مفاجأة: اللجنة العليا لمكافحة التصحر لم تعقد اجتماعات منذ 15 عاما خبراء: مليون فدان في الدلتا تعاني ارتفاعاً في نسبة الملوحة يوما بعد يوم يزداد تآكل الرقعة الزراعية المحدودة داخل مصر جراء عوامل التصحر المختلفة في أراضي وادي النيل والدلتا، التي تتعرض لأزمة حقيقية جراء التغيرات المناخية، والاعتداء علي الأراضي الزراعية، واستخدام أساليب الري الجائر، مما أدي إلي تناقص مساحة الأراضي الزراعية في مصر منذ عام 1900 إلي عام 2000 بحوالي مليون فدان، من أجود الأراضي لتنخفض من 6 إلي 5 ملايين فدان فقط، الأمر الذي يضعنا أمام تحديات جسيمة، ويفرض معادلة صعبة تتمثل في كيفية توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء مع الأخذ في الاعتبار تمدد ظاهرة التصحر في مقابل تقلص الأراضي القابلة للزراعة. إسماعيل عبدالجليل، الخبير الدولي في مكافحة التصحر، المدير السابق لمركز بحوث الصحراء، يوضح أن حوالي مليون فدان ارتفعت بها معدلات الملوحة في أراضي الدلتا مما يعد إهدارا لمجموعة من أجود الأراضي المصرية، وعلي الجانب الآخر فإن أبرز المناطق التي تعاني من مشكلة التصحر، هي مناطق الاستصلاح الزراعي الجديدة مثل النوبارية، وأيضا في أراضي شبه جزيرة سيناء حيث تأتي المناطق الحدودية مثل الشيخ زويد ورفح في مقدمة المناطق التي تعاني بأكملها من التصحر، بينما هناك مناطق أخري تعاني من زحف الكثبان الرملية وهي تحديدا في منطقة توشكي ومنطقة ترعة السلام حيث تتعرض لهبوب الكثبان الرملية، مشيرا إلي أن زيادة معدلات التصحر بشكل مطرد في تلك المناطق، تأتي بسبب عدم الاهتمام من الأجهزة المختصة بهذه المشكلة، فمن المفترض أن الدولة مسئولة عن متابعة هذه الظاهرة من خلال الأجهزة المعنية لديها ومحاولة البدء في معالجتها، لأن التشخيص والعلاج المبكر لها يقلل من التكاليف والتداعيات المستقبلية علي الزراعة والبيئة المصرية. أضاف، هناك ما يسمي باللجنة العليا لمكافحة التصحر برئاسة وزير الزراعة وهي لم تنعقد منذ 15عاماَ لأسباب غير مفهومة، كما أن السكرتير التنفيذي لمنظمة الأممالمتحدة، طلب تنظم عقد اجتماع مؤتمر دولي في مصر لمناقشة هذه الظاهرة بعد ثورة 25 يناير، ولكن لم يتحمس أي من المسئولين من أجل إقامة وتنظيم هذا المؤتمر. من جانبه، أشار طلعت رزق، أستاذ الأراضي بكلية زراعة كفر الشيخ، إلي ضرورة التفرقة بين أمرين وهما التصحر وتدهور الأراضي الزراعية، فالتصحر معناه تحول أراض منتجة صالحة للزراعة إلي أراض قاحلة غير صالحة تماماَ لإنتاج المحاصيل الزراعية أو إنتاج النباتات وذلك عبر تحويل خصائصها أو البناء عليها، وهي بذلك تفقد مفهوم الأرض الزراعية بشكل عام، أما الأراضي المتدهورة فهي أراض منتجة ولكن إنتاجها يقل تدريجياَ جراء ارتفاع عوامل التأثر البيئي التي يأتي علي رأسها ارتفاع مستوي المياه الجوفية في الأرض وهو ما يحدث بالتحديد في أراضي شمال الدلتا، حيث يتوقف معدل خصوبة تلك الأراضي علي مدي تأثرها بمعدل الأملاح في المياه الجوفية، فإذا كان تركيزها عالياَ داخل التربة فمن الطبيعي أن ينتج هذا الأمر علاقة عكسية مع إنتاجها، فأغلب مايحدث في أراضي الدلتا يقع في خانة التدهور إذا ما تم استثناء ما تم استقطاعه