دقات الساعة تشير إلي العاشرة صباحا ، حينما توقفنا بالسيارة بمحاذاة مهبط الطائرات الصغير علي النيل، الذي كان مخصصا لهبوط طائرة الرئيس. أمام المهبط وقفنا قبل أن نعبر الشارع لنلقي نظرة سريعة علي منزل تفوح منه رائحة الزعامة والنصر، منزل الرئيس الراحل محمد أنور السادات. الحراسة علي البوابة الرئيسية للمنزل ليست كبيرة، لكنها منظمة، عبرنا البوابة في خشوع أمام عظمة المكان الشاهد علي أحداث سياسية عظيمة في حقبة من الزمن لا يمكن أن ينساها التاريخ. سريعا، عبرنا درجات السلم الخارجية، ودخلنا إلي بهو المنزل المليء بصور الزعيم الراحل وزوجته وأفراد أسرته، جدرانه تغطيها اللوحات الفنية، والتحف والمقتنيات النادرة. عبر سلالم المنزل الداخلية طلت علينا سيدة القصر، «جيهان السادات»، كما هي تحتفظ بأناقتها كاملة، لم تغيرها السنوات أو تبدل ملامحها عوامل الزمن، بابتسامة عريضة وحفاوة بالغة استقبلتنا، لتبدأ رحلتنا معها داخل منزل الرئيس الراحل، محمد أنور السادات. البداية، كانت مكتبا صغيرا، تحكي عنه السيدة جيهان السادات، فتقول: إنه أكثر الأماكن التي شهدت ذكرياتها من مذاكرة ودراسة، وكان الرئيس السادات نفسه يجلس فيه بالساعات ليكتب ويقرأ، وحتي أولادهما والأحفاد يذاكرون في هذا المكتب حتي الآن. اصطحبتنا إلي صالون آخر، قالت عنه إنه المكان المفضل لتجمع الأسرة كلها، وأشارت إلي كرسي وذكرت لنا أن الرئيس الراحل كان يفضل الجلوس عليه ليطالع الصحف ويشاهد التليفزيون. ظلت تتذكر وتعيد شريط الذكريات وهي تقول: «كل ركن في هذا المنزل شاهد عيان علي أجمل أيام عمري أنا والسادات». أمام أحد التابلوهات المتميزة التي تصور السادات مرتدياً زيه العسكري، سألناها عن الفنان الذي رسمها، فالصورة بديعة التكوين واختيار الألوان فيها ينم عن موهبة متميزة لا يملكها إلا فنان كبير، فقالت: «رسمها الفنان رحمي، أحد أهم الفنانين الأتراك، وكان حاضرا في مصر وقتها ورسم ذلك التابلوه المميز للرئيس السادات». وقفنا لنلتقط لها صورة أمام «جروب» يحوي شمعدانين، وساعة صغيرة، كنا نتصور أنها حصلت عليهم من أحد المزادات العالمية فسألناها: «من أين جمعت هذه المقتنيات والتحف النادرة؟ وكانت المفاجأة في إجابتها، حيث قالت: «أشتريها من العطارين بالإسكندرية، وخان الخليلي، فأنا أهوي الأشياء القديمة»، والحقيقة أننا لم نستطع إخفاء ابتسامتنا بعد أن اكتشفنا أن زوجة الرئيس السادات تشبه أي امرأة مصرية لديها ذوق رفيع». سألناها: «هل كان الرئيس السادات حريصا هو الآخر علي الحصول علي تذكار من الدول التي يسافر إليها؟، ردت علينا: «لا، في الحقيقة، وأنا لم أشتر أي مقتنيات خلال رحلاتي مع الرئيس السادات، لأن جميع رحلاته كانت صعبة للغاية، ووقتها قصير، وكانت يومين علي الأكثر ومليئة بالمقابلات والمباحثات». أشرنا إلي مجموعة من الفضيات، فقالت: «أنا عاشقة للفضة المصرية»، وأهوي تزيين المنزل بها. من باب المنزل اتجهنا إلي الحديقة، عبير الزهور يفوح من المكان، أشكال وأنواع من الزهور والورود المختلفة، غير أن زهرة «الياسمين» كانت تحتل المساحة الأكبر من زراعات الحديقة، سألناها عن سر انتشارها بهذا الشكل فقالت: «أنا أعشق الورد عموما، لكن زهرة الياسمين لها مكان خاص في قلبي، فأنا حريصة صباح كل يوم علي التقاط زهر الياسمين من الحديقة لأستنشق عبيره المميز». بادرناها بسؤال آخر، «هل كان الرئيس الراحل من هواة جمع الزهور أيضا؟»، قالت: «حينما يكون مزاجه جيدا كان يحرص علي التجول في الحديقة بين الزهور ليشاهد الورد والأشجار ويستنشق عبير الهواء ويفكر في أموره السياسية، لكن الحقيقة أنه كان أكثر ارتباطا بهذا الحمام»، وأشارت إلي حمام سباحة صغير في أطراف الحديقة، واستكملت حديثها: «الرئيس السادات كان يهوي السباحة، وكان يحرص علي النزول لحمام السباحة هذا باستمرار، فهو المكان المفضل له داخل حديقة المنزل». من الحديقة إلي ممر صغير، اتجهنا منه إلي البوابة الرئيسية، ودعتنا بعد أن أهدت كلا منا وردة ياسمين صغيرة من حديقتها.