انشغل الرأي العام علي مدار الأسبوع الماضي بجريمة التحرش التي تعرضت لها س. ع المعروفة إعلامياً ب"فتاة المول"، باعتبارها من أغرب قضايا التحرش من حيث الجرأة في اعتداء المتهم علي الفتاة رغم خروجه من السجن في قضية مشابهة ومن المفترض خضوعه لفترة مراقبة بعد الإفراج عنه، ما يفرض تساؤلات بشأن مدي فاعلية عقاب مرتكبي جرائم العِرض، وما هو أفضل وضع قانوني لمراقبتهم وهل ترتبط مدة المراقبة بمدة العقوبة؟ وما التحذيرات التي تفرضها الجهات الأمنية لضمان عدم تكرار الجريمة؟ هذه النقاط نناقشها مع خبراء أمن وقانونيين في سياق هذا التحقيق. الدكتورة فادية أبوشهبة: قانون التحرش الجنسي لا يردع الجاني مدير شرطة الآداب: يجب تطبيق قانون "ظرف العود" لعدم تكرار الجريمة تعتبر جريمة التحرش الجنسي التي تعرضت لها "فتاة المول" بحي مصر الجديدة من الجرائم التي تحتوي علي العديد من المؤشرات التي تعكس مدي تعامل المجتمع المصري مع جريمة التعرض لأنثي بأي شكل من أشكال التحرش من خلال انتصار قانون البلطجة علي قانون جريمة التحرش الجنسي وعقوبتها المشرعة فبالرجوع إلي بعض تفاصيل الواقعة نجد أنه بعد أن قام أفراد أمن المول باصطحاب المتهم لغرفة الأمن ب"المول". واحتجازه أكدت الفتاة المعتدي عليها "س . ع" أنه هدد أفراد الأمن وكان يعرفهم كما أن أفراد الأمن أكدوا معرفتهم به وأنه بلطجي واستعان ببعض البلطجية وهدد الموجودين. الأمر الثاني هو خروج المتهم مؤخرًا من السجن بعد أن كان مسجونًا لمدة 6 سنوات في قضية احتجاز فتاة ومعاودة جريمته بعد أقل من عام من قضاء فترة عقوبته، ومن خلال هاتين النقطتين فإنه طالما يتعامل المجتمع مع جريمة التحرش بهذه الطريقة فهذا يعني أننا مازلنا أمام مشكلة مستعصية علي المواجهة رغم التعديلات الأخيرة علي قانون العقوبات بنصوصه المشددة علي جريمة التحرش. من هذا المنطلق تحاول الدكتورة فادية أبوشهبة أستاذة القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تفسير هذا الواقع قائلة: المتحرش هو شخص يعتاد علي هذه الجريمة ولا يفرق في اختيار ضحيته فقد قابلت في أحد السجون شخصا اغتصب طفلة عمرها خمس سنوات وآخر قام بارتكاب 21 قضية بين تحرش وهتك عرض واغتصاب، لذا فإن الشخص الذي اعتاد علي تكرار جرائم التحرش الجنسي من الممكن أن يرتكب جرائمه في أي مكان وليس مقصورا علي محيط المنطقة السكنية التابع لها طالما لم يتحقق الهدف من قضاء فترة العقوبة التي وقعت عليه سابقا في جريمة مشابهة وهي الردع علي مستوي الردع العام للمجتمع والخاص للمحكوم عليه الذي يتمثل في الشعور بالخوف وعدم العوده للجريمة. وتتابع: لذا لابد من لفت الانتباه إلي عملية تأهيل المذنبين أخلاقيا ودينيا وقيميا داخل السجون، حسب نوع الجريمة، بما يضمن خروج المذنب للمجتمع بعد قضائه مدة العقوبة كمواطن طبيعي وأن تكون بالفعل فترة العقوبة تهذيبا وإصلاحا وردعا ولكن في حالة عدم جدوي الهدف من العقوبة وخروج الجاني من السجن وتكراره لجريمته، لابد أن نطرح استفهاما كبيرا حول مدي فاعلية عقاب مرتكبي جرائم العرض سواء تحرش جنسي أو هتك عرض أو اغتصاب وهل حقق تعديلا سلوكيا حقيقيا من عدمه لأن المسجونين يقضون فقط فترة العقوبة مع افتقاد معايير التأهيل السلوكي والنفسي والاجتماعي كخطوة مهمة لمواجهة الجريمة. وأضافت: القانون الحالي كاف جدا وأعطي جريمة التحرش ما تستحقه في حق الجاني والمجني عليها والمجتمع، بفرض عقوبة للتحرش وهو أول درجة من درجات التعرض للأنثي التي قد تكون لفظية، وعقوبة تكميلية علي المحكوم عليه بعد الإفراج عنه من خلال الملاحقة والتتبع التي هي عبارة عن الوضع تحت المراقبة، باعتباره حكما مع الحبس واجب نفاذه بعد خروجه من السجن وهي مدة تختلف في الجنايات التي حددها القانون ب 6 سنوات وفي قضايا الجنح ب 3 سنوات من تاريخ خروجه من السجن حتي يتم رد اعتبار المتحرش واختفاء الجريمة من سجله القانوني ولو مرت هذه المدة ولم يعاود ارتكاب هذه الجريمة مجدداً وأثبتت التحريات حسن سلوكه تصدر المحكمة له هنا حكم