البطالة.. هي بالتأكيد المشكلة التي تمثل تحديا خطيرا تعاني منه جميع المجتمعات والدول وإن كانت تختلف في حدتها وخطورتها من دولة إلي أخري حسب تطورات الأوضاع الاقتصادية ومعدلات النمو في كل دولة. ومصر مثلها مثل كافة الدول الغني منها والفقير تعاني أيضا من مشكلة البطالة خاصة فيما يتعلق بفئة الشباب ولهذا فقد عقدت لجنة الإنتاج الصناعي والطاقة بمجلس الشوري برئاسة محمد فريد خميس اجتماعا الأسبوع الماضي بحضور السيدة عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة تم خلاله مناقشة أبعاد وتأثيرات مشكلة البطالة علي المجتمع المصري ككل سواء علي قطاع أصحاب الأعمال أو العاملين وحجم تداعياتها علي الاقتصاد القومي بفروعه المختلفة الصناعية والزراعية والخدمية. شارك في هذا الحوار الذي اتسم بالجدية والموضوعية مجموعة كبيرة من أعضاء اللجنة بينهم عدد من كبار رجال الصناعة والأعمال موضحين وجهات نظرهم تجاه هذه المشكلة التي تؤرقهم وتمثل قلقا شديدا لهم لما تمثله من خطورة علي مستقبل الإنتاج ومعدلاته الإنتاجية في مصر خلال المرحلة القادمة.. الوزيرة عائشة عبدالهادي أوضحت الدور الهام الذي تقوم به وزارتها لحل المشكلات العمالية سواء في الداخل أو الخارج حفاظا علي مصالح العمال وتأمين حصولهم علي حقوقهم كاملة طبقا للقوانين العمالية المعمول بها في الداخل والخارج وفي نفس الوقت الحفاظ علي أمن المصانع وضمان حُسن سير العمليات الإنتاجية.. كما أوضحت جهود وزارة القوي العاملة لتوفير فرص عمل للشباب وتنظيم دورات تدريب لرفع كفاءتهم المهنية من خلال مراكز تدريب حديثة..كما فجرت قنبلة: أن هناك مئات الآلاف من فرص العمل أمام الشباب إلا أنهم عازفون عنها. وفي بداية اجتماع اللجنة استعرض فريد خميس التقرير الذي أعدته اللجنة حول هذه القضية الهامة مشيرا إلي آراء وجهات نظر الجهات المختصة في هذا الشأن وعددها 12 جهة وفي مقدمتها وزارات الصناعة والتجارة والاستثمار والقوي العاملة والتنمية الاقتصادية والتربية والتعليم والاتحاد العام للنقابات واتحاد الصناعات بالإضافة إلي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومركز المعلومات واتخاذ القرار ومركز معلومات قطاع الأعمال وهو مايؤكد أيضا مدي أهمية هذه القضية وتأثيرها علي مسيرة الاقتصاد القومي المصري. تطرق التقرير إلي الواقع والتحديات التي يمر بها القطاع الصناعي المصري وأهدافه والإنجازات التي تحققت بالرغم من ظروف الأزمة الاقتصادية المالية العالمية.. كما استعرض واقع العمالة في قطاع الصناعة بجميع فروعه وكذلك التحديات الحالية التي تواجه العمالة الصناعية من خلال عرض للمشكلات العامة ثم أوضاع التعليم الفني والتدريب المهني مشيرا إلي مشروع »مبارك كول« للتعليم الفني والتدريب المهني وهو الفكر الذي ساهم كثيرا في تحقيق التنمية الاقتصادية والصناعية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. كما أشار التقرير أيضا إلي البطالة الصناعية وسوق العمل والخصخصة وأثرها علي العمالة في مصر واختلالات الأجور بالقطاع الصناعي بالإضافة إلي مشاكل المرأة العاملة وعمالة الأطفال غير القانونية. هذا وقد تضمن التقرير حزمة من التوصيات للنهوض بالعمالة المصرية في القطاع الصناعي حتي يمكنها تجاوز الآثار السلبية للتحديات التي تواجهها وتحقق النمو المرجو منها خلال الفترة القادمة وتنقسم تلك التوصيات إلي حزمة تدعو أجهزة الدولة المختلفة إلي تفعيل وتطبيق ما توصلت إليه من سياسات من خلال جداول زمنية محددة وحزمة أخري لما توصل إليه التقرير من مقترحات عامة يري ضرورة أن تسترشد بها السياسات الحكومية وتضمنها رؤي وسياسات وممارسات القطاع الخاص والاتحادات وكافة الشركات المعنية بموضوع العمالة للنهوض بها. وأثناء انعقاد اللجنة حدثت واقعة طريفة إلا أنها ذات مدلول هام يمس لب القضية التي كانت اللجنة بصدد بحثها والتي كان ينبغي أن تناقشها اللجنة علي الفور بحضور الضحية نفسها وهو الشاب »جرسون« الذي تقدم بفنجان القهوة للوزيرة التي لم يعجبها تسريحة شعره فبادرته بسؤال هو بالطبع من صميم اهتماماتها: إنت خريج إيه؟ فرد عليها الفتي خريج مدرسة الصنايع وعلي الفور علق فريد خميس رئيس اللجنة يابني مكانك ليس هنا إنت مكانك عندنا في المصنع.. وأعتقد أن هذا الشاب كان ينبغي أن يخضع لعملية تشريح ليس جسديا.. وإنما تشريح فكري ونفسي ومهني لمعرفة الأسباب التي دعته لترك التخصص الذي درسه في المدرسة الصناعية لمدة ثلاث سنوات كاملة ثم يسعي إلي هذه الوظيفة في مجلس الشوري أو غيره من الأماكن التي لا تتفق مع المهنة التي درسها والتي تحتاجها الصناعة المصرية أشد الاحتياج. إننا في حاجة إلي بحث تفصيلي وواقعي لهذه المشكلة من أجل وضع حد لهذه الاتهامات المتبادلة بين رجال الأعمال والصناعة الذين يؤكدون أن هناك مئات الآلاف من فرص العمل في مصانعهم أمام الشباب ولكنهم عازفون عنها وغير مقبلين عليها.. فيما تؤكد التقارير أيضا أن هناك مئات الآلاف من الشباب العاطل بدون عمل بل إن هناك من يغامرون بأنفسهم غرقا في البحر بحثا عن فرصة عمل في الدول الأوروبية .. هناك لغز لابد من الوصول إليه أو كما يقولون »الفريضة الغائبة« وتحليله بدقة وشفافية. وتبقي الحقيقة أن ثروتنا البشرية هي واحدة من أهم ثروات هذا البلد.. المهم هو كيفية الحفاظ عليها وتنميتها واستثمارها الاستثمار الأمثل من خلال تأهيلها وتدريبها ورفع كفاءتها طبقا لمعطيات العصر واحتياجات عمليات التنمية في كافة مجالاتها.. وكما يقول المهندس محمد جمال الدين محمود رئيس مجموعة شركات MM فإن العنصر البشري يعد أهم عناصر العملية الإنتاجية لأنه الذي يحافظ علي الأجهزة والمعدات التي يعمل عليها والتي تقدر بالملايين. ثم لماذا لا يستعين رجال الأعمال والصناعة بشركات »توظيف العمالة« لمد مصانعهم باحتياجاتها من العمالة الفنية المدربة وتعريف الشباب بطبيعة العمل في هذه الشركات وما لديها من مميزات والفائدة التي ستعود عليهم وعلي بلدهم من العمل بها وذلك علي غرار شركات توظيف العمالة للخارج.