رغم حقيقة أن الموت سوف يزور يوماً كل كائن حي، إلا أن خبر وفاتها جاء مفاجئاً ومفزعا، وأربك جميع الحسابات، فلم يكن بالبال أن يأتي اليوم، الذي نكتب فيه لننعي فاتن حمامة، ونتحدث عنها بالفعل الماضي، ونعتبرها ضمن الأشياء الجميلة التي أضاءت حياتنا لبعض الوقت، ثم زارها الموت لتغيب معه للأبد! المواقع السينمائية الأكثر تخصصاً، واحتراما ووقارا مثل imdb غيرت في لحظات بياناتها، لتكتب أمام اسمها فاتن حمامة «1931 - 2015» كنا نعرف تاريخ الميلاد، وهانحن وقد علمنا تاريخ مغادرتها محطة الحياة، ولأن آخر عمل فني قدمته فاتن حمامة "وجه القمر" كان من تأليفي، فقد وضعوا اسمي أيضا، وبعضاً من أعمالي، ضمن هذا الموقع الذي يعتبر الأهم والأكثر مصداقية، بين جميع المواقع المعنية برصد الحركة الفنية بالعالم! لايزال هذا السؤال يتكرر، وسوف يظل يكرره البعض، لماذا كانت هي وحدها "سيدة الشاشة"، رغم أن شاشة السينما المصرية، شهدت مرور من سبقنها في الظهور، أو علي الأقل تزامن وجودها الفني مع وجودهن! وقد كانت الراحلة مريم فخر الدين أكثرهن انزعاجا، وشكوي من أن يكون لقب سيدة الشاشة، قد التصق بفاتن حمامة، وكان من ضمن تعبيراتها الشائعة، يعني هي سيدة الشاشة وإحنا جواريها؟ ولاخدم عندها؟ طبعا ممكن أن نضع في الاعتبار الغيرة الشخصية، خاصة أن كلا من فاتن ومريم "رحمهما الله" كانتا سلايف، يعني متزوجتين من شقيقين، فاتن كانت زوجة للمخرج الراحل عزالدين ذو الفقار، ومريم كانت زوجة لشقيقة المخرج والممثل محمود ذو الفقار، ودخل علي الخط، كل من هند رستم" رحمها الله" ومديحة يسري، متعها الله بالعافية، ولكنهما كانتا أقل ضجيجا واعتراضا من مريم وهند علي أن يكون لقب سيدة الشاشة، يطلق علي فاتن وحدها، والواقع أن فاتن بدأت رحلتها مع الفن في وقت مبكر جدا، في وقت كانت شاشة السينما المصرية تعج بممثلات من أصول أوروبية، أو تركية، أو من الشام، وبعضهن كان مرورهن عابرا، فلم يتركن بصمة أو علامة، ولكن فاتن حمامة بدأت علاقتها بالسينما منذ أن كانت طفلة في السادسة من عمرها، عندما وقفت أمام الراحل محمد عبدالوهاب في فيلم يوم سعيد، ثم عادت لتقف أمامه مرة أخري بعد أن وصلت لسن المراهقة في فيلم رصاصة في القلب، الذي قامت ببطولته راقية إبراهيم، إذا كنت ممن اقتربوا يوما من فاتن حمامة، فسوف تدرك، أنها أخذت من صفات محمد عبدالوهاب الكثير، خاصة في دقة العمل، والذكاء المفرط، والذاكرة الفولاذية، والحذر، والتوجس، والرغبة في الوصول للكمال! فاتن تربية مجموعة من العظماء، أولهم الموسيقار الفنان عبد الوهاب، والمخرج محمد كريم، والأخوان علي ومصطفي أمين، وهي مثل العظماء أحاطت نفسها بدائرة ضيقة من الشخصيات التي كان لها أكبر تأثير في حياتها، إحسان عبدالقدوس، يوسف السباعي، وطبعا المخرج عزالدين ذو الفقار بوصفه كان زوجها في وقت ما، وصانع أهم أفلامها في المرحلة الأولي من حياتها، وهو الذي منحها الوصفة السحرية، للشخصية السينمائية، التي اشتهرت بها، وهي الفتاة الرقيقة الناعمة، الفاضلة، التي تحاصرها الشرور وتكاد تنال منها، غير أنها تقاوم لآخر نفس، إنها الفتاة التي يجد فيها كل متفرج نموذجا من شقيقته، أو من حبيبته التي يتمني الزواج منها، ورغم أنها استسلمت كثيرا لشخصية الفتاة المغلوبة علي أمرها، إلا أنها تمردت سريعا علي هذا النموذج، ربما بسبب طلاقها من عز الدين ذوالفقار، واحتفظت بمواصفات المرأة أو الفتاة المثالية، إلا أنها أضافت بعض رتوش أو خربشة، لتلك المرأة، لتتوافق مع متغيرات الحياة الاجتماعية، فلم