أحصي معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته 47 مليون زائر في الأسبوع الأول فقط، وهو ما جعل الدكتور هيثم الحاج رئيس الهيئة العامة للكتاب يوجه بطبع المزيد من التذاكر.. الرقم الكبير يشير بتفاؤل إلي شعب مازال يؤمن بأهمية المعرفة في صناعة المستقبل، بينما تؤكد الطوابير الطويلة - من الشباب- المتراصة يوميا أمام بوابات المعرض أننا أمام ظاهرة صحية تنتصر للوعي. ربما كان علي الدكتور هيثم الحاج، أن يلتفت إلي ما يمثله المعرض من قيمة ثقافية لمصر وللمصريين، فيقوم بتصويب الأخطاء التي وقع فيها أسلافه علي مدار السنوات الماضية، ولكن للأسف ما نراه هو أن التنظيم يسير من السيئ للأسوأ! وإذا كانت مشكلة اتهام الدكتور عمرو زكريا مترجم كتاب «ألف ليلة دوت كوم.. كيف يرانا الإسرائيليون» بالتطبيع والمطالبة بمصادرة العمل قد شهدت جدلا كبيرا، فإن الكتب المحرِّضة علي العنف أيضا وجدت من يدعو إلي منع تداولها من المعرض، بينما يبذل الزائر الذي قرر قضاء يومه مع أسرته داخل المعرض جهدا كبيرا في السيطرة علي أعصابه لعدم وجود أماكن مخصصة للجلوس أو توفير دورات مياه آدمية. ودخلت السياسة علي طريق المواجهات بعد أن قام مجموعة من الليبيين من أنصار الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بالتعدي علي عبدالرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي الأسبق، في ندوته حول «الثقافة في مواجهة التطرف» وهم يهتفون بأن «القذافي» بطل القومية العربية. يشكو صابر عبد الكريم موظف بالشهر العقاري- من سوء التنظيم، وعدم وجود أماكن للجلوس تمكِّن أطفاله من تلقي قسط من الراحة بعد يوم شاق من اللف علي الأجنحة لشراء الكتب، لافتا إلي الأسعار السياحية التي يتعامل بها المقهي الثقافي مع الجمهور. ويعترف سعد عبدالحفيظ موظف بأنه يقرأ عناوين الكتب في الأجنحة المختلفة ولكنه يشتريها من سور الأزبكية بثمن رخيص جدا، ويفاخر بما يحمل من صيد ثمين من كتب الأدب الإنجليزي، وحول ما إذا كانت الكتب مزوّرة قال عبدالحفيظ إن الكتب الأصلية تباع بأضعاف ثمنها في دور النشر وهو ما يجعله وغيره لا يحلمون باقتنائها أبدا في ظل مواردهم المالية البسيطة، ويطالب دور النشر بتوفير طبعات شعبية لغير القادرين علي شراء الكتب الغالية حتي لا يضطروا للتعامل مع المزوِّرين. أما الناشرون المصريون والعرب فقد ضربوا كفا بكف وهم يقومون باستئجار مساحات داخل خيام تهددها الرياح من كل جانب، فضلا عن سرقة مجهودهم عن طريق لوبي تزوير الكتب دون أدني مراعاة للملكية الفكرية، وطالب ناشرون رئيس الهيئة العامة للكتاب بتنظيم جيِّد يليق باسم مصر وتوفير صالات للعرض، وعدم تحويل المعرض إلي سوق كبير، والانتباه إلي الهدف المقام من أجله، وتغليظ العقوبة علي مزوِّري الكتب ممن يتسببون في خسارت فادحة لدور النشر. يشير أحمد سالم عضو اتحاد الناشرين العرب مدير دار الأمان المغربي إلي أن سور الأزبكية مكتظ بكتب مزوّرة، ويحصي أكثر من خمسمائة عنوان ومعروضة بكم كبير من الأجنحة في المعرض، ويضيف: إن ذلك يؤثر بشكل سلبي علي الناشرين، كيف لهم أن يبيعوا الكتاب بخمسة عشر