محمود حميدة فى فيلم «من ضهر راجل» مع بداية شهر ديسمبر، تبدأ وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية في إجراء استفتاء حول أهم أفلام السينما المصرية، التي تم إنتاجها وعرضت تجارياً أو من خلال المهرجانات المحلية أو العالمية! وعلي عكس الصورة التقليدية المتشائمة التي تنظر للسينما المصرية باعتبارها صناعة تآكلت وانهارت ولم يعد منها رجاء، جاء الموسم السينمائي 2015 يحمل أملا جديدا في الشفاء، قد يكون عدد الأفلام الجيدة قليلا بالنسبة للمعروض ولكن هذا أمر طبيعي جدا ويحدث في كل أنحاء الدنيا، حيث تنتج السينما الأمريكية مثلا وهي أكبر وأهم صناعة سينما في العالم ما يقرب من ثمانمائة فيلم، لايتميز منها أكثر من عشرين والباقي يدخل تحت بند المتوسط وأقل من المتوسط أحياناً، وبحساب النسبة والتناسب، فالسينما المصرية أنتجت هذا العام مايقرب من ثلاثين فيلما بينها خمسة أفلام جديرة بالاهتمام، وتشهد عودة كبار مخرجي الصناعة إلي الاستوديوهات، وتشهد تجارب ممتعة جدا منها قط وفار سيناريو وحيد حامد،وإخراج تامر محسن، وسكر مر إخراج هاني خليفة، وأولاد رزق إخراج طارق العريان، خارج الخدمة إخراج محمود كامل وبطولة شيرين رضا وأحمد الفيشاوي بالإضافة لأفلام لم تعرض بعد مثل قبل زحمة الصيف للمخرج محمد خان، نوارة للمخرجة هالة خليل وبطولة منة شلبي ومحمود حميدة، وقدرات غير عادية لداود عبدالسيد وهو من إنتاج 2014 ولم يجد طريقه للعرض إلا مع شهر ديسمبر من العام الحالي، هذا بالإضافة إلي فيلم من ضهر راجل الذي عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي! وهو الفيلم الذي أثار جدلا كبيرا قبل وأثناء وبعد عرضه، وهو من تأليف محمد أمين راضي وإخراج كريم السبكي، وبطولة كل من محمود حميدة وآسر ياسين، وياسمين رئيس، رانيا يوسف وصبري فواز، وقد عاني الفيلم من توتر الإيقاع وتلكؤه في كثير من المواقع، وتمنيت أن يقوم المخرج "كريم السبكي" ومعه المونتير "عمرو عاصم" بعمل اختزال لبعض مشاهد المعارك بين بلطجية الشوارع، نظراً لكثرتها، وعدم تنوعها، بالإضافة لحذف كام كادر من اللقاء الجنسي بين آسر ياسين وياسمين رئيس، وذلك لأسباب فنية بحتة، حيث كان واضحاً، أن المخرج قام بتصوير كل منهما علي حدة، بحيث ظهر المشهد مفتعلاً في بعض تفاصيله، وأعتقد لو نقص زمن الفيلم عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة، لكان ذلك كفيلاً بضبط إيقاعه تماماً، ومع ذلك فنحن أمام فيلم جيد فعلاً سواء من حيث المضمون أو المستوي الفني والفكري، قام السيناريست محمد أمين راضي، بالدخول في قلب الحدث مباشرة، فنحن أمام هجوم مكثف للشرطة، علي مجموعة من الأفراد المسلحين، يحتلون سطح عمارة تحت الإنشاء، ومعهم إحدي الرهائن"يوسف عثمان"، ثم نلحظ وجود محمود حميدة مصاباً بين المجموعة المسلحة، وعن طريق فلاش باك، نبدأ التعرف علي عناصر الصراع، رجل قادم من الصعيد ومعه طفله الصغير، يقوم بتربيته ويحسن نشأته، ويلحظ مدرب الملاكمة الذي يقطن بنفس الحارة "محمد لطفي" أن الطفل لديه طاقة حركية، فينصح