في وقت من الأوقات، بل إنني أتمتع بالحرية في ان أسدد أو لا أسدد، ولي حرية أكثر في تعديل الشروط والتيسيرات الي أرتضيها وتحقق مصلحتي ومصلحة صديقي الكبير طبعا قبل مصالح البنوك وعلي حساب ودائع وأموال الشعب المسكين.. كما أن اتصاله السريع بسلطات دبي قد أنقذني علي الفور عندما تم القبض عليّ بالمطار محملا بملايين الجنيهات التي هربتها بالاتفاق معه.. ماذا أفعل لهذا الرجل لقد أمر بتهريبي ولسوء حظه وقع هو.. إن حياتنا مرتبطة ببعضها ومازال عندي الأمل في تمكنه من الهرب، وأرجو أن تغفل عنه العيون في مصر جيشا وشرطة وشعبا.. إني أتذكره في كل لحظة أعيش فيها بمهربي الآن سواء في لندن أو جنيف.. وأعترف أن هذا الرجل يعرف كل أسراري وجرائمي.. كما أنني الوحيد الذي أملك مفتاح الصندوق الأسود الخاص به، في حياته الشخصية وفي حجم الأعمال والممتلكات التي لا يتصورها عقل!