ممكن تنسي اسم فيلم "يوم مالوش لازمة"، وتقول دخلت فيلم محمد هنيدي، فمازالت الأفلام عندنا تنسب إلي اسم النجم، مع تجاهل تام لكافة العناصر الفنية الأخري، التي قد تكون أهم كثيرا من اسم النجم! للأسف أحيانا تضطر للكلام في بديهيات فيخطئ الناس في فهم مقصدك، ولكن لنترك عالمنا الضيّق الذي يتحرك في دوائر مغلقة، خنقت أي محاولات جادة للإبداع، وننظر الي السينما العالمية، تجد مثلا فيلم "فندق بودابست الكبير" وهو فيلم تصنيفه كوميدي، كان مرشحاً لتسع جوائزأوسكار، فاز منها بأربع، ولم يكن من بين الترشيحات أي جوائز تمثيل!مع أن بطل الفيلم هو رالف فينيس، ولم يعرف عنه أنه ضمن نجوم الكوميديا، ومع ذلك، فأنت أمام عمل يجعلك في حالة هائلة من البهجة، و"الانشكاح" والمتعة السمعية والبصرية، طوال مدة عرضه، ولاتبارحك بعض مواقفه، الطريفة حتي بعد انتهائك من مشاهدته عدة مرات، الأفلام السينمائية، لا تقاس فقط بقيمة النجم، ولكن بقدرة المخرج علي استخدام كافة العناصر السينمائية، لسرد حكاية قد تكون بسيطة أو عميقة، المهم أن تجد طريقها إلي عقل وقلب المشاهد! فيلم "يوم مالوش لازمة" الذي كتب لة السيناريو عمر طاهر، كان يمكن أن يكون أفضل مما انتهي إليه عدة مرات، فهو يعتمد علي أكثر من مفارقة، وكثير من المفاجآت، والأحداث اللامنطقية، وهي عناصر تصنع الكوميديا، لأن الأحداث المنطقية لاتضحك، أو المفروض أن تكون كذلك، أما إذا ضحكت علي موقف عقلاني منطقي، يمكن عندك عيب في الاستقبال ولامؤاخذة! ولكن حتي الخروج عن المنطق، لابد أن يخضع لمنطق ما، حتي لا تتحول الكوميدي إلي حالة من الانفلات، الفني والعبث! والحقيقة أن محمد هنيدي، عكس كثير من أفلامه السابقة، لم يتعمد الثرثرة الفارغة، والهرتلة التي كانت تعيب بعض أفلامه الأخيرة بشكل خاص، هنا هو في حالة انضباط إلي حد ما، ويدخل ضمن فريق عمل، دون أن يركب علي أكتافهم، أو يعتمد في إطلاق ضحكاته علي السخرية منهم! أو ركلهم بالشلاليت كما كان يفعل في أمير البحار، حكاية الفيلم بسيطة، ويمكن أن تحتمل أن يخرج منها مواقف مضحكة كثيرة، اليوم اللي مالوش لازمة، هو يوم فرح يحيي "هنيدي" و"مها" ريهام حجاج، طبعا فرق السن بينهما في الحقيقة أكثر من عشرين سنة، فهو تقريبا في عمر والدها حجاج، لكن قلنا لاتلتفت كثيرا للمنطق، المهم أن الفتاة تهيم عشقا به، وتصر علي إتمام الزيجة، رغم اعتراض شقيقها الضابط"هشام إسماعيل، ورغم الاختلاف الاجتماعي الواضح بين العروسين، ولكن علي أي الأحوال تصل الأحداث الي قاعة الأفراح، حيث يتقرر عقد القران، أثناء إقامة الفرح، وتعتبر قاعة الأفراح هي مسرح الأحداث الحقيقي، والأساسي في الفيلم حيث تجتمع معظم الشخصيات، رغم تعارضها، وتنافرها، ونكتشف أن هناك عنصرا، لم يكن في الحسبان يمكن أن يؤدي إلي إفساد العرس، وهو أن هناك فتاة شبة مهووسة "روبي" واقعة لأذنيها، في عشق يحيي، ومصممة علي الزواج منه مهما حدث، وهو يحاول أن يهرب من ملاحقتها، ويستعين بابن خالته "محمد ممدوح" ليخلصه