عادت ظاهرة الإلحاد إلي الواجهة، مع اعتراف دار الإفتاء، برئاسة الدكتور شوقي علام، بتفشي الإلحاد في المجتمع، لتدق ناقوس الخطر وتعترف في تقرير جديد ، بتزايد ظاهرة الإلحاد في مصر وبين الشباب عموما في الدول الإسلامية، خاصة دول المنطقة التي تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية كبيرة، وألقت "الإفتاء" بالمسئولية علي مواقع التواصل الاجتماعي والجماعات الإرهابية التكفيرية التي شوّهت صورة الإسلام، وسط حديث عن تقارير غير رسمية عن تجاوز عدد الملحدين في مصر حاجز المليون شخص. تقرير رسمي: الجماعات التكفيرية دفعت بعض الشباب إلي الإلحاد تقرير دار الإفتاء، الذي حصلت "آخر ساعة" علي نسخة منه، ذهب إلي أن مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، وفي مقدمتها "فيس بوك" و"تويتر"، وفرت لهؤلاء الشباب "المغرر بهم" مساحات كبيرة من الحرية أكثر أمانا لهم للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم في رفض الدين، بعيدًا عن التابوهات التي تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية، حيث رصد التقرير تصريحات لعدد من الملحدين الشباب الذين جاهروا بإلحادهم علي تلك المواقع. وأكدت "الإفتاء" أن من أبرز الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب إلي الإلحاد، انتهاج الجماعات الإرهابية التكفيرية الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام، وتصديرها مفهوماً مشوهاً لتعاليم الإسلام، ورسّخت صورة وحشية قاتمة للدين، مما نفَّر عددا من الشباب من الإسلام ودفعهم للإلحاد، وأن هذه الجماعات تدعو إلي فهم مختل للولاء والبراء إلي كراهية الآخر لمجرد المخالفة في الديانة، "فيكون من الطبيعي أن ينفر من هذا الكثير من أصحاب القلوب الطيبة والمحبة للآخرين". ووضعت "الإفتاء" روشتة لمواجهة انتشار ظاهرة الإلحاد، أهمها جعل "المنهج الوسطي الذي يدعو إليه الأزهر الشريف ثقافة عامة تشيع في مناهج التعليم والإعلام"، وتوفير "برامج متخصصة تقوم علي مناقشة الأفكار التي تطرأ علي عقول الشباب، مع احترام تلك الأفكار ومناقشتها بهدوء ورفق وطرحها أيضا للمناقشة والرد من قبل متخصصين من علماء الدين والاجتماع والنفس والفيزياء"، مع ضرورة التنسيق بين المؤسسات الدينية المعنية ببيان صحيح الدين، لتطوير وسائلها للوصول إلي قطاعات الشباب والتواصل معهم واحتوائهم وعدم تركهم فريسة لتلك الجماعات المتطرفة، التي تخالف الشريعة الإسلامية في أهدافها ومعتقداتها، مع ضرورة تجديد الخطاب الديني ليتفاعل مع الواقع المعاصر. من جانبه حذر الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الديار المصرية، من خطورة استضافة وسائل الإعلام لغير المؤهلين وغير المتخصصين في البرامج الدينية، الذين غالبا ما يتعمدون الإساءة في توصيل المعلومة الدينية الصحيحة، مما يؤدي بدوره إلي حدوث بلبلة في الأفكار واختلال في المفاهيم، مؤكدا أن دراسة هذه الظاهرة ليست بالأمر الهّين، ويكتنفها مجموعة من الصعوبات المنهجية التي من أهمها انخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي الميدانية؛ إذ إن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقي الموجود؛ لذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين في عدد من الدول تكون النسب في أغلب الأحيان نسبا تقريبية. وأوضح نجم أن عدداً من الدراسات والإحصاءات أظهرت أن الإلحاد، في السنوات الأربع الماضية، قد شهد نشاطا كبيرًا فسرعان ما ظهرت عشرات المواقع الإلكترونية علي الإنترنت تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين، في مقدمة هذه المواقع الإلكترونية "الملحدين المصريين" و"ملحدون بلا حدود" و"جماعة الإخوان الملحدون" و"مجموعة اللادينيين" و"ملحدون ضد الأديان". كما ظهرت مواقع شخصية للملحدين، جميعها بأسماء مستعارة فظهر "ملحد وأفتخر" و"ملحد مصري"، و"أنا ملحد". وأشار مستشار المفتي أن مركز "ريد سي" التابع لمعهد "جلوبال" قد وضع مؤشرًا للإلحاد في كل دول العالم، وقال إن مصر بها 866 ملحدًا، ورغم أن الرقم ليس كبيرًا إلا أنه الأعلي في الدول العربية فليبيا ليس بها سوي 34 ملحدًا، أما السودان ففيها 70 ملحدا فقط، واليمن فيها 32 ملحدًا، وفي تونس 320 ملحدا وفي سوريا 56 ملحدا وفي العراق 242 ملحدا وفي السعودية 178 ملحدا وفي الأردن 170 ملحدا وفي المغرب 325 