المسئول غير القادر علي تحمل المسئولية وحل مشاكل الدولة عليه ترك منصبه"، هكذا قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، مطلع نوفمبر الماضي، موجها رسالة شديدة اللهجة لكبار المسئولين في الدولة بداية من المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، مرورًا بوزراء الحكومة، وليس انتهاء بالموظف في الوحدة المحلية، لكن تصريح السيسي يكشف عن فرق السرعات بين أدائه النشط وبين أعضاء في حكومة محلب لا يزالون يعملون بأسلوب الموظفين. السيسي الذي تولي الحكم مطلع يونيو الماضي، دشن مرحلة جديدة من العمل الرئاسي، دشن العديد من المشروعات أبرزها مشروع قناة السويس الجديدة والمخزن العالمي للحبوب والغلال في دمياط، وضرب بيد من حديد علي الفوضي الأمنية في الشارع المصري، ودعا إلي تبني خطط تنمية قصيرة وطويلة المدي، داعيا لضغط الوقت في جميع المشروعات التي تتولاها الحكومة، بينما قاد الدبلوماسية المصرية لاستعادة العلاقات الدولية شرقا وغربا، ما تم ترجمته علي الأرض برضاء نحو 87.5% من المواطنين عن أداء الرئيس، وفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في أكتوبر الماضي، لكن ذلك لم يكن حال الحكومة التي ظهر علي أداء بعض وزرائها خاصة المجموعة الخدمية، علامات ترهل وبطء في اتخاذ القرار. ورغم النشاط المشهود لإبراهيم محلب، والمتمثل في متابعته الميدانية لمعظم المشروعات، إلا أنه هو نفسه اعترف بضرورة تغيير منظومة العمل الحكومي، وتحجيم البيروقراطية، قائلاً خلال جولته بمحافظة المنوفية الأسبوع الماضي: "يجب أن يتغير أداء الموظف الحكومي بوجه عام، وأن يكون هناك انضباط والتزام، ولن يتم التهاون في أي تقصير أو فساد"، مشددا علي ضرورة أن يشعر "المواطن الغلبان" بالتغيير في أداء الجهاز الحكومي. أبرز الوقائع التي تكشف فرق السرعات بين الرئيس السيسي وحكومة محلب، ما قيل عن غضب الرئيس من عدم جاهزية الحكومة لبدء العمل في مشروع إنشاء المركز العالمي اللوجستي لتخزين وتداول الحبوب والغلال بميناء دمياط، وبعد الإعلان عن موعد وضع حجر الأساس، خرج السيسي - وهو الذي طالب بإنجاز المشروع في أقصر وقت ممكن- ليعلن رفضه وضع حجر تأسيس المشروع، قائلا خلال افتتاحه عدة مشروعات بمدينة الغردقة في 17 ديسمبر، إنه رفض تدشين مشروع ميناء دمياط العالمي "لعدم وصول المعدات اللازمة لتنفيذه"، ملقيا باللوم علي الحكومة، مشددا علي ضرورة مصارحة الشعب بتكلفة المشاريع وإعطاء وقت محدد للانتهاء منها للتدليل علي التزام الحكومة بوعودها. وبينما قال الرئيس السيسي، في تصريحات صحفية بعيد انتخابه؛ إن الانتخابات البرلمانية ستجري نهاية العام الجاري، جاء تلكع الحكومة في إنجاز قانون تقسيم الدوائر الانتخابية والذي صدر الشهر الجاري، ليؤخر إجراء الانتخابات إلي مارس المقبل. كما أن الرئيس أمر بإنشاء مدينة رفح الجديدة لأهالي مدينة رفح الذين بدأت عملية نقلهم من الشريط الحدودي إلي داخل سيناء في أكتوبر الماضي، لكن الحكومة لا تزال متعثرة في الإعلان عن تفاصيل المدينة الجديدة بل وتحديد مكانها. وتفاجأ الرئيس السيسي عندما علم أن عمليات التطوير بمطار الغردقة لم تتضم تزويد صالات المطار بمشايات كهربائية، لتوفير