رد الاعتبار وتمحو كل الآثار التي ترتبت من إيداعه بالسجن فله حق ممارسة حقوقه السياسية والمدنية وهي مادة وضعها المشرع كوسيله لمنع العودة إلي الجريمة. تواصل: هنا أركز علي أهمية الوعي المجتمعي فلا يتعامل الناس مع جريمة التحرش بطرق سلبية وبالتالي عندما يتم القبض علي المتحرشين ومعاقبتهم ستختفي ظاهرة التحرش من المجتمع. ولابد لمنظمات المجتمع المدني أن تضع مبادرات لوضع وصمة عار علي المتهم بأي طريقة تراها مناسبة كما كان يحدث في الماضي. أما الدكتورة عزة كامل رئيس مركز "أكت" للمرأة فتري أن واقعة الاعتداء علي فتاة المول عكست فشل المجتمع في التعامل مع جريمة التحرش وتسببت في ضياع حق الفتاة ودافعت عن الجاني سواء من جانب أمن المول الذي تواطأ مع الجاني وشهادة الشهود والتناول الخاطئ لوسائل الإعلام ولابد من محاسبة الجميع الذين سمحوا أن يتفوق قانون البلطجة، لأن القانون لا ينفذ بدليل أن الجاني تحدي القانون بخروجه وارتكابه نفس الجريمة لذا لابد من تعامل الجهات الأمنية بمزيد من الجدية في قضايا التحرش لأنه سيساهم كثيرا في تحقيق الردع العام. ويطالب مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة لشرطة مكافحة جرائم الآداب اللواء أمجد شافعي بتطبيق نص قانون "ظرف العَود" الذي يتناول عودة المجرم إلي جريمته مرة أخري - لأنه معطل في جميع الجرائم، وهذا الظرف نصت عليه المواد من 49 إلي 54 من قانون العقوبات، وتطبيق هذا الظرف يحقق ردعا كبيرا لكثير من المجرمين لأن القانون أعطي فيه للقاضي سلطات واسعة تتمثل في تشديد العقوبة علي المجرم العائد لجريمته التي تمت معاقبته عليها من قبل. ويوضح نائب مدير مباحث مكافحة جرائم الآداب اللواء محمد ذكاء أن المراقبة الشرطية عقوبة قضائية بمعني أنه يصدر بها حكم من القاضي، وتتم المراقبة من غروب الشمس إلي شروق الشمس، حيث يتم تشكيل لجنة لتحديد مكان المراقبة التي تكون إما في قسم الشرطة أو في بيت المتهم ويجوز تعديل مكان المراقبة بعد ستة شهور، ففي بعض الحالات الصحية مثل كبار السن أو من يعانون من بعض الأمراض تتم مراقبتهم في بيتهم وأيضاً الحالات التي تكون سلوكياتها جيدة، مشيرا إلي أنه لم يكن هناك مصطلح تحرش في القانون إلا بعد إصدار رئيس الجمهورية قانون التحرش عام 2014 حيث تم دمج مصطلحا التعرض اللفظي والجسدي للفتاة تحت مسمي التحرش، ومراقبة المتحرشين موجودة لكنها مصنفة تحت مسمي هتك عرض، ومصطلح التحرش في القوانين الغربية يقصد به علاقة الرئيس بالمرؤوس والاستفادة منه واستغلاله جنسياً، موضحاً أن أغلب حالات التبجح والجرأة في عمليات التحرش تكون تحت تأثير المخدرات للجناة. يحلل د.إبراهيم عيد أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس شخصية المتحرش نفسياً بأنه إنسان فاقد للمعايير القيمية للشخصية المصرية، وحالة السلبية من المواطنين التي شاهدناها في واقعة الاعتداء علي سيدة في ميدان التحرير والسيدة التي تم تجريدها من ملابسها دون التدخل من أحد أعطي انطباعاً أنه من الممكن أن تكون متحرشاً وتستخدم طاقاتك العدوانية وأنت علي يقين من أن الآخرين سيكونون في حالة من عدم الاكتراث لما يحدث، والأخطر من ذلك أن من شاهدوا واقعة التحرش ظلوا ينظرون إلي المشهد وكأنه مشهد سينمائي وهذا الأمر ليس من سمات المصريين المعروفين بالشهامة والنخوة، فالمصري لا يقبل التعدي علي فتاة. ويشير عيد إلي أنه يمكن وصف هذه الحالة من السلبية بأنها انقلاب في المعايير القيمية التي كانت سائدة، لذلك لابد من معرفة الأسباب التي أدت إلي اللامبالاة وعدم الانتماء والالتصاق بالذات علي حساب الواقع الخارجي، وهذه أسئلة ينبغي كشف الأسباب التي أفضت إليها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، مطالباً بأن يكون هناك تواجد فعّال وحيّ لرجال الأمن في مواقع الازدحام البشري مثل المولات والبحث عن الأسباب التي تؤدي إلي ترسيخ الانتماء للوطن وأن تعود القيم الأصيلة التي كان يتمتع بها المصري المتمثلة في حماية الآخر أكثر من نفسه.