ظاهرة جديدة ينفرد بها مجلس النواب عن غيره من المجالس السابقة هذه الظاهرة تنامت وترعرعت داخل هذا المجلس نظرا لعدم وجود زعيم أغلبية يكون بإمكانه تجميع النواب ، ففي مشهد متكرر ومعتاد، إلي حد أنه لم يعد جديدًا ولا غريبًا علي القاعة الرئيسية لمجلس النواب منذ انعقاد المجلس للمرة الأولي خلال شهر يناير الماضي، واصل أعضاء مجلس النواب حالة الغياب عن الحضور والمشاركة في جلسات البرلمان، ووضح الأمر أكثر في جلسات مناقشة بيان الحكومة وتقرير اللجنة المشكلة برئاسة السيد محمود الشريف لدراسته. مع ظهور وتنامي واستفحال هذه المشكلة، حاول الدكتور علي عبد العال، خلال الفترة الماضية، حث النواب علي المشاركة في الجلسات، ولكن دون جدوي، ففي البداية اعتمد "عبد العال" علي الصحافة من أجل مشاركة النواب، ولكن لم تنفع هذه المحاولة معهم، وانقطع النواب عن الحضور أيضًا، وخلال إحدي الجلسات التي تأخرت لأكثر من ساعة لعدم اكتمال النصاب القانوني، لجأ الدكتور علي عبد العال إلي الجزاء، في محاولة منه لحث النواب مرة أخري علي الحضور والمشاركة في الجلسات، قائلا للنواب الغائبين: "انتوا بتستهتروا بقضايا الوطن". وفي جلسة أخري قام رئيس المجلس بترك المنصة وخرج من القاعة غاضبا بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني وتوعد رئيس البرلمان النواب المتغيبين بتطبيق البصمة الإلكترونية، وذلك لإثبات حضور النواب وكشف المتغيبين منهم، الأمر الذي أثار جدلاً حول "التضييق" علي النواب وإلزامهم بحضور الجلسات رغمًا عنهم. ويبقي هناك عدد من الأسئلة: لماذا يحضر النواب في الجلسات المهمة، مثل بيان الرئيس السيسي وكلمة الملك سلمان، ويتغيبون عن حضور باقي الجلسات رغم أهميتها أيضا؟! وهل التصريحات المسبقة حول نية البرلمان منح الثقة للحكومة تعد سببًا في عدم حضور النواب؟! ولماذا لم تظهر هذه الظواهر في المجالس السابقة؟ ومن كان يتابع البرلمانات السابقة خاصة برلمانات ما قبل يناير سيجد إجابة علي هذه الأسئلة فتواجد النواب في القاعة الرئيسية للمجلس والتزامهم كانت مهمة أمين تنظيم الحزب الذي كان يسيطر علي المجلس طيلة السنوات السابقة وهو الحزب الوطني فكان النائب الراحل كمال الشاذلي مسئولا عن تواجد النواب داخل القاعة وكان يذهب بنفسه إلي البهو وكان ينظر بعينه إلي النواب الجالسين هناك وبعد لحظات الكل يجري مثل طلبة المدارس إلي قاعة المجلس ومن كان يتغيب باستمرار فعقابه كان من نوع آخر كان يصل لحد العتاب الحاد. أما عن برلمان أحمد عز وخاصة برلمان 2005 فكان أحمد عز هو أمين التنظيم وكان يحرك النواب تجاه القاعة من خلال موظفين مسئولين عن ذلك وكانوا متواجدين بمبني الحزب الوطني علي الكورنيش وكانوا يقومون بتوجيه نواب الحزب الوطني من خلال الاتصال بهم علي التليفون المحمول أو من خلال رسائل sms وكان عندما يجد الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وقتها الجلسات فارغة من الأعضاء كان يوجه حديثه لأمين التنظيم وزعيم الأغلبية. لكن الآن وعلي حد قول أحد النواب الذي فضل عدم ذكر اسمه الذي أكد أن المجلس لا يوجد به كبير حتي ائتلاف دعم الدولة صاحب الأغلبية