مصانع «بير السلم» لا تنال من الصناعة المصرية.. ومنتجاتنا تغزو العالم يراهن الدكتور حسن عبدالمجيد رئيس الهيئة العامة للمواصفات والجودة علي مستقبل الصناعة المصرية، ويري أن التزام المنشآت الصناعية بتطبيق المواصفات ومعايير الجودة هي أولي خطوات الانطلاق صوب الأسواق العالمية، وفي حواره مع "آخر ساعة" أكد أن المواصفات القياسية تخلق لغةً مشتركة بين قطاعات الإنتاج المصرية والأجنبية بما ينعكس علي حجم الصادرات، بينما يكشف عن مواصفاتٍ جديدة تم استحداثها للحد من الحوادث المرورية المروعة، بإلزام وسائل المواصلات العامة وعربات النقل الثقيل بوضع جهاز "التاكوجراف" - شبيه بالصندوق الأسود في الطائرات - يسجل الأحداث السابقة لوقوع الحادث، بما يسهم في تفاديها مستقبلاً. مافيا تقف وراء غزو المنتجات الرديئة للسوق المحلية كيف تري المناخ الذي يحكم الصناعة المصرية حالياً، في ظل غزو السلع الرديئة للأسواق؟ - لا شك أن المنتجات الرديئة وانتشارها في الأسواق أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، ولكن لا يجب تعميمها علي هيكل الصناعة المصرية مما يشكك في جودة المنتج المصري وقدرته علي المنافسة عالمياً. علينا أن نفرق جيداً بين المنتجات الرديئة التي تهرب إلي داخل البلاد أو التي تنتج في مصانع "بير السلم" عبر مافيا من التجار الجشعين الذين يستغلون تدني المستوي المادي للمستهلك المصري في ترويج بضائعهم، وبين الصناعات التي تتبع معايير الجودة والمواصفات القياسية ما يجعلها قادرة علي المنافسة في الأسواق العالمية، بدليل ارتفاع مؤشرات التصدير بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. وإذا نظرنا إلي خريطة الصناعات المصرية وصادراتها سنجد أن صناعات البناء والتشييد تتصدر قوائم التصدير، تليها صناعات الكيماويات ثم الصناعات الغذائية والزراعية. وبالطبع هناك تحديات كثيرة يواجهها المجتمع الصناعي في مصر الذي يتشكل بنسبة 60% من المصانع الصغيرة والمتوسطة، غير الأزمات التراكمية التي عصفت بصناعاتٍ كانت رائدة في فترة من الفترات مثل صناعة الغزل والنسيج ما أدي إلي تراجعها بصورة كبيرة تتطلب تدخلاً عاجلاً من الدولة لإعادة الثقة في المنتج المصري. إلي أي مدي يسهم تطبيق المواصفات القياسية في الارتقاء بجودة الصناعة المصرية؟ - لا توجد صناعة حقيقية إلا بوجود منظومة متكاملة للمواصفات القياسية ونظم الجودة التي تحكم عملية إنتاج وتصنيع المنتجات المختلفة، وهو الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للمواصفات والجودة باعتبارها الجهة المصرية الوحيدة المنوط بها إصدار المواصفات القياسية وإعطاء علامات الجودة للمنتجات، مما يتيح لهذه المنتجات المنافسة في الأسواق العالمية، وينعكس بشكل أساسي علي زيادة الصادرات وتسهيل نفاذ المنتجات المصرية إلي الخارج، فمنذ سنوات ونحن نعمل علي مشروع المواصفات الدولية الموحدة للتوافق مع معايير التقييس بالاتحاد الأوروبي، مما جعل نسبة 97% من المواصفات المصرية لها مرجعية دولية ومطابقة للمواصفات العالمية. كيف يتم إعداد المواصفات القياسية وعلي ماذا تشتمل؟ - عملية إعداد المواصفات القياسية واعتمادها تمر بعدة مراحل تقوم بها الإدارة المركزية للتوحيد القياسي بالهيئة التي تتبعها عدة إدارات حسب نوعية المنتج، منها الإدارة الغذائية وإدارة الكيماويات، وصناعات البناء والتشييد والإدارة الهندسية وغيرها، يقابل ذلك إدارة مركزية لضبط الجودة تقوم بإخضاع المواصفة للاختبار بعد إعدادها ومعايرة الأجهزة المستخدمة في التصنيع والإنتاج. جميع المواصفات يتم تحديثها دورياً كل خمس سنوات وفق قواعد المنظمات الدولية، غير المواصفات التي تعتمد للمنتجات الجديدة. إعداد أي مواصفة يتم بوضع عدة بنود رئيسية تتضمن التعريف بالمنتج وتحديد اشتراطاته الأساسية، سواء الاشتراطات الوصفية التي تحدد صفاته الشكلية، أو المواد التي يحويها المنتج ونسب هذه المواد، والتجارب التي تجري علي المنتج لتحديد مدي جودته وسلامته، وأخيراً المرجعيات التي تم الاستعانة بها لإعداد المواصفة القياسية، فإذا كان المنتج له مواصفة عالمية يتم اتباعها مع مراعاة الفروق البيئية بيننا وبين الدول الأجنبية خاصة فيما يتعلق بدرجات الحرارة وشروط حفظ وتخزين المنتجات، ونرتب هنا المنظمات العالمية وفقاً لمصداقية المواصفات التي تصدر عنها، لذا نأخذ أولاً بما يصدر عن منظمة الأيزو العالمية باعتبارها أقدم المنظمات العالمية في التقييس والتي تتبعها 164 دولة، تليها المنظمة الخاصة بالاتحاد الأوروبي ثم هيئة المواصفات البريطانية تليها الفرنسية والألمانية والأمريكية، باعتبارها من الدول الرائدة في الصناعة والتقييس، ولا نعترف بأي مواصفات أخري صينية أو هندية. هل يتم إشراك جهات التصنيع والإنتاج في إعداد المواصفات القياسية؟ - بالطبع يتم إشراك جميع الجهات المعنية بما يضمن إصدار المواصفة علي الوجه الأكمل، ويتم ذلك عبر دراسات متعمقة تقوم بها لجان فنية تضم خبراء هيئة المواصفات والجودة بالاشتراك مع ممثلي الشركات المنتجة، والغرف التجارية والصناعية، وخبراء من مختلف الجامعات والمراكز البحثية، بجانب ممثلي الجهات الرقابية المعنية أيضاً. وبعد إعداد المواصفة يتم توزيعها علي جميع الأطراف لمدة شهرين لإبداء الملاحظات، وصولاً إلي صورتها النهائية التي تعتمد من قبل وزير الصناعة والتجارة ليصدر بها قرار وزاري ثم تنشر في الوقائع المصرية حتي تكون مُلزمة لجميع جهات الإنتاج والتصنيع والتوزيع. من الذي يتولي تطبيق هذه المواصفات ورصد مدي التزام جهات التصنيع بها؟ - الجهات الرقابية المختلفة هي التي تتولي متابعة مدي مطابقة المنتجات المحلية أو المستوردة أو المعدة للتصدير للمواصفات القياسية التي نصدرها. هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات تراقب منافذ الجمارك المختلفة ولا يُسمح بدخول أو خروج أي منتج إلا إذا كان مطابقاً للمواصفات، بينما تقوم هيئة الرقابة الصناعية بإلزام مصانع الإنتاج بهذه المواصفات، وفيما يتعلق بالمواصفات الخاصة بالصناعات الغذائية تتولي مباحث التموين وقطاع التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين مسؤولية الرقابة علي الأسواق والمطاعم التي تقدم الوجبات والمنتجات الغذائية للجمهور. بينما يقوم جهاز حماية المستهلك بإخطارنا بالشكاوي التي ترد إليه من الجمهور لنقوم بتشكيل لجان فنية متخصصة تقدم تقاريرها إلي الجهاز بخصوص مطابقة أو عدم مطابقة المنتج للمواصفات القياسية، وما إذا كان التلف الذي أصاب المنتج نتيجةً لعيوب صناعية أو نتيجة سوء استخدام المستهلك، لنضمن حقه في الحصول علي سلعة ذات جودة بما لا يخل بحقوق المنتجين أيضاً. ما أهم المواصفات القياسية التي أصدرتها الهيئة مؤخراً؟ - هناك مواصفات نقوم باستحداثها تبعاً لما تقتضيه حاجات المجتمع، فمع ازدياد حوادث المرور المروعة التي تحدث كل يوم، قمنا بعمل مواصفة لإلزام سيارات النقل السياحي بوضع جهاز "التاكوجراف" وهو مشابه إلي حد كبير للصندوق الأسود الذي يسجل الأحداث السابقة للحادث مما يسهم بشكل كبير في استنتاج أسباب الحوادث والعمل علي معالجتها وتفاديها فيما بعد، فهذا الجهاز يسجل السرعة التي كانت تسير بها المركبة، وزمن وقوع الحادث، والمدة التي استغرقها في خط السير. كما أعددنا مواصفة شبيهة ليتم تعميم استخدام هذا الجهاز لسيارات النقل الثقيل ووسائل المواصلات العامة وأتوبيسات المدارس، إلا أن إدارة المرور بوزارة الداخلية لم تبدأ تطبيقها حتي الآن. ومن المواصفات الهامة التي ندرسها حالياً تلك المتعلقة بتطوير عملية نقل وبيع وتداول اللحوم والتي تتم للأسف بعشوائية بالغة، فعرض اللحوم أمام المجازر بالصورة التي نراها يومياً تجعلها عرضة لجميع أنواع الملوثات. لذا بدأنا بتشكيل لجان لمراجعة التشريعات الحاكمة لمنظومة تداول اللحوم لأنها متضاربة إلي حد كبير، وأخري لدراسة مواصفات تطوير المجازر التقليدية وتحويلها إلي مجازر آلية تليق بالمستهلك المصري. كيف يمكن تأصيل ثقافة جودة المنتجات لدي المستهلكين؟ - للأسف ثقافة المواصفات والجودة غائبة بشكل كبير عن المستهلك المصري، وغرسها في المجتمع يتطلب تكاتف وسائل الإعلام والجهات المعنية بحماية المستهلك، وبدورنا بدأنا بإتاحة خدمات الهيئة من خلال تطبيق جديد علي الهواتف الذكية وعلي شبكة الانترنت، هذا المشروع يهدف إلي التواصل مع الجمهور لنشر دلائل المواصفات التي نصدرها، بحيث يكون متاحا للمستهلك الاطلاع عن مواصفات السلع المختلفة ومظاهر سلامتها، والبيانات التي يفترض أن يجدها علي السلعة لضمان جودتها، ليتمكن من تمييز السلع المغشوشة والرديئة. كما يتيح هذا التطبيق التعرف علي المصانع الحاصلة علي علامة الجودة ومنتجاتها.