فاتن حمامة وسكينة فؤاد وعادل إمام خلال الاحتفال بعيد ميلاد نجيب محفوظ جاء رحيل فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية مفاجئا لزملائها الفنانين بقدر ما جاء أليما ومحزنا، فالفنانة صاحبة التاريخ الطويل المليء بالعطاء والصورة الشفافة والأداء الحريري الصادق في جميع أعمالها منذ أن بدأت رحلة التمثيل في السينما في وقت مبكر اشتركت فيه بدور قصير في فيلم يوم سعيد الذي قام ببطولته الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، ومن بعدها وقفت أمام معظم نجوم التمثيل والغناء بداية من يوسف وهبي وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وصولاً إلي أحمد مظهر وعماد حمدي ثم محمود يس ومحمد منير ويحيي الفخراني. لم تخرج اختيارات فاتن عن أداء أدوار الفتاة المظلومة أو السيدة الجادة التي تواجه الاضطهاد بالصبر ومنها علي سبيل المثال أفلام ابن النيل، المنزل رقم 13، الحرام، أريد حلا، اليتيمتان، وإمبراطورية ميم، صراع في الوادي، دعاء الكروان، أفواه وأرانب، عائشة، الأستاذة فاطمة، يوم حلو ويوم مر، ملاك الرحمة، ست البيت، سيدة القصر، موعد مع الحياة، ولا أنام الذي أصاب النقاد والجماهير بدهشة لأدائها دور فتاة شريرة مصابة بعقد تجاه والدها.. وقد تزوجت الفنانة فاتن في بداية مرحلة نضوجها الفني من المخرج عز الدين ذو الفقار وأنجبت ابنتها نادية وبعد طلاقها منه تزوجت من النجم العالمي عمر الشريف ورزقهما الله بابن واحد هو «طارق» وتعد فاتن بلا شك من أهم علامات السينما المصرية لتنوع أدوارها وموهبتها التمثيلية حيث عملت مع كبار المخرجين ولهذا استحقت لقب سيدة الشاشة العربية خاصة أنها قدمت للدراما التليفزيونية أعمالا يشار إليها بالبنان منها حكاية وراء كل باب وضمير أبلة حكمت وكان آخر أعمالها مسلسل وجه القمر.. وقد حصلت علي العديد من الجوائز في المهرجانات وتم اختيارها نجمة القرن العشرين في مهرجان الإسكندرية 2001.. وأيضا حصلت علي جائزة أحسن ممثلة في مهرجان قرطاج بخلاف تكريمها عن مشوارها الفني في مهرجان الإذاعة والتليفزيون، هذا بجانب حصولها علي وسام الأرز والكفاءة الفكرية في المغرب والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية والأهم هو تقليدها مع 14 فنانا وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولي في عيد الفن وقد تعرضت مؤخرا فاتن حمامة لأزمة صحية وتماثلت بعدها للشفاء، ولكن للأسف تكررت الأزمة المفاجئة وتوفيت بعدها بعد أن تركت رصيدا هائلا من الأفلام يصل لمائة فيلم وعدد من المسلسلات.. وبرحيل سيدة الشاشة العربية فقدت الساحة الفنية فارسة من فرسانها الكبار وفنانة قديرة لم يخفق قلبها بغير الحب والعطاء، لقد عاشت سيدة القصر نقية في نهر الحب ولا نملك سوي أن نقول لها وداعا يا دعاء الكراون. وفي البداية قد لايعلم الكثيرون أن فاتن حمامة كانت عاشقة لفن التمثيل منذ الصغر وخصوصا علي المسرح ويذكر أنها تركت مدرسة الأميرة فوقية في السنة الرابعة الثانوية لتلتحق بمعهد التمثيل وتشبع هوايتها علي المسرح مع فرق الطلبة الجامعيين. والطريف أن والدها كان موظفا بالتربية والتعليم ولديه اهتمامات بفن السينما. وسرعان ما جاءتها الفرصة علي طبق من دهب بعد أنه أرسل والدها صورة للمخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة ذات مواصفات معينة وبعد اقتناعه بموهبتها قام بإبرام عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية المستقبلية والبداية كانت في فيلم يوم سعيد عام 1938 الذي قام ببطولته الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب وكان أول أجر حصلت عليه