قبل تنحيه عن السلطة بيوم واحد اعترف الرئيس مبارك (في سابقة هي الأولي) بأخطائه، عندما قال بالحرف الواحد مخاطبا جموع شباب ثورة التغيير: انطلاقا من اقتناعي بصدق نواياكم فإن مطالبكم عادلة ومشروعة.. الأخطاء واردة في أي نظام، والمهم الاعتراف بها ومعالجتها.. وبداية أؤكد ما استوعبته من تعاليم الإسلام بأنه لا »شماتة« مع سقوط أي إنسان صريعا في محنة أيا كان نوعها، وخصوصا أن مبارك كان رمزا لمصر ورئيسا لكل المصريين، وحتي لو اختلفنا معه، يجب أن نتعامل الآن بأخلاق الفرسان النبلاء الذين يترفعون عن التلويح بالنصر علي الخصوم، ولا بتصفية الحسابات وانتهاج أسلوب السباب البغيض، فلنكن حضاريين.. رحماء.. كرماء، ولنلتزم بالحكمة الشهيرة: (ارحموا عزيز قوم ذل).. لكننا (مع الأسف الشديد) شعب نسخر من رموز ماضينا، وبعضنا يستقبل أكثر ما يودع، ونحقر من شأن زعمائنا، فهل ينكر أحد أن هناك من يسب الزعيم الخالد جمال عبدالناصر بعد مرور 41 عاما علي وفاته ورغم كل إنجازاته؟.. كما أننا نسمع من يلوث سمعة بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السادات ويشكك في انتصاراته رغم مرور ثلاثين عاما علي استشهاده؟ ولقد سمعت كما سمع غيري (وسمعها مبارك بالتأكيد) أقذع الألفاظ من الجماهير الغاضبة والتي وصلت للسب والتجريح وروجت لها قنوات إخبارية شامتة.. فهل سنعيد نفس الاتهامات بعد رحيله؟ تصفح معي سيرة مصطفي كمال أتاتورك حارب الإسلام وحول الحروف العربية إلي »لاتينية« وسلخ شعبه عن العالم العربي، ومازال قطاع من الأتراك يختلفون عليه، ومع ذلك ستري صوره معلقة بالأماكن الحيوية: داخل الطائرات التركية، والمؤسسات العسكرية والمدنية، حتي في المطاعم، وتماثيله مجسدة بميادين »إسطانبول« الجميلة.. حسني مبارك أخطأ؟.. نعم.. ننتقده؟ بكل تأكيد؟.. نشتمه؟.. لا..، فمساحة الحرية التي أفرزت مجتمع الثوار الذي أطاح بمبارك هي الأولي علي مستوي المنطقة العربية.. أعرف من سيدعون بطولات زائفة، وكانوا يهتفون لمبارك بكرة وعشية..