الكوبري مفقود والنازل منه مولود، شعار رفعه أغلب السائقين، لا فرق بين سائق نقل أو ميكروباص أو حتي ملاكي فنوع السيارة لا علاقة له بالخطورة التي تتداهم حياة كل من يستخدمون الكباري في مصر المحروسة. مشكلات مثل التكدس، والزحام المروري، والمطبات، وفوضي الميكروباصات، وغيرها، من الصعوبات التي تواجهها وأنت تقود سيارتك بالشارع أهون بكثير من تلك التي قد تتعرض لها إذا فكرت في اعتلاء الكوبري، يكفي فقط أن أخبرك بإن نصف كباري القاهرة ومختلف المحافظات مُصابة بشروخ وتصدعات ومهددة بالانهيار في أي لحظة. بالأرقام، لدينا في مصر 1704 كباري، منها 67 كوبري بالقاهرة، بدأ بناؤها علي يد الفرنسيين والإنجليز بداية من النصف الثاني للقرن التاسع عشر، ولأن الدهر أكل عليها وشرب، شأنها شأن كافة مرافق الدولة، فإن حالتها الآن يرثي لها، معظمها يحتاج إلي صيانة عاجلة، ليس بالقاهرة فقط بل بالمحافظات، وهو ما أكد عليه تقرير رقابي صادر من هيئة الطرق والكباري، حذر فيه رئيس الهيئة من خطورة 40% من الكباري بمصر، مؤكداً أن أغلبها إن لم يكن كلها إما مشروخة أو متصدعة أو بها شقوق صارخة، بسبب غياب الصيانة، وارتفاع الحمولات لشاحنات وسيارات النقل الثقيل. الجيوشي: 40% من الكباري آيلة للسقوط وطالب التقرير بإجراء صيانة عاجلة لكوبري قصر النيل، وكوبري عباس، خوفاً من انهيارهما نتيجة التصدعات والشروخ التي أصابتهما، مُحذراً من انهيار بعض أجزاء الكباري فجأة علي رؤوس المارة والسيارات، خصوصاً منطقة كوبري أكتوبر أعلي عزبة أبوحشيش، بسبب البناء المخالف، والحرائق المستمرة، والورش، وأيضاً كوبري غمرة الذي ظهرت به تصدعات وشقوق كثيرة، وطبقاً للتقرير، نحن بحاجة إلي نحو 2 مليار جنيه لصيانة تلك الكباري، لا تمتلك هيئة الطرق والكباري منها سوي 10% فقط. حوادث انهيارات الكباري في مصر ليست بعيدة، من بينها علي سبيل المثال لا الحصر، انهيار كوبري السيدة عائشة في 2012 وانهيار كوبري المرج أعلي محطة مترو الأنفاق، والذي وقع بداية العام الماضي، ومن قبلهما كوبري التونسي، وغيرها من حوادث انهيارات الكباري التي تتكرر بين الحين والآخر. "آخرساعة"، قررت الذهاب إلي منطقة المرج لترصد عن قرب حالة الكوبري الذي تم إصلاحه بعد أن انهار وكاد يتسبب في كارثة إنسانية، لولا رحمة السماء، حيث انهار الكوبري في ساعة مبكرة من الصباح، ولم يكن المترو قد بدأ العمل، ولم تكن المنطقة مُكتظة بالمارة. نعم، السماء وحدها قادرة علي إنقاذ مواطنين لم يقترفوا ذنباً إلا سكنهم ب"المرج"، أكثر من نصف مليون مواطن يتعرضون يومياً لأخطار جسيمة، يحاولون تفاديها قدر المستطاع، لكن لا ينجو منها إلا القليل، فالكارثة التي استيقظنا عليها منذ عدة أشهر إثر انهيار جزء من كوبري الشيخ منصور بالمرج، لم يدن بها أحد، وهذا ليس الأهم، لأن الكارثة الحقيقية هي أن سيناريو انهيار هذا الكوبري، جاهز للتكرار علي بعد أمتار قليلة مع كوبري "محمد نجيب"، والذي يحد المنطقة ذاتها من الناحية الشرقية، فهو أيضاً مُهدد بالانهيار، وأصابه ما أصابه بفعل الزمن والإهمال، فلم يتم ترميمه منذ بنائه في الثمانينات، وينذر بكارثة أبشع مما حدثت عند سقوط كوبري "الشيخ منصور". "كوبري الموت"، هكذا أطلق سائقو العربات الأجرة علي كوبري محمد نجيب، والذي يربط المرج الجديدة بالقديمة، ويمر تحته أيضاً مترو الأنفاق، وبات بمثابة قنبلة موقوتة مهددة بالانفجار في أي وقت، وبعد معاينة ظاهرية بالعين المجردة لهذا الكوبري، ودون حاجة لخبير نستطيع القول إن الكوبري معرض للانهيار بالكامل بسبب التآكل الذي نال منه. وتعد تلك المنطقة أكثر خطورة من منطقة كوبري "الشيخ منصور"، فأسفل الكوبري تجد أكثر من 10 مولدات للكهرباء، وكذلك شركة المياه التي تم إنشاؤها حديثاً بجوار الكوبري، كما توجد أسفله أكشاك للبقالة علي الجانبين، والأهم أن وجود الكوبري أعلي شريط المترو يصيب أهالي المنطقة بالذعر فتآكل الخرسانة، وانهيار الفواصل الحديدية، وانهيار بعض أطرافه العليا، يجعلهم ينتظرون سقوطه في أي وقت، ومع كل