الراحة لذوي الاحتياجات الخاصة، متسائلا: "إزاي أمشي كبار السن 25 دقيقة علي رجيلهم"، فأمر الرئيس وزير الطيران محمد حسام أبو الخير بسرعة تدارك الأمر، علي الرغم من أن المخطط الأصلي لعمليات التطوير كان يتضمن وجود المشايات إلا أنها لم تنفذ إلا بعد تدخل الرئيس!. وبينما أعلن الرئيس عن استصلاح نحو 4 ملايين فدان، بواقع مليون فدان في كل عام من سنوات رئاسته الأربع، مرت 6 أشهر من العام الرئاسي الأول ولا تزال الحكومة في مرحلة دراسة مشروع استصلاح المليون فدان وتحديد الأماكن والشروط المطلوبة. الأزمة الأبرز التي شهدت بروز ظاهرة فرق السرعات، تمثلت في غضب السيسي من أداء حكومة محلب في التعامل مع ظاهرة انقطاع الكهرباء، فبينما جاءت تصريحات الرئيس موجهة بضرورة العمل بين الحكومة والمواطن علي تجاوز الأزمة بشكل مرحلي، جاء انقطاع الكهرباء بشكل مفاجئ عن معظم انحاء الجمهورية مطلع سبتمبر، ليكشف تراخي الحكومة خاصة وزارة الكهرباء في التعاطي مع الأزمة، وأنه وجه بضرورة فتح تحقيقات موسعة في حادثة انقطاع التيار الكهرباء عن معظم المحافظات في توقيت واحد، وفتح تحقيق لمعاقبة المسؤولين عن التقصير، لكن يبدو أن الحكومة لم تهتم لا بمحاكمة المسؤولين عن ظاهرة انقطاع الكهرباء، أو إيجاد حلول جذرية، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، وتحذيرات بانقطاعه في فترة الصيف المقبل لفترات أطول. تأخر الحكومة وشركاتها في إنجاز عدد من المشروعات، في وقت أراد السيسي إنجازها في أقل وقت ممكن تخفيفا علي المواطنين، جعلته يلجأ إلي الاستعانة بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي أوكل إليها إنجاز عدد من المشروعات الخدمية من طرق وكباري، لما عرف عن الهيئة من الانضباط في مواعيدها، وهو ما تمثل في افتتاح الرئيس لنحو 22 مشروعاً أنجزتها الهيئة الهندسية مطلع ديسمبر، في وقت تأخرت الحكومة في الانتهاء من تطوير طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، والذي كان يفترض أن يتم الانتهاء من أعمال تطويره في شهر يونيو الماضي، لكن امتد التأخير الحكومي إلي العام المقبل، ليخرج الرئيس بلهجة غاضبة موجها بضرورة الانتهاء من هذا الطريق قبل أغسطس المقبل، لذلك لم يكن غريبا أن يوكل الرئيس إنجاز مشروع محور روض الفرج إلي الهيئة الهندسية بعيدا عن الحكومة. فرق سرعات أكد هذا الطرح حول اختلاف السرعات بين رئيس الجمهورية الراغب في سرعة الإنجاز في أقل وقت وبأقل تكلفة وأكبر قدر من الجودة، وحكومة مترهلة تعاني من البيروقراطية وبطء الحركة، الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، قائلاً ل"آخر ساعة" إن حكومة محلب غير مؤهلة للسير بنفس سرعة الرئيس السيسي، لا تملك الجرأة في إيجاد حلول لتنفيذ أفكاره ومشروعاته بشكل سريع، فبدا وكأن الرئيس السيسي يسير بسرعة قطار فيما الحكومة تسير بسرعة سيارة بطيئة متهالكة، وهو أمر يلاحظه الجميع، مؤكدا أن منظومة العمل الحكومي لم تتغير منذ سنوات طويلة حتي أصابتها الشيخوخة، مطالبا المسؤولين بأن يصبحوا في عام 2015 "رجال أفعال لا أقوال". وأشار جودة إلي ضرورة إعادة النظر في الأداء الحكومي من خلال محاربة الترهل الوظيفي، ووضع