من يتابع القنوات الفضائية سواء الإخبارية أو العامة يجد أنها في كثير من الأحيان،- وخاصة في برامج التوك شو،- قد تحولت إلي مكلمة، المذيع منفردا يتحدث بالساعات ينتقل من موضوع إلي آخر، يقرأ أخبارا نشرتها الصحف والمواقع الإخبارية، دون أن يتحقق منها، فقد تكون عارية تماما من الصحة، ويعلق عليها بكلمات تعبر عن أهداف القناة وأصحابها، ولا تعبر عن الحقيقة المجردة، في كثير من الأحيان، ونسي بعض هؤلاء أن الكلمة تنطق بها وتكتبها فتجد من يقبلها ويصدقها، وهناك من المشاهدين من يستمع منتبها ويأخذ ما يقال مأخذ الجد ويصدقه، بل ويعتبرها مسلمة ويبني عليها تصرفات وأحكاما، وبعض القنوات الإخبارية تروّج أحيانا لأخباركاذبة، مع طلوع الفجر تذكر الخبر، وعند الظهيرة تؤكده، وعند العصر تردده، ثم تصوره، حتي يصدق الناس ما كان كذباً من الأخبار، ثم تضطر إذا مادعت الضرورة أن تقول الحقيقة حتي لا تفقد مصداقيتها، بشكل نهائي، وفي الأمثال يقولون لسانك حصانك إن صنته صانك، ويقولون أيضا، اكذب واكذب حتي يصدقك الناس، وفي التراث الشعبي قصة طريفة عن أن أشعب دعا الناس إلي وليمة كاذبة، فكان كلما لقي واحداً قال له: العشاء عند فلان. فتناقل الناس الخبر، وصار هو يسمع ما يتناقله الناس من أن العشاء عند فلان، فقال: لعل الخبر صحيح، فذهب مع الناس، فالكلمة عندما تتردد وتتكرر، خاصة من ألسنة من يثق فيهم الناس عادة، تغزو العقول، خاصة العامة، فيقبلونها ويصدقونها، ولنا فيما حدث لقنوات الجزيرة الإخبارية المثل، فبعد أن كانت تجذب المشاهدين وتبهرهم، ابتعد عنها الكثيرون بعد أن فقدت كثيرا من مصداقيتها، ونحن علي أعتاب عام جديد، عسانا أن نفكر بجدية وأن نطوي صفحة أعوام ما بعد ثورتي يناير ويونيو، فقد كانت أعواما كثر فيها اللغط، وتحدث الكل فيما يفهمه ويعرفه وفيما لا يفهمه ولا يعرفه، وصار الجميع نشطاء ومحللين سياسيين وعسكريين.