الممثل الفرنسى فابريس لوتشينى المرشح لجائزة أفضل ممثل عن دوره فى فيلم مالوت في الليلة السابقة لافتتاح مهرجان «كان» ال 69.. كان الجميع يشعرون بالخوف الشديد.. ولم يكن غريبا أن تجد جنودا من الجيش يجوبون المدينة مدججين بالسلاح.. أما داخل القصر حيث تقام الفعاليات الذي لم تكن الإجراءات النهائية لتجهيزه تمت بعد فالحركة فيه محسوبة.. والأمن ينتشر في كل مكان.. والممنوعات كثيرة. هذا الخوف الشديد كانت تقابله فرحة من الجميع بقدوم المهرجان الذي يجعل المدينة قبلة للعيون من كل أنحاء العالم حيث تمتلئ بالنجوم.. ومن هنا ومن منطلق الفرحة بدأ الخوف يخبو ليسطع بريق المهرجان من خلال نجوم الفن السابع، من كل أنحاء المعمورة..علي السجادة الحمراء تلاشي الخوف ولم تعد هناك سوي «فلاشات» الكاميرات.. وتصفيق وتهليل الجماهير الغفيرة التي باتت تنتظر النجوم لترحب بها. وتتوالي الأيام وتدور عجلة النجوم.. وودي آلان وأبطال فيلمه جوليا روبرتس وجورج كلوني وزوجته «أمل علم الدين» المحامية اللبنانية وجودي فوستر..وجولييت بينوش وماريون كوتيار ونيكول جارسيا وسبيلبرج وإلمو دوفار وكين لوتش.. أسماء لامعة وساطعة في سماء الفن. المهرجان بيتكلم مصري من خلال فيلم محمد دياب «اشتباك» الذي وقع عليه الاختيار ليكون فيلم افتتاح برنامج «نظرة ما» الذي حرص علي حضوره «بيير ليسكور» رئيس المهرجان وقد شرف الفيلم مصر بالفعل ورفع رأسنا عاليا نحن المصريين والعرب أجمعين.. وحاز إعجابا فاق كل الحدود.. وقد حرص المخرج الشاب «محمد دياب» علي أن يشكر كل العاملين في الفيلم من ممثلين وعمال ديكور وإضاءة وكل الفنيين قائلا: إن هذا الفيلم لم يكن ليري النور بدونهم. إن «محمد دياب» يتمتع بموهبة عالية وأخلاق وإنسانية شديدة.. لذا لا نملك إلا أن ننحاز له سواء أكان علي المستوي الفني أو الإنساني. أبطال الفيلم وعلي رأسهم نيللي كريم وهاني عادل وآخرون مع المنتج محمد حفظي كانوا سعداء وفخورين بأنفسهم وبالمخرج والفيلم الذي قدموه. «اشتباك» ليس فيلما سياسيا كما يقول مخرجه.. بل هو رؤية صادقة لواقع عشناه ومازلنا نحصد آثاره لليوم.. واقع مؤلم وحزين لما آل إليه حال المصريين من انقسام حاد في وجهات النظر، لكن بشكل مخيف وعنيف.. وكم من أسر تدمرت بسبب وجهات النظر المختلفة ما بين الثوار والإخوان المسلمين وكأننا أصبحنا أعداء ولم نعد إخوة أشقاء.. إن الدم المصري استحله البعض.. والقتل أصبح لغة هينة بسيطة تستخدم في يسر وسهولة. ضاعت الأحلام والأماني التي جعلت الناس تخرج يوم 25 يناير من أجلها وبعد ذلك في 30 يونيو. أحداث الفيلم تدور عام 2013.. بعد شهور أو أيام من خلع «محمد مرسي» الذي حكم مصر لمدة عام وللأسف نجح في أن يجعل «الانقسام» منهجا لحياة المصريين. من خلال عربة الترحيلات للأمن المركزي وبعد القبض علي العديد من الأشخاص ذوي الاتجاهات المختلفة يقدم «محمد دياب» رؤية واقعية ثاقبة لما حدث ويحدث اليوم أثناء المظاهرات.. وكما قلت هو لاينحاز سوي لمصر فقط.. العربة تضم بعضا من الإخوان المسلمين.. وأيضا بلطجية.. ومواطنين شرفاء آمنوا بالحلم وصدقوا بالحرية. داخل سيارة الترحيلات وفي جو شديد الحرارة يعاني المقبوض عليهم.. يبحثون عن نقطة الماء.. يستعرض دياب الشخصيات بحيادية شديدة.. يطالبون بفتح زجاج السيارة التي تحولت إلي الجحيم.. يتعاطف معهم شرطي يناولهم جرعة ماء.. لكن أمام مقتل زميل له يتحول إلي إنسان شرس.. (نيللي كريم) الممرضة التي تمارس دورها بكل شجاعة والتي يستسلم لها فرد الإخوان لكي تسعفه.. وتحتضن الصغيرة عائشة التي طلبت من والدها أن يأخذها للمظاهرات.. الصحفي والمصور اللذان تعرضا