ما يدور علي أرض سيناء أعمق من مجرد دوران عجلة موتورة للإرهاب والدم.. القصة ترتبط بكيانات خطرة، تستند في إدارتها للعنف والقتل ضد رجال الجيش والشرطة علي أساس عقائدي فاسد أو مؤول، والأهم علي تمويلات ضخمة للغاية. ما يثير القلق، أن تلك التمويلات لا يمكن أن تنفذ إلي دولة بحجم مصر، دون خبرات ومساعدات من قوي إقليمية ذات مصلحة، بما يقطع، علي حد رأي القيادي الجهادي السابق، صبرة القاسمي، بأن الإرهاب المتصاعد في مصر، أعمق بمراحل من مجرد ثأر تقوده تيارات إسلامية متطرفة ضد الدولة المصرية دعمًا للإخوان، إذ يمثل بلا شك محاولة لهدمها بالأساس، لتخرج نهائيًا من معادلات القوي في الإقليم والعالم. فلوس الإخوان وحماس وتركيا وقطر وداعش تدير عمليات الدم ضد الجيش والشرطة حساب جهادي علي الإنترنت باسم "مؤسسة الطور" يجمع تبرعات لأنصار بيت المقدس باستخدام إيميلات مشفرة مفاجأة.. داعش يحدد حجم أمواله المتدفقة علي ولاية سيناء بقدر ما يوقعه التنظيم من ضحايا وتكشف دراسة قيمة بعنوان "لماذا تبدو سيناء بيئة خصبة لدعم الجماعات الإرهابية؟"، للباحث في الشؤون الاقتصادية، إبراهيم الغيطاني، أن "الجماعات الإرهابية العديدة المنتشرة بسيناء، استطاعت علي مدار السنوات الماضية، بناء تحالفات تمويلية ناجحة مع عدد من الفاعلين المحليين والإقليميين"، لافتًا إلي أن عصابات التهريب تعد في مقدمة تلك التحالفات، حيث يعتقد أن التنظيمات المسلحة في أرض الفيروز، تعاونت علي مدار الأعوام الماضية مع عصابات تهريب المخدرات والسلاح، وتجارة البشر والأعضاء البشرية، من أجل توفير الأموال اللازمة لها، وقد مارست دوراً رئيسياً في تسهيل مرور اللاجئين الأفارقة لإسرائيل وفرض إتاوات عليهم. الباحث يري في حماس مصدر تمويل رئيسي لتلك الجماعات، وذلك استنادًا إلي فرضية أن "الحركة الفلسطينية سهلت علي نحو غير مباشر لشبكات الجهاديين الاستفادة من الأنفاق، عبر حصولها علي الأسلحة، والموارد اللوجستية، والتبرعات". حسب الدراسة المنشورة عبر الموقع الإلكتروني للمركز الإقليمي للدراسات، فإن مبايعة أنصار بيت المقدس في نوفمبر 2014، لداعش مثل تطوراً مالياً مهماً في تاريخ التنظيمات الإرهابية بسيناء، إذ إن ولاءها التنظيمي لداعش، بمثابة اندماج معلن وصريح لأنصار بيت المقدس ضمن المنظومة المالية المتسعة للتنظيم الأم، ما يمكنها من الاستفادة بسهولة من آليات وشبكة تمويل النظام المالي الدولي. لكن الباحث يقطع بأن هذا الوضع "يحتاج بدوره تأمين وسائل نقل الموارد المالية إلي شبه جزيرة سيناء، ويتطلب تباعاً مجموعة من الشركاء المحليين أو الإقليميين، وهم موجودون بالفعل". هنا تشير أصابع الاتهام، وفق قيادي الجهاد السابق، نبيل نعيم، إلي تركيا وقطر ووسطاء إخوان، كنوافذ مد التنظيمات الإرهابية بسيناء بالمال والعتاد، بينما تميل تقديرات أمنية غير رسمية، إلي أن أكثر من ألف عملية إرهابية، متفاوتة القوة والتأثير والحجم، شهدتها سيناء منذ عزل مرسي وإخوانه، مُولت عبر حقائب حملت الملايين، فيما نقلت عبر الأنفاق الممتدة بين غزة و سيناء. المعلومات تقول إن التغيير النوعي في