تحية إجلال وإكبار وإعزاز في هذه الأيام العظيمة لشهيد الوطن والأمة العربية الزعيم الراحل محمد أنور السادات .. رجل الحرب والسلام .. هذا الرجل الذي قاد بفكر مستنير ورؤية ثاقبة أعظم وأشرف حرب في العصر الحديث استهدفت تحرير الأرض والإرادة من قبضة المحتل وإعادة الكرامة لشعوب الأمة العربية كلها وتحقيق السلام الشامل القائم علي العدل ليس فقط لشعب مصر وإنما لكافة شعوب المنطقة بما فيها الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي. في هذه الحرب المجيدة حقق الجيش المصري أعظم (جند الله) بقدرات وإخلاص قواده وضباطه وجنوده أعظم انتصار للعسكرية المصرية شهد به العالم كله وأصبح مادة هامة تدرس في مختلف المعاهد والأكاديميات العسكرية في العالم. من كان يتصور أن جيشنا المقدام سيتمكن من تحقيق هذا النصر المبين علي الجيش الذي ادعوا أنه (جيش لا يقهر) خاصة بعد أن ظلت إسرائيل وأذنابها تنفث سمومها وأكاذيبها لتنال من عظمة ومكانة جيش مصر العربي وتروج لادعاءاتها بأنه جيش لن تقوم له قائمة بعد هزيمة 1967.. مدعية أن الروح المعنوية لهذا الجيش أصبحت في أدني درجاتها.. وإذا به كالبركان الثائر ينطلق ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973 ينطلق جوا وبرا من غرب القناة إلي شرقها عابرا قناة السويس التي كانت تعتبرها إسرائيل عائقا أمام تقدم المصريين ليدمر كل تحصينات العدو الصهيوني علي امتداد شاطئ القناة وفي عمق سيناء وقبل كل شيء ليسحق الغطرسة الإسرائيلية ويدفن معنويات الجيش والشعب الإسرائيلي في رمال سيناء. 220 طائرة حربية مصرية يقودها طيارون مصريون علي أعلي درجات الكفاءة والوطنية بقيادة الفريق محمد حسني مبارك قائد سلاح الطيران وصاحب الضربة الجوية الأولي تنطلق من قواعدها المنتشرة في دلتا مصر بعزم وثقة فوق قناة السويس باتجاه تحصينات العدو وقواعده داخل سيناء لتدمرها وتشل حركتها وتبث الذعر في نفوس كل أبناء الجيش الإسرائيلي قادة وأفرادا ثم تعود إلي قواعدها سالمة بنسبة خسائر لا تتعدي 5٪ ولتمهد الطريق لأكثر من 880 دبابة مصرية تعبر القناة إلي الشرق وتشتبك مع الدبابات الإسرائيلية في أكبر وأشرس معركة دبابات شهدها التاريخ العسكري وبعد أن تمكنت قواتنا المتقدمة من اقتحام خط بارليف وتدمير وإغلاق منافذ مخازن النابالم التي كانت معدة لإحراق كل من يحاول عبور القناة. حقيقة إنها ملحمة عسكرية رائعة عندما قام الجنود المصريون بتحطيم خط بارليف بعد إزالة الساتر الترابي بواسطة 350 مضخة مياه بقوة ضغط عالية بعد أن نصبوا 1500 سلم من الحبال في ساعات قليلة ليتمكنوا من فتح ثلاثين ممرا زادت إلي ستين ممرا أمام المدافع والمعدات العسكرية التي نقلها 750 قاربا من القوارب المطاطية الضخمة وكذلك نقل 8000 مقاتل في أول ساعة ثم ارتفع عددهم إلي 33 ألف مقاتل بطل بعد 5 ساعات من اليوم الأول وهم يرددون »الله أكبر النصر لنا« ويصبون بنيران مدافعهم التي بلغ عددها 2000 مدفع أسقطت 10500 دانة علي مواقع العدو الاستراتيجية ومراكز قياداته شرق منطقة القناة لكي تشل حركتها. بكت جولدا مائير وتحسر كل قادة إسرائيل وأبناء شعبها بعد سماع نبأ عبور الجيش المصري قناة السويس وقيامه بتحطيم خط بارليف المنيع الذي كانوا يعتبرونه حصنا يصعب علي