تداعبه أحلام البراءة وتلاعبهم أحلام الإدانة، يتطلع إلي يوم يعود فيه إلي قصره، ويأملون في أن يدخل القفص بلا رجعة، هو أبوالفساد والمحسوبية والوساطة والسياسات الأمنية الغاشمة، وهم أبناء جيل الثورة والمستقبل القادم والأمل الذي طرح ورده في شوارع البلاد، هو الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي شاخ علي كرسيه فخرج طريدًا، وهم أبناء الشعب المطحون الذي فاض به الكيل فخرج إلي الميادين بحثًا عن الحرية، جيل رأي الحق فلم يرغب عنه وطلب العدل فتعثر ولم يخطئه. يترقب مبارك وفلوله والثورة وأنصارها قرار محكمة جنايات القاهرة بالحكم علي مبارك ونجليه ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و 6 من كبار مساعديه، السبت المقبل، في قضية قتل المتظاهرين إبان أحداث ثورة "25 يناير" إما إدانة لمبارك أو تبرئة، في الحالتين حكم التاريخ صدر بالإدانة علي عصر مبارك وطريقة إدارته للبلاد. بغض النظر عن الحكم القضائي، في الحالتين ستكون هناك ردود أفعال من الجانبين، فمبارك الذي خرج من القصر بثورة، وكان مكروها من غالبية الشعب علي اختلاف توجهاته، جاء تعثر مسار ثورة "25 يناير" في صالحه، أعاد له بعض الزخم، اكتسب في محبسه الاحتياطي بعض الألق ليعود فيحصد شعبية تساقطت من أعداء الأمس خاصة جماعة "الإخوان المسلمين"، التي أعماها جنون السلطة فاعتنقت الإرهاب فكرًا في الحكم وخارجه، في وقت أثبتت القوي المدنية بأذرعها الثلاث (اليسارية والليبرالية والناصرية) إفلاسها وصدق حكم مبارك عليها. الترقب والأمل والرجاء كلها مشاعر تقف أمام مقر محاكمة مبارك في أكاديمية الشرطة، حيث تعقد محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، جلسات المحاكمة المعروفة إعلامياً بمحاكمة "القرن"، فاجأت هيئة المحكمة الجميع في جلسة 27 سبتمبر الماضي بمد أجل النطق بالحكم إلي جلسة 29 نوفمبر الحالي، وجاء القرار لاستمرار المداولة بين أعضاء هيئة المحكمة، والانتهاء من كتابة أسباب الحكم، التي لم يكن رئيس المحكمة انتهي من كتابة 60% من أصل 2000 ورقة هي إجمالي أوراق أسباب النطق بالحكم، الذي يتوقع أن يصدر في جلسة السبت المقبل. يداعب الأمل أبناء ميادين "التحرير" في أن يحصل مبارك علي حكم بالإدانة، ما إذا وقع فسيكون الحكم الثاني علي مبارك الذي يقضي حاليا فترة عقوبة بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لنجليه علاء وجمال المحكوم عليهما بالسجن المشدد لمدة 4 سنوات، وذلك إثر إدانتهم جميعا بالاستيلاء علي أكثر من 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية. لكن الحكم حال صدوره من المحكمة، سيكون نهائيا غير بات، حيث تتبقي درجة أخيرة من درجات التقاضي أمام محكمة النقض، التي ستنظر الطعون في القضية سواء -علي الإدانة أو البراءة- للمرة الأخيرة، وتصدر فيها حكماً نهائياً وباتاً لا رجعة فيه ولا يقبل أي طعون مجدداً، حيث يحق للمتهمين حال صدور حكم الجنايات بالإدانة أن يطعنوا عليه بطريق النقض، وكذا بالنسبة للنيابة العامة التي يحق بالطعن حال صدور حكم بالبراءة.. وكانت القضية - في جولة الإعادة - قد بدأت أولي جلساتها في 11 مايو 2013 واستمرت علي مدار 54 جلسة كاملة حتي 13 أغسطس الماضي، من بينها 32 جلسة خصصت للاستماع إلي مرافعة النيابة العامة، وهيئة الدفاع عن المتهمين، والمتهمين بأشخاصهم، وتعقيب النيابة العامة علي مرافعات الدفاع، والتعقيب الختامي لدفاع المتهمين، سبقتها 22 جلسة إجرائية تم خلالها تحقيق طلبات هيئة الدفاع والاستماع إلي الشهود المطلوبين. وجاء من