العمليات، مرتبط بانتقال بيت المقدس "ولاية سيناء" إلي التحرك ضمن الخطط الكبري للدولة الإسلامية.. زعماء داعش أعلنوا ذلك صراحة غير مرة. عندما بايع تنظيم أنصار بيت المقدس، وهو الأعلي صوتًا وشراسة في أرض الكنانة منذ 30 يونيو، زعيم داعش "البغدادي"، لم يتردد أتباع الأخير، ومن بينهم قاض شرعي، عرف نفسه بأنه من أرض الكنانة، إلا أنه لم يفصح عن اسمه، في التأكيد علي وجود تنظيم الدولة بنفسه إلي جانب فرعه الأساسي "ولاية سيناء" في مصر، حيث قال في فيديو مصور علي يوتيوب: "لن نتخلي عن رجالنا، وسنمدهم بالمال والرجال"، وهو نفس المضمون الذي كررته حسابات داعش الرسمية علي "تويتر" تحديدًا خلال الفترة الماضية. المفاجأة التي لا يعرفها كثيرون وما لم يقله القاضي الشرعي وهو يدغدغ مشاعر أعضاء ولاية سيناء الحالمين باستعادة مجد الخلافة بالاستشهاد والدماء وقطع الرؤوس، أن داعش لا يدعم جناحه المصري الأخطر المتمركز في سيناء، بشيك مفتوح الرصيد، أو أموال لا حصر لها، فالتمويل الداعشي لأنصار بيت المقدس أصبح حسب الإنتاج، أو كما يمكن أن يقال بالقطعة. تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقدر إحصاءات رسمية وغير رسمية عدة حول العالم ثروته بما يوزاي نحو 10 مليارات دولار جراء بيعه للنفط الذي سطا عليه في المناطق الواقعة تحت سيطرته بالعراق، فضلًا عما تدره عليه عمليات السلب والنهب للبنوك والمصارف وما يتحصل عليه من فديات تحرير المختطفين وغيرها، لا يوفر رصيد تمويل مفتوحا مع ذراعه في سيناء، وإنما يمنحه مزيدًا من المال بقدر نجاحه في إشعال الأرض والنفخ في المواجهة مع الجيش والشرطة في مصر، وبالتالي صارت الأموال المتدفقة علي ولاية سيناء سواء عبر ما تبقي من أنفاق غزة أو عن الطريق البحر المتوسط، أو حتي عبر رحلة طويلة من درنة الليبية غربًا اختراقًا للأراضي المصرية من الغرب إلي الشرق مرهونة بما يوقعه من ضحايا في عملياته. سياسة تمويل غريبة قد يري فيها البعض خطرًا ربما يتسبب في تسرب عدد لا يستهان به من المقاتلين من التنظيم إلي منافسه "أجناد مصر"، أو حتي إلي التنظيمات الصغيرة كالفرقان وجند الله وما شابه وتحديدًا من الأعضاء المتوافقين مع هذه التنظيمات فكريًا، بحثًا عن مورد مالي لا ينضب ولا يتعطل علي إثر تقطير ولاية سيناء، الذي يعود في الأصل لتقطير المنبع "داعش"، خصوصا أن تلك السياسة تعني من ناحية أخري أن التنظيم صار مجبرًا علي انتهاج استراتيجيات جديدة في المواجهة تعتمد علي "الكمون" لفترات ثم الظهور علي المسرح بعمليات كبيرة ذات أثر، علي طريقة عملية الشيخ زويد الأخيرة، ليحظي بمزيد من الأموال المتدفقة من الدولة الإسلامية. من منافذ تمويل التنظيمات المسلحة في سيناء، هناك الجماعات الإرهابية بليبيا، إذ كشف اعتقال السلطات نحو 11 إرهابياً في أوائل سبتمبر 2014، كما يقول الباحث إبراهيم الغيطاني،عن ثلاث رسائل يحملونها من شخص يعرف باسم أبو أحمد الليبي، وتتضمن الرسائل تشجيع الأخير الجماعات الإرهابية في سيناء للتوحد تحت راية واحدة للإشراف، في مقابل تقديم كل التمويل والأسلحة المطلوبة، ويعتقد أن الجماعات