مشاهد من عنف الجماعة الإرهابية في خضم معركة شرسة تقودها الأجهزة الأمنية لمواجهة الإرهاب الذي تقوده جماعة "الإخوان" وحلفاؤها من الجماعات الجهادية، يتصدر الواجهة الحديث عن ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب وهزيمته، وسط مطالب من خبراء في مختلف المجالات بضرورة أن تتضمن استراتيجية مكافحة الإرهاب رؤية واسعة وبنودا محددة تشارك فيها مؤسسات الدولة المختلفة، مع التأكيد علي الأبعاد المختلفة لظاهرة الإرهاب بما يعني أن المواجهة الأمنية رغم أهميتها القصوي لا تكفي وحدها. الإرهاب الذي بات ظاهرة عالمية استغل كل ما هو متاح من وسائل وفرتها التكنولوجيا وثورة الميديا في القرن الحادي والعشرين، ليواصل توغله وإسقاط عشرات الشباب في مصيدة التطرف، ليكشف خواء وسائل الحماية المجتمعية القديمة، ما يستدعي رؤية متكاملة لمواجهة الخطر الراهن، لا يتوقف عند المواجهات الأمنية بل ينطلق منها في إطار رؤية متكاملة يشارك فيها الجميع من خلال خطابات إعلامية وسياسية وتربوية ودينية تسعي لتفنيد ظاهرة الإرهاب علي المستويات كافة، وهو ما أكده العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، قائلاً ل"آخر ساعة": "مكافحة الإرهاب لابد أن تكون في ضوء استراتيجية متكاملة يلعب فيها كل جهاز من أجهزة الدولة دوره علي أكمل وجه". وتابع عكاشة: "الدور الأمني مطلوب لكنه وحده لا يكفي، علي مجلس الوزراء برئاسة إبراهيم محلب وضع الرؤية الشاملة لمواجهة الإرهاب، وتحديد مهام كل جهة في الدولة والدور المنوط بها، حتي لا تترك مثل هذه الأمور للاجتهادات الشخصية ما يؤدي إلي الارتباك والتعثر والتضارب، في وقت لا نملك فيه رفاهية الاختيار، والجميع مدعو للمشاركة والاضطلاع بدوره سواء وزارات "التربية والتعليم" و"الشباب والرياضة" و"الثقافة" و"الأوقاف" ومؤسسة الأزهر الشريف". من جانبه اعتبر اللواء حسام سويلم، الخبير الأمني، وجود استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب بمثابة ضرورة أمن قومي للبلاد لا يجوز التمهل فيها أو تأجيلها، وأكد ل"آخر ساعة" أن خطط المواجهة وأهدافها لابد أن تكون واضحة للجميع، ويكون علي رأس أولوياتها الحشد الجماهيري علي هدف واحد من خلال خلق اصطفاف وطني يجمع الدولة بأجهزتها المختلفة وأفراد الشعب في مواجهة الأخطار التي تحيط بالبلاد، وهو ما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي لكن لم يتم تحقيقه علي الأرض حتي الآن. وأشار سويلم إلي اعتقاده أن خلق حالة اصطفاف وطني لم تتم بالشكل المطلوب حتي الآن، ملقيا بالمسؤولية علي الحكومة، قائلا إن "الجهود المبذولة حتي الآن غير كافية للتعبئة الشعبية ضد الإرهاب، ولم تجر عملية تطهير الصفوف من عملاء الإخوان الذين يحاولون بث روح اليأس والفشل بين الناس، فلابد أن تشعر الحكومة والناس بخطورة الموقف والخطر القريب، لأن انتصار الإرهاب أو التهاون في مواجهته يعني الدخول في الفوضي التي تضرب المنطقة"، محذرًا من سياسات الأيدي المرتعشة وضرورة الضرب بيد من حديد أمنيا وتفعيل منظومة تعليمية تهدف إلي تربية الأجيال الجديدة علي قيم مختلفة حتي لا يكونوا وقودا للإرهاب. اتفاق خبراء الأمن علي ضرورة اضطلاع الدولة وأجهزتها بأدوار في عملية مكافحة الإرهاب، يلقي بالمسؤولية علي وزارة الثقافة التي يجب أن تضطلع بدورها التنويري في إضاءة مصابيح التنوير في العقول ومحاربة التخلف والإرهاب، وهو ما أكده الدكتور محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، قائلاً إن وزارة الثقافة لديها أكثر من محور لتفعيل دور المجلس للقيام بدوره التنويري، من خلال التعاون بين المجلس الأعلي مع قطاعات وهيئات داخل وزارة الثقافة، التي تقوم بعقد بروتوكولات تعاون مع مختلف