رؤية متكاملة للتنمية، فضلاً عن معاقبة المسؤول الذي يثبت تقاعسه عن أداء عمله، والأهم محاربة الفساد المستشري في الجهاز الحكومي، والذي يعرقل أي خطوات جادة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وأشار إلي أن إسناد العديد من المشروعات إلي شركات تابعة للقوات المسلحة مثل تأسيس شركة لصناعة الأسمدة وأخري لاستغلال الرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ، تكشف عن عدم قدرة الحكومة علي الإنجاز بالصورة التي يريدها الرئيس. وحذر مدير مركز الدراسات الاقتصادية، من النظر إلي أداء الحكومة من ناحية السلبيات فقط، بل لابد من الاعتراف بأن للحكومة إنجازاتها أيضا، أبرزها إصدار قانون الحد الأدني والأقصي للأجور وزيادة الضمان الاجتماعي وفرض ضريبة علي أرباح البورصة بنسبة 10%، والإعلان عن حزمة من المشروعات الاقتصادية أهمها مشروع قناة السويس الثانية. تقييم سياسي سياسياً اختلفت القوي الحزبية حول تقييم فرق السرعات بين الرئيس السيسي وحكومة محلب بين مؤيد ومعارض، إذ قال خالد داود، القيادي بتحالف التيار الديموقراطي وحزب "الدستور"، إن البيروقراطية والفساد من أهم معوقات الحركة لدي حكومة محلب، وهما معا السبب في ترهل أداء الحكومة وبطء إيقاعها علي عكس أداء الرئيس السيسي، لذلك لابد من وضع مخطط عام لمحاربة الفساد والعمل علي تحجيمه في أجهزة الدولة، ومن ناحية أخري لابد من محاربة البيروقراطية والعمل علي رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة. المهندس إبراهيم زهران، رئيس حزب التحرير المصري، ذهب إلي أن الظروف الأمنية أثرت سلبا علي قدرة الحكومة محلب في الحركة، وهو ما أدي إلي شعور البعض ببطء حركة الحكومة، علي الرغم من أن المهندس إبراهيم محلب من أنشط روؤساء الوزارات الذين مروا علي تاريخ مصر الحديث، لكن جهود الحكومة استغرقتها بشكل كامل البحث عن الاستقرار وإعادة الأمن إلي الشارع، وهو ما نجحت فيه الحكومة بنسبة كبيرة، لكن جاء ذلك علي حساب الأداء في الملفات الاقتصادية والخدمية ما أعطي انطباعا سيئا علي أداء الحكومة في هذه الملفات الحيوية للمواطن. بدوره، أكد المهندس محمد سامي، رئيس حزب "الكرامة"، أن أداء حكومة محلب الإجمالي كان جيدا بصورة إجمالية، خاصة إذا نظرنا إليها باعتبارها حكومة انتقالية جاءت في ظروف خاصة وتنتهي مهمتها بتسليم السلطة إلي الحكومة الجديدة عقب الانتهاء من الانتخابات النيابية المقبلة، فمحلب وأعضاء حكومته اجتهدوا فأخطأوا أحيانا وأصابوا في أحيانا أخري، ووفقت في بعض الملفات خاصة الأمنية، ولم توفق في بعض الملفات خاصة الحريات العامة. وأشار سامي في تصريحات خاصة ل"آخر ساعة" إلي أن العيب الرئيسي في أداء حكومة محلب، تمثل في عدم عمل الحكومة في إطار الفريق المتكامل الذي يسير علي هدي خطة تنموية شاملة. في المقابل، قال المستشار يحيي قدري، النائب الأول لرئيس حزب "الحركة الوطنية المصرية"، في بيان رسمي حصلت "آخر ساعة" علي نسخة منه، إن "أداء حكومة إبراهيم محلب خلال الفترة الماضية لا بأس به، لأنه يعتبرها حكومة انتقالية لا تمتلك عصي سحرية لتغيير كافة السلبيات، لذلك يُعتبر أداؤها جيدا نسبة للأوضاع الحالية التي تمر بها مصر".