الإرهابية بسيناء، حصلت بالفعل علي أموال وأسلحة قادمة من ليبيا، واللافت للانتباه أنه علي عكس وسائل التمويل المتاحة أمام التنظيمات الإرهابية بسيناء، يظل التمويل القادم من جماهيرية القذافي السابقة إلي سيناء مكلفاً، وأقل أماناً. هذا إلي جانب الدول الراعية للإرهاب، حيث تتورط دول إقليمية في تمويل الجماعات الإرهابية بسيناء. وفق الباحث أيضًا فتعد سيناء بيئة خصبة سخية لتمويل الجماعات الإرهابية، نظراً لكون المنطقة بؤرة متسعة للتجارة غير المشروعة والتهريب عبر الأنفاق المتصلة بغزة، كما أن شبه الجزيرة تعتبر كذلك بيئة سهلة الاختراق لتمرير التبرعات من الأفراد أو الجماعات الموالية للتنظيمات الإرهابية، فبإمكان التنظيمات الحصول علي التبرعات الخارجية عن طريق الأنفاق من غزة بسهولة، أو داخلياً. يقول الباحث: "لسوء الحظ أن سيناء، أضحت بيئة حاضنة لكثير من الموالين والمتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية"، في إشارة منه إلي سهولة جمع التبرعات فيها. المثير أن الجماعات الإرهابية باتت تستعرض إلي حد تخصيص حسابات علي مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات، وفي مقدمتها الحساب المعنون باسم "مؤسسة الطور"، الذي خاطب السيناوية صراحة في طلب دعم مادي. ويلفت الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، إلي أن أسماء معروفة في عالم الجهاد داخل وخارج مصر، تصدت لدعم ومساندة مثل تلك الحسابات، لتشجيع الناس والمتعاطفين علي المساهمة. وكان من يعرف في الأوساط الإلكترونية الجهادية، بأبو العيناء الخراساني، الذي يشار إليه بصفته مدير شبكة شموخ الإرهابية القاعدية، قد أعلن صراحة تزكيته لمؤسسة الطور، علي أساس أن الأخيرة أعلنت علي حسابها أنها تستهدف عدة عمليات عدة، تحتاج إلي أموال ضخمة.. وحددت المؤسسة المزعومة أنها تحتاج لتجهيز أكثر من 20 طن متفجرات لازمة لاستهداف قوات الجيش والشرطة، ومقرّات عسكرية وأمنية عبر ثلاث عمليات ضخمة، قبل أن تنشر إيميلات واستعانت بحساب تيليجرام المتخصص في تشفير الرسائل ومسحها بعد ثوان، لتلقي التبرعات. علي هذا النحو، وكما يؤكد الغيطاني، فيبدو أن العديد من العوامل الإقليمية والمحلية تتداخل وتتشابك معاً من أجل تسهيل تمويل الجماعات الإرهابية في سيناء ولو نظرياً، وهو ما يزيد من التعقيدات التي يواجهها هذه القضية، ويضع الحكومة في مواجهات متعددة محلية وإقليمية من أجل تفكيك هذه التشابكات، ويتطلب بدوره اتخاذ تدابير عميقة وشاملة علي الصعيد التنظيمي والتشريعي والسياسي والأمني. ولا يمكن تجاهل أن وقوف الإخوان في موقف الخصومة والرغبة في الثأر وزعزعة استقرار الدولة، يجعل من ماليات الجماعة الضخمة، التي تقدرها بعض التقديرات العربية بنحو 10 مليارات دولار حول العالم، مصدرًا رئيسيًا لعمليات الدم في مصر. ولا ننسي أن الأجهزة والهيئات المنوط بها التحفظ علي أموال الإخوان الظاهرة، وضعت علي إيديها علي نحو 600 مليون جنيه حتي الآن، وهو ما يمثل قمة جبل الجليد من أموال الجماعة المتداولة في الداخل المصري، حسب، قيادي التنظيم المنشق، الباحث أحمد بان.