والده بتدريبه ليكون ملاكماً محترفاً، حين يصل إلي سن الشباب، مما يجعل الغيرة تعتمل في صدر"طه" ابن المدرب نظراً لاهتمام والده وإعجابه الشديد "برحيم " الذي يكبر ليكون آسر ياسين، أما طه فيلعب دوره شريف رمزي في أفضل أدواره علي الإطلاق، يتجه طه إلي الانخراط في كتب الفقه والتفسير، بينما يصبح رحيم شاباً يافعاً مثار إعجاب الجميع وخاصة "مي" أو ياسمين رئيس، التي يحبها طه ولكنها تعرض عنه! يقع رحيم" فريسه لقطبين هما أصل البلاء في مجتمعنا، رجل الدين "شريف رمزي" ورجل الشرطة "صبري فواز"، بالمناسبة من أهم فضائل الفيلم تقديم نموذج مختلف لرجل الدين، فهو لايرتدي عمامة ولاجلباب، ولاهو كبير السن، ولكنه قارئ لكتب الفقه وهي كتب التراث التي لم تخرج من نفسه حالة الغل الأسود والحقد علي خصمه، فيعمد إلي إيذائه بكل الطرق، لإفساد حياته هو ووالده "محمود حميدة"، الذي كان إماما للجامع، أما رجل الشرطة الفاسد أيضا، والذي يتعامل مع البلطجي "حنش" أو وليد فواز، فهو يضع عينيه علي "رحيم" ليستغل قوته البدنية ليحوله من رياضي له مستقبل إلي بلطجي، ويقفل في وجهه كل سبل العيش الكريم، ويتعمد إذلاله وكسر نفسه، وتحطيم أنفه، بفضح ماضي والده"محمود حميدة" الذي كان بلطجياً محترفا، ولكنه هرب للقاهرة بعد اقترافه جريمة قتل، وفي واحد من أهم مشاهد الفيلم يستمع "رحيم" إلي ضابط الشرطة" صبري فواز" وهو يسرد له ماضي والده، فيجمع المشهد بين الماضي والحاضر دون أن يلجأ للفلاش باك التقليدي، يشعر رحيم بالسخط علي والده، ويقرر العمل مع الضابط، في أعمال البلطجة، ويقف له محمود حميدة بالمرصاد محاولا أن يمنعه من المضي قدما في هذا الطريق، ولكن الأمور تكون قد أفلتت تماماً، وتحول الشاب البسيط المحبوب إلي كتلة من العنف والشر،الذي يتزايد عندما تتزوج حبيبته "مي " أو ياسمين رئيس من غريمه الشيخ "طه" شريف رمزي! ويصبح الصراع علي أشده، بين الأطراف الثلاثة، الشاب ورجل الدين،ورجل الشرطة أليس هذا مايحدث علي الأرض فعلاً وفي واقعنا، وهو أصل الداء في مجتمعنا وكثير من المجتمعات العربية؟ فيلم من ضهر راجل يشهد حالة إبداع في أداء كل من محمود حميدة وخاصة في لحظات الصمت والانكسار، أو القوة في مواجهة سقوط ابنه، وآسر ياسين في معظم المواقف والأفعال وردود الأفعال، وإن كان البعض يستنكر أن يقوم رغم ضآلة جسده بمشاهد الأكشن العنيفة، ويبدو أن هؤلاء لايشاهدون أفلام الحركة الكورية، التي تعتبر الأكثر عنفاً في تاريخ السينما، ومع ذلك فأبطالها من أصحاب الأحجام الصغيرة! وقد يبدو دور صبري فواز تقليدياً ولكنه غير ذلك بالمرة؟ وللأسف كثيرون لايدركون صعوبة أن يُظهر الممثل عكس ماتبطن الشخصية، من خسة وندالة، بدون صخب، أما "وليد فواز" في دور البلطجي حنش، فهو يقدم أداء جيدا ولكنه متوقع، ولايحمل جديدا، ياسمين رئيس لم تتقدم خطوة، محمد لطفي في واحد من أفضل أدواره بعد رسائل بحر، وشريف رمزي مفاجأة! كريم السبكي يقفز خطوتين للأمام ، ومن أهم عناصر الفيلم الفنية كاميرا أحمد مشاري"شيكو"، ومونتاج عمرو عاصم، وموسيقي عمرو إسماعيل.