تعد الحياة تقبل الفتاة السلبية التي تنتظر في منزلها، فارس الأحلام، ولكنها سعت هي ذاتها لتنتزع فرصة وجودها، وحقها في أن تكون شخصية مستقلة لها إرادة، ولذلك كانت أدوراها في الخمسينيات، غيرها في الأربعينيات، وطبعا اختلفت تماما بعد سفرها للخارج في الستينيات، ثم عودتها، من أهم أسباب وجودها الفني، تمردها من حين لآخر علي النمط الواحد، وأفلامها الطريق المسدود، ولا أنام "عن روايات لإحسان عبد القدوس " خير دليل علي ذلك، ودعاء الكروان، والأستاذة فاطمة، وحتي صراع في الوادي ، وصراع في المينا، كانا يحملان بذور التمرد، والرغبة في الخروج من قيود الفتاة المقهورة، إنها في تلك النوعية من الأفلام كانت تصارع لتلعب دورا في الحياة أو تتمرد علي قهر الرجل أو المجتمع "لاتطفئ الشمس"، الله معنا! ورغم أنها قريبة من مجتمع نساء إحسان عبد القدوس، إلا أنها في خطوة جريئة قدمت ليوسف إدريس فيلم الحرام الذي أصبح من أهم كلاسيكيات السينما المصرية. القفزة الرهيبة التي قامت بها فاتن في بداية السبعينيات كانت مع فيلم الخيط الرفيع، أمام محمود يس، وكان في بداية حياته الفنية، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة، لأنها قدمت من خلاله شخصية عشيقة لرجل أعمال شهير، تتركه من أجل شاب أحبته وحاولت أن تصنع منه نموذجا ناجحا، تنافس به عشيقها رجل الأعمال، وانتهي الأمر بأن انقلب عليها التمثال الذي صنعته، ومع المخرج حسين كمال قدمت إمبراطورية ميم وكان نجاحه مشجعا لها علي التعامل مع جيل مختلف من المخرجين، أما فيلمها الذي كان ولايزال من أهم ما قدمته من أجل مناصرة قضايا المرأة فهو أريد حلا، مع سعيد مرزوق، وبعد سنوات من الابتعاد عن السينما فاجأت الجميع "بيوم حلو ويوم مر" مع خيري بشارة، وفيه قدمته دور أم شعبية من حي شبرا، تعيش بلا رجل وتربي أربعة أبناء وتسعي لزواج البنات قبل أن تمتد إليهن أيادي الرجال، وربما كان الفيلم فرصة لانطلاق موهبة عبلة كامل، وحنان يوسف وسيمون، وكان آخر علاقتها بالسينما مع داوود عبدالسيد في "أرض الأحلام" حيث كان حلم الهجرة لأمريكا للحاق بأبنائها هو ما يؤرقها، وكان فقدها للباسبور عائقا، أمام تحقيق الحلم، وبسببه تقضي ليلة غريبة، تلهث خلف ساحر عجوز غريب الأطوار "يحيي الفخراني" ويتحول لقاؤهما إلي نقطة تحول في حياتها وحياته! أما حكاية وجه القمر، المسلسل الذي قمت بكتابته في عام 1999 وكان أحد أهم مشاريعي الفنية في هذا التوقيت، فقد حدثت صدفة غريبة جعلته يذهب إلي فاتن حمامة، فبعد أن فشلت محاولات التفاهم مع يسرا لتلعب الدور الرئيسي، أعيتنا أنا والمخرج عادل الأعصر السبل في البحث عن نجمة لها بريق يمكن أن تؤدي شخصية ابتسام البستاني المذيعة الشهيرة التي تعالج مشاكل الناس من خلال برنامجها، حتي تلتهما مشكلتها الشخصية التي لم تكن في الحسبان، وتفاجأ بأن زوجها الراحل "أحمد رمزي" لايزال علي قيد الحياة، وأنه يعود مطالبا بانتزاعها من زوجها وخصمه اللدود "جميل راتب"، حاولنا مع نجلاء فتحي، ولكنها كانت قد ابتعدت تماما عن التمثيل، بعد تجربة لم تعجبها من تأليف السيدة كوثر هيكل، حتي وصل الأمر إلي رغدة، وأرسلنا لها السيناريو، غير أن المخرج فكر أن يجرب حظه وحظنا ويرسل السيناريو إلي فاتن حمامة، التي أدهشتنا جميعا كانت قد قرأت الثلاثين حلقة من المسلسل في أقل من أسبوع، وطلبت بعده لقائي أنا والمخرج، لمناقشة بعض التفاصيل، وخلال أقل من شهر، كان وجه القمر أهم حدث فني في عام 2000 وانطلق من هذا العمل اسم نيللي كريم وغادة عادل وأحمد الفيشاوي.