المنظومة الطبية في مصر من مشاكل عدة، تتراوح بين التقصير والإهمال الطبي، وقلة الخبرة وانعدام التدريب العملي الذي من شأنه الارتقاء بقدرات الطبيب علمياً وعملياً، إلي جانب عوامل أخري مثل ضعف الإمكانيات والتجهيزات الطبية في المستشفيات. كل هذه العوامل تضافرت لتكون في النهاية أداة لحصد أرواح المرضي الذين يذهبون إلي المستشفيات يراودهم الأمل في الشفاء والتعافي، فيكون الموت في انتظارهم علي يد من تحملوا أمانة علاجهم. نقيب الأطباء: لا ندافع عن خطأ أو إهمال أو تسيب عميد طب أسيوط: التعليم الطبي يعاني مشكلات عدة في ظل هذه الأزمات طرحت نقابة الأطباء مشروع قانون مثير للجدل، وصل إلي مرحلة الحوار المجتمعي، وهو قانون المساءلة الطبية بعد مراجعته قانونياَ، وهو مقسم إلي 6 أبواب، تلغي عقوبة الحبس لمقدم الخدمة الطبية، سواء كان الطبيب أو أعضاء الفريق الطبي، عند وفاة المريض، مع استبدال تلك العقوبة بالتعويض المدني والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف جنيه، ما اعتبره البعض استهانة بأرواح المواطنين، ومحاولة من جانب أصحاب البالطو الأبيض لتجنب ارتداء بدلة السجن "الزرقاء". يوضح الدكتور طارق الجمال عميد كلية طب أسيوط، أن النظام الطبي نفسه الذي لاتحكمه قواعد ممارسة سليمة من الممكن أن يؤدي إلي أخطاء طبية، حيث يري أن الأخطاء الطبية تنقسم الي نوعين، خطأ ناجم عن الإهمال وهو من السهل تبينه، والتحقيق فيه ومن ثم اتخاذ إجراءات قانونية بشأنه، والنوع الثاني يكون نتيجة مضاعفات واردة من جراء العملية وهذه المضاعفات مذكورة في الأدبيات الطبية، ولكن ليس لدي المريض فكرة عنها، أو أنه غير مقدر لخطورة العملية ذاتها. ويري الدكتور طارق أن الممارسة أن مستوي التدريب الطبي ارتفع عموماَ ولكن التعليم الطبي يظل يعاني من مشاكل متعددة، فالتعليم الطبي ليس مسئولاَ عن نسبة الخطأ الطبي بصورة مباشرة، ولكنه مسئول عن تدني مستوي الخدمة في معظم المراكز الطبية. كما أشار إلي أن المستوي العام للممارسة الطبية أصبح أقل من ذي قبل فعلي الرغم من أن مصر يوجد بها الآن تخصصات متقدمة مثل زرع الكبد والكلي والجراحات الميكروسكوبية وعمليات القلب المفتوح ولكن المستوي العام للممارسة نجده قد انخفض بسبب سوء التعليم الطبي واعتماد الطرق القديمة في التدريس. يضيف: لابد من التمييز بين نسبة أخطاء الأطباء في المراكز الطبية المتخصصة، وبين أخطاء الأطباء علي مستوي القري والمراكز الصحية في القري والمستشفيات المركزية، فالأولي لا يوجد نسبة أخطاء مرتفعة بها وهي تتناسب مع المعدلات العالمية ولكن الأخري تعاني نتيجة ضعف وسائل التشخيص والتعليم الطبي والإمكانيات. يتابع: لا يوجد حتي الآن إحصاء دقيق بعدد وفيات المرضي سنوياَ جراء الأخطاء الطبية، ولا يمكن تتبع هذه القضية إلا عن طريق حصر القضايا المرفوعة في هذا الشأن عن طريق الطب الشرعي في المستشفيات لتحديد الخطأ الطبي من عدمه، وذلك بخلاف نظام المستشفيات في الخارج التي يوجد بها لجان تقرر نسبة الوفيات وعلاقتها بالأخطاء الطبية. ولفت الدكتور طارق إلي أن بعض الأخطاء الطبية تكون ناتجة عن قلة خبرة هذا الطبيب في المجال الطبي ذاته فالمجال الطبي الواحد واسع ومتشعب للغاية والتخصصات فيه دقيقة جداَ، فمثلاَ مجال تخصصات الأمراض الباطنة يتفرع إلي 20 تخصصا، وجراحة العظام بها 10 تخصصات، فلابد للطبيب أن يكون لديه مستوي خبرة محدد في مجاله، مشيراَ إلي أن الأخطاء الطبية الأكثر تاثيراَ هي التي تنتج عن التخصصات الجراحية مثل الجراحة العامة وجراحة العظام والمخ والأعصاب