أبرز الشهود الذين استمعت إليهم المحكمة، المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، واللواء محمد فريد التهامي رئيس جهاز المخابرات العامة، وسلفه اللواء مراد موافي، واللواء مصطفي عبد النبي رئيس هيئة الأمن القومي السابق، والدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، وسلفه الدكتور عاطف عبيد، واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق، والمهندس شريف إسماعيل وزير البترول، واللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية الأسبق، واللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية الأسبق، والكاتب الصحفي إبراهيم عيسي. وسبق لمحكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت، في المحاكمة الأولي، أن قضت في 2 يونيو 2012 بمعاقبة كل من مبارك والعادلي بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما، بعدما أدانتهما بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين خلال أحداث ثورة 25 يناير.. وببراءة كل من اللواء أحمد رمزي واللواء عدلي فايد واللواء حسن عبد الرحمن واللواء إسماعيل الشاعر، واللواء أسامة المراسي واللواء عمر فرماوي، مما أسند إلي كل منهم من اتهامات وردت في الدعوي الجنائية. علي الصعيد القانوني، أجمع خبراء القانون علي أنه لا مفر من إصدار هيئة المحكمة قرارها في الجلسة المقبلة سواء بالإدانة أو البراءة، ويظل الاحتمال الثالث قائمًا بمد أجل الحكم إلا أنه أجمع علي ضعف هذا الاحتمال لأن هيئة المحكمة استندت في مد الأجل في سبتمبر الماضي علي أنها انتهت فقط من كتابة نحو ثلثي حيثيات النطق بالحكم، وفترة الشهرين (فترة مد الأجل) كافية للانتهاء من كتابة الحيثيات. وأكد الدكتور شوقي السيد، الفقيه القانوني والمحامي، ل"آخر ساعة" أن لا توقعات يمكن أن تصدر علي حكم قضائي قبل صدوره، وكل ما يمكن هو انتظار صدور الحكم سواء بالإدانة أو البراءة وقراءة حيثيات الحكم للتأكد من استناد هيئة المحكمة إلي أدلة متماسكة في بناء حكمها، وأشار إلي أنه لا صحة للحديث عن براءة رجال الشرطة في قضايا قتل متظاهري ثورة "25 يناير" يمكن أن يستند عليها القاضي في الحكم علي مبارك بالبراءة، قائلاً: "هيئة المحكمة حرة في الاستناد علي ما تشاء من أدلة أو وقائع تدعم حكمها، فيمكن لها أن تستند علي هذه الوقائع أو أن تستند علي المسؤولية السياسية لمبارك، وهو ما لن يتضح إلا عند نشر حيثيات الحكم". ما أكده، سمير صبري، محامي المدعين بالحق المدني، قائلا:ً إنه لا توقع لمنطوق الحكم، لكن في كلتا الحالتين سواء الإدانة أو البراءة فإن الحكم سيتم الطعن عليه، حيث يحق لكل من هيئة المدعين بالحق المدني أو هيئة الدفاع عن المتهمين أو النيابة الطعن علي الحكم، متوقعا أن يثير الحكم علي مبارك جدلا كبيرا في الشارع المصري، إلا أنه فجر مفاجأة بتأكيده أن من حق القاضي مد أجل الحكم مرة ثانية إذا رأي ما يستدعي ذلك. من جهته، ذهب الدكتور عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلي أن الحكم يعتمد في المقام الأول علي اقتناع هيئة المحكمة بالأدلة المقدمة إليها، لذلك فالمحكمة لا تتأثر بالرغبة الشعبية لمحاكمة مبارك، قائلاَ: "قرار هيئة المحكمة سيتعلق بوقائع قتل المتظاهرين فقط، ولا علاقة لها بجرائم مبارك في إفساد الحياة السياسية ونهب ثروات البلاد"، وأشار إلي أن الشارع المصري لم يعد مهتما بمتابعة محاكمة مبارك في وقت تتعرض البلاد فيه لهجمة إرهابية شرسة، إلا أنه رجح أن يترك الحكم علي مبارك أثره علي شباب ثورة 25 يناير.