من تلك الأراضي لبناء المدن الجديدة أو البناء عليها بشكل عام. أضاف، الأراضي المتدهورة من السهل معالجتها وإيصالها إلي حالة ما قبل التدهور، وذلك عن طريق إجراء عملية تنظيف شاملة للتربة في تلك المناطق بالتوازي مع تجهيز شبكات للصرف العميق بحيث تقلل من ارتفاع مستويات الماء الأرضي، وتساهم في سحب المياه الجوفية أو المياه الموجودة في الطبقة السطحية للتربة التي تؤثر علي نمو بذور النبات أو المناطق التي تتم الزراعة من خلالها. ويشير سامي حماد، المدير التنفيذي لمشروع معمل جودة الأرضي بالمنصورة، إلي أن الاستخدام غير العلمي لمياه الآبار يعد من الأسباب المباشرة للتصحر في أراضي مصر فالمفترض قبل تشغيل البئر وترخيصها للاستخدام الزراعي أن يتم عمل مسح أولي له لعمل مايسمي بمنحني تشغيل لقياس جودة المياه به، وذلك لأن المياه العذبة داخل الآبار تكون كثافتها أقل من المياه الملحية وبالتالي فهي تطفو علي السطح وذلك يخدع البعض من قليلي الخبرة الزراعية ويدفعهم إلي استخدام مياهها في الري، متجاهلين ضرورة عمل دراسات مبدئية عند تشغيلها لمدة 24 ساعة، لأخذ عينات مائية ورسوبية، لمعرفة حدود كميات المياه العذبة التي تنتجها البئر بالتحديد، ومدي ملاءمتها للأنواع الزراعية التي تتم زراعتها بها. حماد، قال إن التعامل الخاطئ مع الموارد المائية نفسها يؤدي إلي التصحر ولعل أبرز مثال علي ذلك هو مزارع الواحات الخارجة التي تمتلك مخزونا مائيا جيدا ولكن يتم حفر الآبار بها بطريقة عشوائية، وغير منظمة مما يؤدي إلي قلة فاعليتها في المساهمة في الناتج الزراعي، نظراَ لوجود نسب حديد عالية في تلك المنطقة ونظراَ للحفر العشوائي للآبار فإن نسبة من منمنمات الحديد تترسب في مياه الآبار وتتسرب كذلك إلي المياه الجوفية مما يتسبب في تدهور النباتات. وتابع قائلاَ، في الأراضي المستصلحة حديثاَ نجد ظاهرة متفشية وهي أنه بعد مرور فترة لا تتجاوز 7 سنوات علي استصلاح الأرض يفاجأ صاحبها بتدهور خصائصها البيئية مرة أخري وهذا يرجع إلي ما يعرف بالري الجائر، فعلي سبيل المثال إذا كانت مساحة الأرض لاتتطلب سوي الري لمدة ساعتين فقط في اليوم نجد من يستمر في ريها ثماني ساعات متواصلة، ومايفاقم من المشكلة هو عدم سحب المياه في مواعيد منتظمة، بل يتم سحبها علي مدار اليوم، وهو مايتسبب في انتهاء الطبقة الأولي من المياه العذبة في البئر وبعد ذلك يتم سحب المياه التي تحتوي علي نسبة مركزة من الأملاح تبلغ 2% وترتفع إذا كانت قريبة من بحر أو بحيرة إلي 15% لتبدأ بذلك الأرض في الانهيار التدريجي في مدة زمنية تتراوح مابين 5 إلي 7 سنوات. كما أشار إلي أن التصحر بدأ يلقي بظلاله علي جودة الأراضي الزراعية في مصر، فمن الممكن ألا تنتج التربة كميات المحاصيل المتوقعة منها وحتي إذا أنتجتها قد لاتنجح الدولة في تسويق المحصول أو حتي تصديره، فنظراَ لتدهور خصائص التربة يتم الاستعانة بالأسمدة لرفع كفاءتها مرة وأخري، ولكن مع حالة التدهور الشديد يتم زيادة نسبة النترات أو النيتروجين للتربة فتتراكم داخل المحصول نفسه وهو ماقد يؤدي إلي تحولها إلي نوع من السموم داخل النبات، فمن المعلوم أن التسميد عالي النسبة في بعض الأحيان يؤدي إلي عدم قدرة الأرض علي الإنتاجية أو إنتاجها لثمر محور به مركزات تسميدية عالية لايمكن تسجيلها علي أنها صالحة للتصدير وهو ما اتضح تأثيره مؤخراَ في رد محصول البطاطس المصري من روسيا. بينما أشار د.