منها، ولكنها تتمكن من حضور الفرح، وتقرر إفساده ومنع إتمام الزيجة، ومثل مواقف توم وجيري الكرتونية، التي تصل إلي أقسي درجات العنف، ومع ذلك لا ينتج عنها أذي، تدور الأحداث، في فيلم يوم مالوش لازمة، في محاولة التخلص من بوسي أو "روبي" يتم قذفها من أعلي الفندق فلايحدث لها شيء إلا بعض الكدمات، تعدي عليها عربية، تقوم زي الجن، يولعوا فيها، ولا أي اندهاش، والغريب أن الشقيق الضابط المعترض بشدة علي زواج شقيقته من هنيدي، ويتمني أن تحدث لة أي داهية تشيله، يقرر أن يدعو وزير الداخلية لحفل الزفاف، وزيادة في تهيئة الأجواء لتفجير الكوميديا يجتمع علي مائدة الوزير، أحد كبار مروجي المخدرات، وقد أتي إلي الحفل مدعواً من ابن خالة العريس، كي يقدم الواجب، وهو عبارة عن لفافة حشيش ضخمة، ويجلس ليلف السجائر غير ملق أي اهتمام بوجود وزير الداخلية، وتتفجر من المواقف، مواقف أخري بعضها يصيب والآخر يخيب، ولكنك في النهاية قد تضبط نفسك تضحك عدة مرات، ربما لأنك تورطت في الحضور إلي السينما وأصبحت مثل غيرك مهيئاً للضحك، ربما يكون المخرج أحمد الجندي قد حقق درجة من النجاح، مع مسلسلات تليفزيونية من عينة، الكبير قوي، ولكنه مسلسل يعتمد علي الحوار وطرافة الشخصيات إلي حد كبير، ويخبو فيه تأثير الصورة، وهو أمر يصبح عيبا خطيرا في السينما التي من المفترض والمحتم أن تعتمد علي الصورة، بعناصرها، ولكن هذا لم يحدث ويصعب أن تتذكر مشهدا تنطلق منه الكوميديا من خلال الصورة ، الحكاية هي إفيهات أو اسكتشات متتالية، يمكن أن تحذف أحدها أو تستبدله بآخر، فالمسائل غير مترتبة علي بعضها، ولكنه موقف واحد مستعرض، يمكن أن يستمر أكثر من ذلك أو يقصر أكثر من ذلك أيضا، ربما تكون موسيقي عمرو إسماعيل لها بعض التأثير، في تدعيم بعض المواقف، ولكن الأمر كان يحتاج إلي خيال وابداع يخرج به من إطار العرض المسرحي، ليصبح عملا سينمائياً، ومع ذلك فنحن أمام فيلم حقق إيرادات تعتبر الأضخم بالنسبة لموسم عرضه، ولكنها أقل طبعا مما حققته بعض أفلام هنيدي في أوقات سابقة، يوم مالوش لازمة، يشفع له استعانته بعدد لابأس به من ظرفاء فن التمثيل مثل سامي مغاوري، وهالة فاخر، ليلي عزب، هشام إسماعيل، محمد ممدوح، أحمد فتحي.. ريهام حجاج ليست مجرد وجه جميل وحسب ولكنها صاحبة موهبة أيضا، ظهرت بوضوح في مسلسل سجن النساء، وهي في فيلم يوم مالوش لازمة، تقدم شخصية فتاة جميلة ومدللة، لايهمها غير أن يتم زفافها وترتدي الفستان الأبيض، أعتقد أنها ممكن أن يكون لها شأن لو اهتمت باختيار أدوارها، روبي تحقق نجاحا مع كل تجربة تشارك فيها، وتعوض سنوات من الغياب، ربما تكون قد ساهمت في نضج موهبتها، محمد هنيدي في حالة أفضل كثيرا مما قدمة سابقاً، وأتمني أن يهتم بمشاهدة ماتنتجه السينما العالمية من أفلام كوميدية، ليعرف أن النص السينمائي هو دائما البطل في هذه الأفلام وهذا لايقلل أبدا من قيمة نجوم هذه الأفلام، فخسارة أن ينضم إلي فريق من نجوم الكوميديا الذين تعثرت خطاهم في السنوات الأخيرة!