للعنف من قبل الشرطة.. نماذج كثيرة.. المجموعة كلها لايهمها سوي الخروج من هذه العربة.. وعندما يعود من يكون قد اختطف العربة لكنه لم يستطع أن يفتح الباب.. لتقع بين أيدي المتظاهرين نجد أن من نجح في الخروج منها قد تعرض للضرب الشديد أو الموت.. لأننا لانعرف الهوية الحقيقية للمتظاهرين أو المحتجزين. مأساة كبيرة تجعل من كانوا يحاولون السعي وراء الخروج من هذه السيارة يحاولون إغلاق فتحاتها.. لأنها أأمن لهم. إن الألم والحزن والشجن الذي شعر به كل من شاهد هذا الفيلم لهو أكبر دليل علي نجاحه خاصة أن الديكور للمهندسة الشابة «هند» كان أكثر من رائع، أيضا الموسيقي واختيار الأغاني. لقد قدم «محمد دياب» فيلما جميلا يعرض بصدق (حالة مصرية) عاشها كل مصري باختلاف الطوائف التي تمثله. ولقد نجح محمد دياب في اختيار أبطاله، كل منهم في دوره فتحية لهم جميعا.. فقد شرفونا في «كان» وربما يكون له حظ كبير في الفوز.. وإن كانت الجائزة الحقيقية هي الإعجاب والتقدير الكبير الذي حصل عليه الفيم وصانعوه.
غريب أمر الإنسان وطبيعته البشرية التي تجعل البعض لديه القدرة علي تدمير ذاته بنفس القدر الذي يحافظ فيه البعض علي الوجود.. هناك من يملك قدرة مقرونة بالغباء علي الانحدار «للقاع» وإلي أسفل المجتمع بحثا عن فكرة وسعيا وراء مجهول بشدة إلي الهاوية.. وهو ماحدث لبطل الفيلم الفرنسي «لتظل واقفا» وهي أفضل ترجمة آراها ل«rester vertical» للمخرج «آلان جيرودو» وبطولة كل من داميان بونار وانديا هير ورافائيل تييري. ليو كاتب شاب لكنه يبحث عن شيء مفقود بالنسبة إليه يسعي إلي منطقة «لوزار» وبها الكثير من المراعي وإن كانت فقيرة حيث تشبه كل المقاطعات الريفية لا تسلية بها ولا حياة بمجرد غروب الشمس.. «ليو» يبحث عن «الذئب» حريص علي مواجهته والنظر في عينيه.. قد تكون رغبة مجنونة لكنها حقيقية بالنسبة له تعني الكثير.. في هذه المنطقة الجبلية يلتقي بالراعية ماري يقع في حبها وينجب منها طفلا.. لكنها تتركه تاركة الرضيع مصطحبة طفليها الآخرين.. ليجد نفسه مسئولا عن الطفل وهو شيء يستهويه كثيرا.. يحاول (حماه) أو جد الطفل «التحرش» به لكنه يهرب هو وصغيره ليعيش متشردا.. فهو غير قادر الآن علي الكتابة وبالتالي لامورد له.. وفي مشهد عنيف حيث يذهب هو وطفله إلي أحد الأنفاق الذي يعيش فيه من هم بدون مأوي.. يهجمون عليه كالذئاب ويجردونه من ملابسه ولولا وصول «حماه» في تلك اللحظة لكان انتهي. يتفق معه أن يساعده في رعاية الأغنام ويتعهد له الأخير بألا يهرب منه فقد وجد صديقا آخر، خاصة أن الشرطة تجبر «الأم» علي استلام الطفل. وفي أحد الأيام يتحقق ما كان يسعي إليه «ليو» عندما يري «الذئب» وقطيعا كبيرا من «الذئاب» يطلب من «حماه» ألا يخاف حتي لا تشتمهما تلك الذئاب وتفترسهما.. ليقف صامتا أمام الذئب ناظرا بحدة في عينيه متحديا له.. مظهرا شجاعته فقد تحقق الحلم أخيرا وأخرج أفضل ما فيه مرة أخري ربما ينقذه تحقيق الحلم من الهاوية التي سقط فيها ليصعد من جديد. هي حكاية من الماضي بها من القسوة والغدر والنجاح والكفاح ما كان مغريا لصناعة فيلم جميل وراق ويعد واحدا من أفضل الأفلام وأكثرها متعة التي عرضت حتي الآن.. ف»كان» يدخر عادة كنوزه من الأفلام للأسبوع الثاني .. «الراقصة» فيلم للمخرجة الفرنسية ستيفاني دي جيستو» ويعرض ضمن مسابقة أفلام «نظرة ما» التي تعد امتدادا للمسابقة الرسمية والحقيقة أنها تضم مجموعة كبيرة من الأفلام الجادة المميزة جدا.. وقد افتتح هذا البرنامج بالفيلم المصري «اشتباك» للمخرج «محمد دياب». الفيلم بطولة «سوكو».. «جاسبار أوليتال».. «ميلاني تييري» و«ليلي روز». قصة