ملحدًا. وقال عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف سابقاً، ل"آخر ساعة" إن ظاهرة الإلحاد قديمة في الإسلام والأديان عموما، تحتاج إلي تكاتف المجتمع كله لمحاربتها والتصدي لها بكل حزم، من خلال إحياء دور المدرسة في توعية الأبناء وربطهم بقيم المجتمع الأصيلة في مواجهة هجمة غربية تحمل قيم الانحلال والإلحاد تحملها لنا وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت التي دخلت كل بيت مصري دون استئذان، تبث قيما غريبة عن مجتمعنا استهلاكية في جوهرها تدمّر ثوابت المجتمعات المستقرة، مؤكدا أن الأرقام المعلنة عن أعداد الملحدين أقل من الحقيقة. وأشار الأطرش إلي أنه لابد من تحديث الخطاب الديني لمواجهة واقع المجتمعات الجديدة من خلال الاقتراب من الشباب والعمل علي التقرب منهم وتغيير صيغة الخطاب في خطب الجمعة لتكون أكثر قربا من المشاكل اليومية، وهو ما بدأته وزارة الأوقاف بالفعل من خلال توحيد خطبة الجمعة، لتتضمن مضامين تتحدث في الشأن اليومي وتتصدي لمثل هذه الأفكار التي تشكك المؤمنين في دينهم، ولابد من إحياء دور الأسرة لتلعب دورا في مراقبة الأبناء ليكتشفوا أي بوادر للانحراف والعمل علي تحييدها مبكراً. الإلحاد ليس ظاهرة إسلامية فقط، بل في جميع الأديان، حيث أكد القمص صليب متي ساويرس، عضو المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، ل"آخر ساعة"، أن الإلحاد موجود في المسيحية كنتيجة طبيعية لما يشهده المجتمع من تطور في وسائل الاتصالات، جعلت الشاب المصري عرضة لمواجهة أفكار غريبة، لا يملك المعرفة الكافية لمواجهتها فيتم استدراجه إليها، في ظل فراغ عاطفي واجتماعي، خاصة مع عدم وجود أنشطة في المدارس تستوعب نشاط الشباب، فلا أنشطة رياضية ولا ثقافية ولا اجتماعية في المدارس، فكانت النتيجة الضياع الذي يعيشه الشباب الآن. وأشار ساويرس إلي أن الفقر أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلي الإلحاد إضافة للبطالة، لأن معظم الملحدين إما من المطحونين أو إنسان بلا مشاكل، وأضاف: "غياب الأم عن البيت أدي إلي تفاقم الأوضاع، لأن الأم كانت تلعب الدور الأبرز وتعمل علي تلقين أبنائها الالتزام المقدس وربطه بالكنيسة، لكن انشغال الأم والأب قبلها بتوفير لقمة العيش، أدي إلي اتجاه الأبناء لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت للبحث عن إجابات عن أسئلتهم، ما أدي إلي الوضع الذي نعيشه حالياً". وأكد عضو المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس أن مواجهة الإلحاد لا تتم إلا من خلال ثالوث البيت والكنيسة والمجتمع، وأشار إلي أن المجتمع مر ب30 سنة من التغييب، خلال عصر حسني مبارك، ما أدي إلي انتهاء الثقافة في مصر فلم نعد نسمع عن شخصيات بقامة طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسي، ما أدي إلي أن أصبحت الثقافة العربية هي المعيار والنموذج الذي يحاول الشباب تقليده، مطالباً بتوحيد الجهود بين الأزهر والكنيسة ومختلف الهيئات الدينية لتطوير آليات تعاطيها مع الواقع الجديد الذي تفرزه القفزات التي يشهدها العالم حاليا. من جهته، ذهب جمال أسعد، المفكر القبطي والبرلماني السابق، إلي أن الحديث عن الإلحاد وتضخيم آثاره علي المجتمع لا أساس له من الصحة، قائلاً ل"آخر ساعة": "الإلحاد ظاهرة طبيعية مرتبطة بالمجتمع الإنساني منذ بداية الخليقة، وموجودة في كل مجتمع ومكان، خاصة أن القاعدة الأساسية في كل مجتمع هي «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وهو ما يعني أن لا وصاية لأحد علي البشر فيما يعتنقونه ويفكرون فيه، وهناك من يؤمن ثم يمر بتجربة تدفعه للتشكك في ثوابت الدين وتدفعه للإلحاد، وهناك من يبحث بكل مستقل في أمور الدين ما يؤدي إلي خروجه عن ثوابت هذا الدين". وشدد أسعد علي أن الإلحاد موجود وسيظل موجودا مهما حاولت المؤسسات الدينية لمحاربة الإلحاد، ملقيا بالاتهام علي رجال الدين في الإسلام والمسيحية الذين لم يوفقوا في شرح الدين لمعتنقي الأديان، بشكل يدفعهم للتمسك بالدين والبعد عن الغلو في الدين الذي يدفع البعض للإلحاد، وأضاف: "رجال الدين تتملكهم لغة جافة وعصبية وتشدد في ردود الفعل عند الحديث عن الإلحاد، لأنهم يشعرون أنه يكشف تقصيرهم في القيام بدورهم الذي تحول إلي وظيفة يجب أن تؤدي كما ينبغي، لذلك يمارسون وصاية علي البشر تدفع البعض إلي الإلحاد".