وجراحات القلب وجراحات التجميل ويصعب تدارك أخطائها مقارنة بأخطاء الطبيب الباطني. كما يري أنه من المفترض أن تأخذ النقابات الطبية سلطة أوسع في الإيقاف عن العمل وسحب الترخيص عند حدوث الخطأ الطبي، بالتوازي أيضا مع تجديد الترخيص الطبي سنوياَ ضمن عملية تعرف ب"التعليم الطبي المستمر"، بحيث يكون لدي الطبيب دليل أنه حضر المؤتمرات الطبية لتجدد له الرخصة سنوياَ ولايأخذها مرة واحدة مدي الحياة كما هو الحال حالياَ، وأن تقتصر العقوبات علي الأطباء فقط عند حالات الإهمال الجسيم عبر الإيقاف عن العمل وليس عند حدوث المضاعفات الطبية لأنها واردة. بينما أوضح الزعيم إسماعيل نقيب أطباء المنيا أن الخطأ الطبي وارد أثناء الممارسة الطبية، فالطبيب قد يكون في غرفة عمليات مرخصة في مستشفي ومعه كافة الإمكانيات اللازمة، ولكن قد يحدث الخطأ في حالات لا يكون فيها الطبيب مسئولا عن هذا الخطأ، فلا توجد عملية جراحية إلا ولها مضاعفات وهذا الأمر معروف في جميع المراجع الطبية، لافتاَ إلي أن قانون المساءلة الطبية سيحد من الأخطاء الطبية، لأنه سيجعل الطبيب يعمل بأريحية وكفاءة أكبر، ويضيف متسائلاَ: طالما سيتم توفير التدريب والإمكانيات للطبيب فما الداعي لحبسه؟ والخطأ الطبي هنا يحدث رغماَ عنه". كما أشار إلي أن النقابة حالياَ تهتم بأن يكون لكل منشأة طبية ترخيص، بحيث تأخذ إجراءاتها القانونية في النقابة، لتستكمل بعد ذلك ممارستها في العلاج الحر فيما يتعلق بجزئية "الشئون الصحية"، لأن هناك منشآت طبية تقام بدون تراخيص كالعيادات والمستشفيات، لافتاَ إلي أن القانون الجديد سيكون في صالح المريض أولاَ وفي صالح الطبيب ثانياَ، لذلك فإن نقابة الأطباء تقف معه، ومع ذلك فإن لها بعض التحفظات علي الإجراءات الخاصة به، وتحديداَ في جزئية تدخل الوحدات المحلية والشرطة ومداهمتها للعيادات الطبية وغلقها بدون سابق إنذار. وشدد الدكتور الزعيم إسماعيل نقيب أطباء المنيا علي أهمية ودور التعليم الطبي بالموازاة مع التدريب العملي، جنبا الي جنب مع عمل الطبيب ضمن نطاق تخصصه تحت إشراف الإخصائي أو الاستشاري الطبي في الحد من نسبة الأخطاء الطبية، مع تجهيز المستشفيات العامة والمركزية والأماكن التي تجري بها العمليات بجميع الإمكانيات والمستلزمات الطبية اللازمة. أما الدكتور خيري عبدالدايم نقيب الأطباء فأوضح أن النقابة تحاول إخراج قانون متوازن يحفظ حق الأطباء ويحفظ حق المرضي في ذات الوقت، حيث أضاف قائلا.. نحن لاندافع عن خطأ او إهمال أو تسيب أو عدم مراعاة للأصول الطبية ولكننا نريد أن يتم التحقيق مع الطبيب بواسطة شخص مختص بالمشاكل الطبية، فالأمراض والعمليات الجراحية بل وحتي العلاجات لها أعراض جانبية لا يستطيع الطبيب أن يمنعها، ولذلك فنحن نريد أن يدخل الجانب الطبي في التحقيق مع الأطباء يحيث يكون مستوعباَ لطبيعة المشكلة وما إذا كان هذا الخطأ بالفعل خطأ طبdا أو أنه جزء من أعراض المرض. كما نفي أن يكون هناك ارتفاع في ظاهرة الأخطاء الطبية في مصر، مشيراَ إلي أن سبب ارتفاع نسبة وفيات المرضي هو تردي الخدمات الصحية، وليس الأطباء، حيث لفت إلي أن الطبيب يستخدم ككبش فداء للنظام الصحي بأكمله، فالمستشفيات حالها متدهور، والأجهزة الطبية، إما غير موجودة أو لا تعمل ولايوجد حتي الحد الادني من الإمكانيات التي تجعل الطبيب يؤدي عمله بكفاءة، موضحاً: "الطبيب لكي يستطيع تشخيص المرض يحتاج إلي أجهزة أساسية مثل أشعة ورسم قلب وتحاليل ورنين مغناطيسي وأشعة مقطعية، وعدم وجودها يؤدي إلي أخطاء طبية، ولكن الطبيب مع ذلك غير مسئول عنها".