في الفيلم 10 جنيهات قامت بصرفها في نفس اليوم علي شراء اللعب، والمثير أن المطرب محمد عبدالوهاب هو الذي طلب من المخرج محمد كريم أن تشاركها البطولة للمرة الثانية في فيلم رصاصة في القلب عام 1944 وتباعا شاركت في فيلمها الثالث بعنوان (دنيا) عام 1946. ولاحظ الفنان يوسف وهبي موهبتها وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم «ملاك الرحمة» عام 1946، لتدخل بذلك مرحلة جديدة في حياتها حيث تزايد اهتمام النقاد والمخرجين بها والمثير أنها شاركت مرة أخري مع الفنان يوسف وهبي بناء علي رغبته في أفلام (كرسي الاعتراف واليتيمتان وست البيت) عام 1949 وحققت خلالها نجاحات تجارية كبيرة حيث كانت واحدة من نجمات الشباك في ذلك الوقت مع مريم فخر الدين، لبني عبدالعزيز، زيزي البدراوي، زهرة العلا. ونظرا لإعجابها بحي مصر الجديدة أقامت عمارة تحتوي علي 21 شقة وجراج للسكان وصلت تكلفتها في ذلك الوقت قرابة 80 ألف جنيه ولكنها تعرضت في ذات الوقت لأزمة قانون تخفيض الإيجارات وخسرت 60 جنيها حيث كان إيراد العمارة 300 جنيه وانخفض ل 240 جنيها ولكن كان الجنيه له قيمته. ويذكر أيضا أن فاتن حمامة بلغت في فيلم الأستاذة فاطمة بالتحديد ذروة النجاح وهي تمثل دورا جديدا من نوع غير المألوف الذي عرف عنها واشتهرت به فكان محكا لمقدرتها التمثيلية وتأكيدا لموهبتها الفنية المتعددة الجوانب.. وفي ذات الوقت اختلف رأي الفنانين والمخرجين في ترشيحات البعض لها لتقدم دورا كوميديا حيث أكد عز الدين ذو الفقار أن فاتن تصلح لأداء أي دور من أدوار النجمة العالمية أودري هيبورن لأن أودري تجيد التعبير وتعتمد علي الحيوية وهذه أهم مميزات فاتن حمامة - وقال عنها الراحل هنري بركات من الخسارة تحويلها عن الاتجاه الذي نبغت فيها ولا أتصورها في دور مضحك. ومعروف أن الفنانة القديرة الراحلة وقفت أمام معظم نجوم التمثيل والغناء واستحقت بالإجماع أن يطلق عليها في سبعينيات القرن الماضي لقب سيدة الشاشة العربية. نظرا لتنوع أدوارها وتميزها حيث استمرت في تقديم روائع الميلودراما منها: ظلموني الناس أرحم دموعي أشكي لمين أريد حلا ليلة القبض علي فاطمة وأيامنا الحلوة والطريق المسدود والحرام.. ودائما ما كانت تصف الأديب الراحل نجيب محفوظ بأنه بليغ في أحاديثه وكتاباته وأنه كان حريصا علي تدوين أفكاره في نوتة صغيرة يعيد عزفها فوق الأوراق ويمنحها جواز المرور لعالم السينما المصرية حتي تكون لحنا في الحياة يظهر فيها أنه عاشق متيم للجمال بشتي أنواعه داخل الدروب ودهاليز الحارة المصرية بكل همومها ومشاكلها.. ولا ينسي أحد مقولتها الشهيرة عندما ذهبت ومعها الفنان عادل إمام وسكينة فؤاد لتهنئة محفوظ بعيد ميلاده وفوزه بجائزة نوبل في منزله وهي تقول له ستظل بسمة علي لغز الحياة فالله خلق الهموم علي الأرض.. وشاء من لطفه بعباده أن يخلق لها موكلين بإزالتها.. وقد جاءت أفضل اللفتات الإنسانية منذ أن أعادت مصر أحياء عيد الفن بعد غياب أكثر من ثلاثة عقود في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية شهد الاحتفال تقليد 14 فنانا وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولي.. بحضر المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق ونخبة من الإعلاميين والفنانين والشخصيات السياسية والعامة.. وقام الرئيس بماراثون تكريم الفنانين، أما فاتن حمامة فزف إليها جموع الحاضرين عبارات تؤكد أنها ستظل علي ضفاف شواطئ الفن هي سيدة الشاشة العربية.. وتباعا جاء آخر ظهور للفنانة فاتن حمامة في لقاء الفنانين بالرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء حملته الانتخابية.