المصريين اقتحامه أو حتي الاقتراب منه ونقلت وكالات الأنباء الخبر اليقين الذي اهتزت له كل عواصم العالم وانكب المحللون السياسيون والعسكريون علي دراسة حقيقة هذا الأمر وما يمكن أن يسفر عنه من تطورات وتأثيرات علي المنطقة بل والعالم كله. وكما فرض السادات عليهم »حرب التحرير« وأحرز النصر المبين.. فرض عليهم أيضا السلام وحققه بكل حنكة وذكاء لكي تسترد مصر كل حبة رمل من ترابها الوطني المقدس. وبعد معركة سياسية ودبلوماسية طويلة وشاقة شارك فيها مجموعة من خيرة خبراء مصر في القانون الدولي والعلاقات الدولية والشئون العسكرية. والحقيقة التي يعرفها الجميع أن مصر لم تسع أبدا إلي عقد سلام منفرد مع إسرائيل وإنما كان هدفها الأساسي والاستراتيجي هو تحقيق السلام الشامل القائم علي العدل لكل شعوب المنطقة وحتي يتمكن الإخوة الفلسطينيون من الحصول علي حقوقهم كاملة واسترداد أراضيهم المحتلة.. ومصر لم تتحدث أبدا ولم تتفاوض نيابة عن الفلسطينيين أو باسمهم وإنما كانت حريصة كل الحرص علي أن يقوموا هم أنفسهم بشرح قضيتهم والتفاوض بشأنها.. ولهذا فقد دعتهم مصر للمشاركة كطرف أساسي فاعل في مؤتمر ميناهاوس الشهير عام 1977 حيث رفعت الأعلام الفلسطينية جنبا إلي جنب مع أعلام مصر والولايات المتحدةالأمريكية وإسرائيل ولكنهم وللأسف الشديد رفضوا الحضور والمشاركة في المؤتمر تحت ضغوط قوي أخري مغرضة وأصحاب مصالح لايريدون السلام ولا الاستقرار في هذه المنطقة. ويؤكد المراقبون وخبراء السياسة الدولية أنه لو كان الفلسطينيون قد شاركوا في مؤتمر مينا هاوس وانطلقوا في مسيرة السلام مع مصر لكانوا قد حصلوا علي حقوقهم واستعادوا أرضهم تماما مثل مصر بدلا من الدوامة السياسية المأساوية التي يعيشون فيها الآن والتي تزداد صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم في ظل سياسة الاستيطان الإسرائيلية والتشرذم الفلسطيني. نعم إنه من حقنا وحق شعبنا العظيم وقواتنا المسلحة الجسورة التي حققت نصر أكتوبر العظيم بالتخطيط السليم والتنفيذ الكفء أن نحتفل بهذا الانتصار عاما بعد عام وأن تظل ذكراه العطرة في نفوسنا وقلوبنا وعقولنا.. غير أننا لابد أن نسعي بكل الطرق والوسائل إلي غرس روح أكتوبر في عقول شبابنا خاصة أولئك الذين لم يعايشوا هذا الحدث العظيم لكي تكون روح أكتوبر لنا جميعا نبراسا وهدي في كل مناحي الحياة وذلك من أجل رفع قدراتنا الثقافية والعلمية والاقتصادية وتحقيق أعلي معدلات للأداء في مجالات الزراعة والصناعة والبحث العلمي والخدمات بهدف الوصول علي مستويات أفضل لحياة مواطنينا. إن لدينا الآن أربعة أجيال لم تتعايش ولم تتفاعل جيدا مع روح أكتوبر كما أنها لم تقرأ الكثير عنها ولذلك فلابد أن نبدأ من الآن في وضع خطط ثقافية وإعلامية وتربوية محكمة لتوعية هذه الأجيال بنتائج وأهداف حرب أكتوبر التي أذهلت العالم كله يوم دارت رحاها وأصبحت الآن تدرس في المعاهد السياسية والأكاديميات العسكرية في مختلف أنحاء العالم. وكما عبرنا سيناء عسكريا يوم 6 أكتوبر 1973 بالعلم والفكر السليم والتخطيط الدقيق فإننا لابد أن نعمر سيناء بشريا وتنمويا بنفس الروح وبنفس الهمة والوطنية الصادقة لكي نحافظ عليها إلي الأبد من أي تهديد خارجي ولتظل جزءا عزيزا من أرض الوطن الحبيب.