الوزارات المعنية، أما لجان المجلس فتعمل حاليا علي وضع رؤية كاملة لبث قيم التنوير في المجتمع كله، مضيفاً: "بدأنا في مراجعة الكتب المدرسية بناء علي طلب وزير التربية والتعليم". وزارة التربية والتعليم يُنتظر منها الكثير في إطار استراتيجية عامة تحارب الإرهاب من جهة وتطلق عملية الإبداع والتفكير الحر بين الطلاب، لكن ذلك لن يمر إلا عبر"تطوير المناهج لابد أن يتم من خلال ثورة جذرية لا تعرف الترقيع أو الإصلاح"، هكذا يري الدكتور محمود الناقة، رئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، قائلاً ل"آخر ساعة": "العملية التعليمة تنتج شخصية تابعة منقادة غير قادرة علي الإبداع ولا التفكير، والأهم غياب ملكة النقد والقدرة علي النقاش وتبادل الآراء، ما يجعل الطالب لقمة سائغة أمام الجماعات الإرهابية، لأن جوهر العملية التعليمية قائم علي مبدأ السمع والطاعة". بدوره، يري الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، في تصريحات ل"آخر ساعة" أن هناك الكثير من المشاكل التي تعتور العملية التعليمية في مؤسسة الأزهر منذ المرحلة الابتدائية حتي المرحلة الجامعية، ما أدي إلي بروز ظاهرة الإرهاب بين بعض الطلاب الأزهريين، وهي ظاهرة غريبة عن الأزهر، وأرجع هذا إلي أن جرعة المواد العلمية غلبت علي جرعة مواد العلوم الشرعية، ما يجعل شخصية الطالب الأزهري ممحوقة وغير واضحة، مضيفاً: "هناك تركيز علي دراسة كتب تراثية عفي عليها الزمن تناقش مسائل فقهية انتهت منذ القرن الرابع الهجري بين فرق إسلامية انتهي بعضها من الوجود في يومنا هذا، فضلا عن ظهور مسائل فقهية وأوضاع جديدة تستوجب إعادة النظر في واقع المناهج التي تدرس في الأزهر من أجل خلق طالب إسلامي يدافع عن الوسطية الحقة". ولفت كريمة النظر إلي أن غزو الفكر الوهابي لجامعة الأزهر والمجتمع المصري كله بات حقيقة لا تحتمل الجدل، قائلاً: "للأسف بعض أعضاء هيئة التدريس داخل الأزهر سواء الذين يعملون في الكليات أو المعاهد أصبحوا وهابيين أكثر من الوهابيين أنفسهم، منهم من يدعم بأموال سواء من المراكز "المتسلفة" داخل مصر أو من خارجها، هؤلاء يهاجمون الثقافة الأزهرية وهم يحملون الدرجات العلمية الأزهرية ويتلقون مرتباتهم من الأزهر ثم يقومون بمهاجمته"، داعيًا إلي تطوير المناهج في الجامعات المصرية خاصة الأزهر من أجل تحصين الطلاب ضد الأفكار المتطرفة، في ضوء رؤية متكاملة لتطهير البلاد من هذا الخطر. مؤسسة الأزهر مطالبة بلعب الدور الأبرز في التصدي لخطاب الجماعات التكفيرية التي تستند علي تأويل منحرف لآيات قرآنية لممارسة القتل والعنف، وهو ما أكده الشيخ عباس شومان، وكيل مشيخة الأزهر، قائلاً ل"آخر ساعة": " الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وجه بضرورة انتشار علماء الأزهر ووعاظه في مدن مصر وقراها لشرح صحيح الدين والرد علي الأفكار الإرهابية والمتطرفة، إيمانًا منه بأن المواجهة ضد الإرهاب لا تقتصر علي الأمن فقط، وقد خرجت العديد من القوافل الدعوية إلي مختلف المحافظات وكان آخرها قافلة دعوية إلي سيناء هي الرابعة خلال بضعة أيام". وأشار شومان إلي أن المسؤولية زادت كثيرا علي أعناق وأكتاف علماء الأزهر، "فنحن في حالة حرب حقيقية، وهي ليست مسئولية الجيش والشرطة فقط بل كل المصريين، وعلماء الأزهر في المقدمة"، مؤكداً أن المصريين ينتظرون الكثير من علماء الأزهر خلال الفترة المقبلة لأنهم أيقنوا أن لا بديل عن الأزهر، وشدد علي أن استراتيجية الأزهر الجديدة لا تكتفي بالبقاء في المساجد فقط، بل يسعي للاشتباك مع الشارع لتنقية أفكار الشباب من غزو المتطرفين الذين بثوا أفكارهم المسمومة في العقول، في إطار إيمان الأزهر أن المواجهة الفكرية تسبق المواجهة الأمنية.