حياة الراقصة «لوي فولر» التي ولدت في الغرب الأمريكي.. كانت تحلم بأن تصبح راقصة مرموقة في الأوبرا الفرنسية، «لوي» كانت تتمتع بموهبة الرسم والخيال ولذلك قامت بتصميم عدة ملابس وتخيلت رقصات بعيدة عن كل المتعارف عليه شجعها في ذلك والدها الذي عندما توفي كان عليها أن ترحل لتعيش مع والدتها في أحد الأديرة.. لكنها تثور علي كل ذلك وترحل إلي أوروبا وبالتحديد فرنسا لتجرب حظها.. وأمام الرقص الجديد بالعصا وعشرات الأمتار من الحرير التي ترتديها صنعت لنفسها طريقا وأصبحت في بداية القرن العشرين «أيقونة» الرقص في فرنسا.. فقد كانت الثياب الحريرية التي ترتديها تحتاج إلي (350) ثلاثمائة وخمسين مترا.. وكانت هذه الراقصة تعتبر مؤسسة فنية قائمة بذاتها.. حيث كانت تهتم بالإضاءة مما أثر علي عينيها كثيرا.. وعندما ظهرت في حياة الأمريكية «ايزادورا» دانكن.. أعجبت بها كثيرا وحاولت مساعدتها.. لكن الأخيرة استغلت ذكاءها وأنوثتها وجمالها مع بالطبع براعتها في الرقص في تحطيم «لوي».. والتي انتهت حياتها وهي ترقص بسقوطها علي المسرح وكسر ظهرها.. لقد دفعت «لوي» هي أيضا ثمن الحلم الذي سعت إليه.. وللأسف فإن الكثير لا يعرفونها مع أنها كانت تعتبر «أيقونة» الرقص في الزمن الجميل. إن متعة مشاهدة هذا الفيلم كبيرة.. ومخرجته تقول إن الفكرة جاءتها عندما عثرت علي صورة قديمة لفتاة تختفي وراء عشرات من الأمتار الحريرية لتعرف أنها «لوي» وتبدأ في البحث عن حكاياتها.. وقد اختارت المخرجة الفنانة «سوكو» لأنها من وجهة نظرها تكاد تتطابق مع الصورة التي شاهدتها.. أما من قامت بدور «ايزادورا» فهي أمريكية شابة في بداية عملها بالتمثيل تبلغ من العمر السادسة عشرة وتملك موهبة عالية. «الراقصة» فيلم تمضي معه ساعة ونصف الساعة تشاهد نوعية جديدة من الرقص كانت في زمن ما.. لا تعتمد علي شكل وجمال الراقصة لكن علي حركتها في المسرح والإضاءة وكأنك تشاهد ثعبانا يتحرك في كل الاتجاهات إنه واحد من أهم الأفلام المميزة التي عرضت في المهرجان.. بلغ فيه جمال التصوير مكانة عالية بالإضافة إلي الموسيقي. يبدو أن نصيب الأفلام الفرنسية ونجومها الكبار سوف يجعلها تحصد أكثر من جائزة هامة.. ومن بينها جائزة أحسن ممثل التي تقول الترشيحات كلها إنها سوف تكون من نصيب الممثل الفرنسي «فابريس لوتشيني» الذي قدم دور برجوازي نبيل أحدب يتحدث بطريقة غريبة وذلك في فيلم «مالوت» للمخرج «برونو دي مون» الذي تشارك في بطولته «جولييت بينوش».. القصة تدور في أوائل القرن الماضي في سنة 1910 في مقاطعة «سلان» شمال فرنسا.. حيث يمتلك أحد النبلاء قصرا كبيرا اعتاد أن يمضي الصيف فيه هو وعائلته وتحضر معهما شقيقته غريبة الأطوار وابنها.. في هذه الجزيرة الساحرة يختفي أكثر من شخص ولا يتم العثور عليهم نهائيا.. لكن في حي الصيادين حيث يقيم الشاب «مالوت» وعائلته ويعمل والده علي أحد القوارب نكتشف أنهم من آكلي لحوم البشر وأنهم هم من يقومون بخطف الزائرين.. وأيضا أثناء الاحتفال بمولد العذراء ووضع تمثال لها علي الشاطئ تحدث المعجزة مع زوجة البارون «فان بيتر جين» و«المفتش» وكلاهما يستطيع الطيران إلي أعلي. ما بين اكتشاف العائلة آكلة لحوم البشر والتغييرات التي تحدث لعائلة «فان» فإن الأسرة يكتشف كل منهما الآخر ونكتشف مدي الفساد والعلاقات غير السوية التي حدثت في الماضي.. هي المفتاح في معرفة هذه الشخصيات الغربية عن قرب. فابريس لوتشيني مرشح لجائزة أحسن ممثل فيما الكثيرون من النقاد ينحاز للفيلم ويراه تحفة فنية.. وهو بالفعل فيلم رفيع المستوي في كل عناصره لكن ليس من السهل أن يحبه أحد.. وهذه هي إحدي متع السينما.