مرور للقطار تحدث هزة واضحة يشعر بها سكان المنطقة، وكذلك سائقو العربات. كارثة انهيار الكوبري ليست وحدها التي تؤرق سكان المنطقة، فالسائقون أيضاً معرضون لحوادث يومية لأن الكوبري مفتوح من ثلاث جهات دون وجود أي إشارات أو فواصل أو لوحات إرشادية، كما أن السور الحديدي المفترض تواجده أعلي الكوبري متآكل، وبذلك يعرض حياة الركاب للخطر، فضلاً عن وجود فوارغ بين فواصل الكوبري في مقدمته ونهايته، فإذا وقع حادث بالكوبري يتسبب في توقف حركة المرور في الاتجاهين، وتعطل الحركة في الاتجاهات المؤدية إلي المرج والطريق الدائري، وتوقف خط المترو في محطتي المرج القديمة والجديدة، والأغرب من كل هذا أن الكوبري بحالته هذه تعبر عليه عربات كبيرة ومقطورات محملة بأكثر من 20 طناً. اتصالاً هاتفياً أجريناه مع الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، لسؤاله عن تلك الكارثة التي تهدد أهالي المنطقة فأجاب: "أنا مسئولياتي أكبر من المنطقة دي وأنا معرفش أي تفاصيل دي مسئولية رئيس الحي"، فتحدثنا إلي رئيس حي المرج، الدكتور عواد أحمد علي، فنفي مسئوليته عما يحدث بكوبري محمد نجيب، وكذلك الكوبري الذي تم ترميمه حديثاً (الشيخ منصور)، مؤكداً أن الكثافة المرورية، وصعود عربات النقل علي الكوبري الجديد المرمم حديثاً ينذر بسقوطه مجدداً، وقال: "الطريق علي الكوبري (رايح جاي)، ومش ممكن يبقي اتجاه واحد لأن المنطقة ضيقة، ولو وسعنا الحارات هنتسبب في اختناق مروري. عواد قال: "المسئولية لا تقع علي الحي إطلاقاُ فأنا لم أر عسكري مرور واحدا في المرج، فهي خالية تماماً من الخدمة المرورية، ويجب توفير خدمة تبدأ من عند البنزينة بشارع الصحة، وتنتهي عند كوبري محمد نجيب"، وحذر عواد، من احتمال سقوط كوبري محمد نجيب بالمرج الجديدة، بسبب مرور سيارات النقل الثقيل، مُطالباً بتشكيل لجنة فنية لمعاينة كوبري محمد نجيب، خوفا من تعرضه للانهيار مثلما حدث بكوبري الشيخ منصور. رئيس هيئة الطرق والكباري، المهندس سعد الجيوشي، لم ينكر الحالة المُتردية التي وصلت إليها حالة الكباري في مصر، مؤكداً أن 40% من الكباري عديمة الأمان، بسبب أعمال الصيانة المتوقفة منذ ما يقرب من 50 سنة، ولذلك تتجه أنظار الدولة حالياً نحو الاهتمام بهذه الكباري وصيانتها لسلامة المواطنين، وتجنب الحوادث، فعملت الهيئة علي أخذ موازنة إضافية من الدولة، وحالياً هناك مخطط مشروعات بإنشاء 400 كوبري، تم الانتهاء حالياً من 183 كوبري منها، وجاري العمل علي إنشاء 217 كوبري آخرين. وعن الإجراءات التي تتخذها الهيئة لتدارك الأزمة، أوضح أن الهيئة توجه جهودها لصيانة الطرق والكباري بصفة خاصة لأنها مهملة من 50 سنة فهناك نحو 250 مليون متر في حاجة إلي صيانة عاجلة، وهناك 110 مشاريع لصيانة الكباري، ومن الكباري التي تم صيانتها مؤخراً كوبري أسيوط علي النيل، وكوبري أسيوط فوق السكة الحديد، وكباري السادات، وبني سويف. الجيوشي، طالب بإصدار قانون يُجرم سير الحمولات الزائدة علي الكباري، وإلزام الشاحنات بالحمولة المقررة، موضحاً أن هناك كباري مصممة تتحمل 30 طنا فقط، وأقل حمولة تحملها السيارات التي تسير عليها 80 و120 طنا، وهو ما يُعجل بانتهاء عمرها الافتراضي وانهيارها. من جانبه، طالب استشاري الطرق والكباري بجامعة عين شمس، الدكتور عماد عبدالعظيم، بمراجعة العناصر الإنشائية للكباري، ومدي استمرارية استيفائها للشروط، ومراجعات قطاعات الكباري، وهل مازلت متجانسة أم حدث ضعف بها نتيجة للاحمال الزائدة عليها، مُشيراً إلي أن معظم حوادث انهيارات الكباري سببها تصادم أو احتكاك بالكاميرات والأعمدة الخاصة بالكوبري، أو حريق، أو ضعف في مواد البناء التي تتأكل مع مرور الزمن. بينما يقول الدكتور أحمد صبري، أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر، إن التصدعات والشروخ التي تهدد نصف كباري مصر لها أسباب عدة أهمها الحمولات الزائدة، وعدم القيام بأعمال الصيانة الدورية، مُشيراً إلي ضرورة إجراء صيانة دورية كل 6 شهور علي الكباري بالقاهرةوالمحافظات.