جنيها وثمنه الأصلي عشرة دولارات .. الفرق كبير وهو ما يؤثر علي مبيعات الناشرين. ومن ناحية أخري قال الدكتور عمرو زكريا مترجم كتاب «ألف ليلة وليلة دوت كوم» إنه قام بسحب النسخ من المعرض لينسف المشكلة من الأساس، ورفض الكاتب اتهامه بالتطبيع، لافتا إلي أن الأقسام العبرية في الجامعات مهمتها ترجمة ما يُكتب داخل إسرائيل، وتساءل: هل يجوز لنا أن نتهم الخريجين منها بالتطبيع؟! وأوضح أنه من المهم معرفة كيف يفكر الإسرائيليون حتي يمكننا التصدي لهم، وأضاف بأنه سبق وترجم من قبل كتابين عبريين هما: «إسرائيل وأفريقيا»، و«العلاقات الإسرائيلية الآسيوية». الدكتورة أمل الصبان، الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، أكدت أن الكتب السياسية والتاريخية لاقت رواجا شديدا في المبيعات بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والأربعين بالمقارنة بالكتب الأدبية، ومن هذه الكتب الأكثر مبيعاً: «مصر في الأساطير العربية» للدكتور عمرو منير، وكتاب «العلم والسيطرة» للدكتور أحمد بهاء الدين شعبان، وكتاب «فصول في السياسة والثقافة» ، وكتاب»رحلة مع العقل ..رمسيس يونان» تأليف عدلي رزق الله، وكتاب» محاكمة ألف ليلة وليلة» تأليف سامح كريم، وكتاب» النقد الأدبي في الأهرام»تأليف الدكتور محسن عبد الخالق، وكتاب» الحركة العمالية في مصر من 1899إلي 1952» تأليف رؤوف عباس حامد، وكتاب»كفر شوبا» للكاتب اللبناني فرحان صالح ، وانحصر نصيب الأدب في المجموعة القصصية «حكايات ناس طيبين» للكاتب سعيد الكفراوي. جاء ذلك مناقضا تماما لقلة الإقبال علي الكتب الدينية، علي الرغم من السباق المحموم لتخفيض أسعارها باستخدام مُكبرات الصوت وتوزيع الأوراق الدعائية لها. أما عن حركة المبيعات للناشرين، فكانت متفاوتة؛ حيث كانت أسعار الكتب مرتفعة في بعض الأقسام، التي امتنع الزوّار عن الشراء منها، وخاصة الكتب الدراسية، التي بالغت دور النشر في سعرها، علي الرغم من قلة جودة وكفاءة إخراج ورقها وسوء طباعتها. فيما زاد عدد المواطنين في الأقسام الأخري، خاصة مع التخفيضات التي كانت في «جناح عصير الكتب وجناح سور الأزبكية»، حيث وصل سعر الكتاب فيها إلي 5 جنيهات فقط، وكذلك شهدت المكتبات الكبيرة مثل: مكتبة «ألف» ومكتبة الشروق، إقبالًا كثيفًا، نظرًا للعروض المميزة بها علي الكتب. ومازال الشباب يرون أنفسهم في فكر كتب الراحل مصطفي محمود فهم يجدونه قريبا منهم، فهو العالم، وهو الوسطي في الدين وهو الذي يمثل الشباب في تفكيرهم الآن، لذا كان الإقبال علي كتبه كبيرا جدا وكل مجموعته وخصوصا كتابه حوار مع صديق ملحد.. أيضا مازالت روايات نجيب محفوظ تحقق أعلي المبيعات عن غيرها من كبار الأدباء الراحلين أو الحاليين. وإذا كان قد تراجع شراء الكتب الدينية بشكل عام في هذه الدورة إلا أن الملاحظ إقبال الشباب علي دور نشر لها صيغة معيّنة في نشر كتبها التي تتسم ببساطة الفكرة وعدم الاهتمام باللغة داخل موضوعها، ويمكن أن يصفها البعض أنها غير قيِّمة ثقافيًا لكنها تجد إقبالا كبيرا من الشباب الذين يبحثون عن فكرة بسيطة لا تحتوي فيها علي لغة فكرية أو ثقافية.