حسنين جمعة، أستاذ قسم الأراضي، العميد السابق لمعهد الدراسات والبحوث بجامعة أسيوط، إلي أن هناك تزايدا ملحوظا في معدلات زحف في الرمال علي التخوم الغربية لمحافظات الصعيد الذي يأتي في إطار ظاهرة التصحر المتمثلة في انتقال ذرات الرمال وسقوطها بصورة مكثفة علي الأراضي الزراعية عبر الرياح الموسمية، فتؤدي تدريجيا إلي تغطية تلك المناطق بطبقة كثيفة من الرمال وتحولها في نهاية الأمر إلي أراض صحراوية. وتابع، إن أبرز المحافظات التي تعاني من تلك الظاهرة هي محافظة الوادي الجديد نظراَ لوجود كثبان رملية كثيرة كثيفة في تلك المنطقة التي تتحرك في الأساس من مناطق كتونس والمغرب والجزائر لتمضي في مسارات معقدة حتي وصولها إلي مناطق الواحات في محافظة الوادي الجديد، وبالرغم من أن هذه الكثبان الرملية لها مسارات معروفة ومسجلة في خرائط يتم تحديدها بواسطة الأقمار الصناعية، لكن هناك فوضي في استصلاح الأراضي حيث نجد أن هناك من يستصلح مزارع صحراوية تقع في مسار تلك الكثبان بطريقة مباشرة، علي الرغم من أنه من المفترض عند إقامة مشروعات استصلاح الأراضي أو مشروعات التعمير، وكذلك المشروعات الصناعية أن تبتعد في مسارها الجيولوجي تماما عن ممرات الكثبان الرملية التي تتحرك باستمرار في مسارات ثابتة. كما أوضح أن أي أرض يكون بها نسب متفاوتة من حبيبات الرمل والسلت والطين، وكلما كانت نسبة السلت والطين مرتفعة كانت الأراضي خصبة ومنتجة وكلما ازدادت نسبة الرمال كانت الأراضي قاحلة لايوجد بها مكونات تربة كافية لنمو وتغذية المحاصيل، لذا فأجود الأراضي الزراعية في مصر هي أراضي وادي النيل والدلتا، نظراَ لأن نسبة الرمال بها لاتزيد عن 30% ولكن يوجد بها سلت وطين بنسبة تصل إلي60 و70% لذلك تعد من أخصب الأراضي الزراعية، ولكنها تتعرض إلي هجمة شرسة من الزحف العمراني، بالتوازي مع تعرضها إلي رياح محملة بالرمال مايؤدي إلي انخفاض خصوبتها وقدرتها علي الاحتفاظ بالمياه. ويشير جمعة، إلي أن ما يقرب من عشر الأرضي الموجودة في شمال الدلتا مثل دمياطوكفر الشيخ والإسكندرية، وكذلك كافة الأراضي القريبة من الساحل الشمالي تعاني من التدهور الزراعي جراء ارتفاع مستوي المياه الأرضية، كما يري أن الاتجاه إلي إصلاح مساحات جديدة من الأراضي الصحراوية علي حدود الأراضي القديمة الموجودة في كل من الوادي والدلتا يعد من أنسب الوسائل ليس فقط لتنمية الرقعة الزراعية ولكن ايضاَ لسهولة نقل المواطنين من المناطق المزدحمة بالسكان إلي أراض متاخمة وبالتالي يتم ضمان حماية الأراضي الزراعية وتخفيف الضغط عليها، لافتاَ إلي ضرورة أن تكون مشاريع الاستصلاح الجديدة التي تتبناها الدولة متواجدة في الأراضي الصحراوية المتاخمة لوادي النيل بحيث يتم اقتطاع جزء من تلك الأراضي طالما احتوت علي المياه جوفية ومن ثم تحويلها إلي أراض زراعية وإحاطتها بمصدات رياح من الأشجار الجازورين، فهذا الإجراء يحمي الأراضي الجديدة المستصلحة وكذلك يحمي الأراضي القديمة من هبوب أي رياح محملة بالرمال.