غير متماسك ولا يوجد به الشخصية القوية التي تستطيع السيطرة علي النواب سواء بالحضور أو الرأي كما كان يحدث مع أي أغلبية برلمانية كانت موجوده من قبل. فعدم الالتزام بكتلة الأغلبية ظهر في الجلسات الأولي في المجلس عندما فشل تحالف دعم الدولة في إنجاح النائب علاء عبد المنعم مرشح تحالف دعم مصر علي منصب الوكيل وكانت هي الصدمة الأولي لقيادة الائتلاف يأتي ذلك بالرغم من نص المادة (333) من اللائحة الداخلية للمجلس التي تنص علي: "يجب علي العضو الذي يطرأ ما يستوجب مغادرته مبني المجلس أثناء انعقاد جلساته أو جلسات لجانه أن يستأذن في ذلك كتابة لرئيس المجلس أو رئيس اللجنة بحسب الأحوال". وتنص المادة (334) علي: "إذا تغيب العضو عن حضور جلسات المجلس أو لجانه بغير إجازة أو إذن، أو لم يحضر بعد مضي المدة المرخص له فيها، اعتبر متغيبا دون إذن ويسقط حقه في المكافأة عن مدة الغياب". وتدافع النائبة آمنة نصير، عضو مجلس النواب،عن ظاهرة غياب النواب مؤكدة أن ما يُشاع حول غياب 300 نائب عن حضور جلسات البرلمان، غير صحيح، مشيرةً إلي أن التأخير يكون لمدة ربع ساعة أو أكثر، بسبب الشلل المروري المحيط بمقر مجلس النواب، بشارع قصر العيني، وميدان التحرير. وأكدت نصير، أن بعض النواب يتغيبون عن الجلسات، لظروف خاصة، قائلةً :"بلاش نعمم الغياب، إما أن يكون في مهمة، أو في ظروف أخري، والغياب يكون اضطرارًا". من جانبه، قال ياسر عمر، عضو مجلس النواب، إن المجلس يعاني من سوء تنظيم جلساته، مشيرا إلي أن النواب يتلقون جدول أعمال الجلسات في وقت متأخر جدا، قبل الجلسة بساعات قليلة، مطالبا بالحصول علي جدول الأعمال قبل الجلسة بأيام، وأن يكون الفرق بين الجلستين لا يزيد عن ساعة حتي لا يهدر وقت النواب في انتظار الجلسة الثانية. وأكد النائب أن بث الجلسات ربما يساهم في التزام النواب بحضور الجلسات، ولكنه يفتح الطريق أمام ما وصفه ب"المنظرة"، لافتا إلي أنه يؤيد بث الجلسات مسجلة وليست مباشرة. أعرب النائب أيمن أبو العلا عن ترحيبه بقرار رئيس المجلس، متوقعًا أن يحد من ظاهرة الغياب المخزي التي سيطرت الفترة الفائتة علي أغلب جلسات البرلمان، مشيرا إلي أن الإيجابيات من وراء هذه التجربة تفوق بمراحل أي سلبيات. وقال أبو العلا إنه يشجع أي تدخل "تقني" أو تكنولوجي لضبط أي مخالفات أو ظواهر سلبية بالبرلمان، وأن الأمر بدأ مع نظام التصويت الإلكتروني، ثم استبدال إثبات الحضور والغياب الورقي بنظام البصمة الإلكترونية، مشيرا إلي أن ذلك يزيد من أسهم البرلمان المصري أمام برلمانات العالم وليس العكس. وقال الدكتور يسري العزباوي، الباحث بالنظم الانتخابية بمركز الأهرام للدراسات، إن غياب النواب بشكل كبير عن جلسات البرلمان يعرقل من مناقشة قوانين هامة تعد البلاد في أمس الحاجة لها خلال الفترة الحالية. وأضاف العزباوي في تصريح خاص أن رئيس البرلمان والمكتب التنفيذي يمكنه توقيع عقوبات علي النواب الذين يتغيبون بشكل مستمر من خلال منع مزايا البرلمان منهم من بدلات أو توجيه تحذير لهم، أو منعهم من حضور عدد من الجلسات، وفي حال تخطي النائب لفترة معينة من الجلسات يمكن سحب العضوية منه.