أسرى إسرائيليون بعد سقوط نقطة بورتوفيق في منتصف سماء البحر الأحمر كان التبادل في الجو لأسري حرب أكتوبر من الطيارين طارت بجوار طائرة الصليب الأحمر التي تقلنا مقاتلتان إسرائيليتان والطائرة القادمة من مصر معها مقاتلتان مصريتان ودارت المقاتلات لتحيط بطائرة أسراها لحماية رجالها (بالبلدي لو هتضرب هضرب) نزلنا بمطار شرق القاهرة فقد كنا منذ الصباح نسير بالتوازي بين إسرائيل ومصر خطوة بخطوة إذ ركبنا الأتوبيس في إسرائيل من المعتقل للمطار ففي مصر يركب الطيارون الأسري الإسرائيليون الأتوبيس وندخل المطار فيدخلون المطار وركبنا الطائرة فركبوا الطائرة ودارت المحركات فدارت المحركات الأخري وينظم ذلك مسئولون وطيارون وطائرتان من الهلال الأحمر الدولي وبعد أسبوع أخذت إجازة فذهبت إلي أمي وخطيبتي وكنت أجهز شقة الزوجية فقال عمي للعمال إن صاحب الشقة في الحرب ولا أخبار عنه ولا نعرف إن كان حيا أو ميتا فما كان رد العمال إلا أنه ضحي بحياته من أجل مصر فسنكمل عملنا في الشقة ولا نريد فلوسا وأكملوها وإذا بكل عائلتي تفاجأ برجوعي فكتبت كتابي بعد وصولي بيوم واحد فقط. فقد تعمد الرئيس السادات تأخير تبادل الأسري الطيارين حتي لا يستفيد اليهود من طياريهم.
كنت آخر جندي مصري يقع في الأسر وآخر العائدين منه هكذا أخذ يحكي اللواء طيار أحمد هلال لطفي.
بعد حصار الجيش الثالث الميداني بعد ثغرة الدفرسوار وبعد قرار وقف إطلاق النار جاءت الأوامر بالطيران لتوصيل معلومات ومهام للجيش الثالث كنا يوم 28 أكتوبر 1973وكنت أطير لأعلي جبل عتاقة وبعد عبوره أنزل بارتفاعي حتي بئر عديب باتجاه بور توفيق وكانت الأوامر خفض الارتفاع هناك لأكبر قدر ممكن فإسرائيل وضعت كمينا أرضيا متقدما بمدافع 40 ملي في منطقة (رأس مسلم) وقبل وصولي لمنطقة الهبوط وشاهدت مشاعل الهبوط وارتفاعي منخفض جدا فضرب علي طلقتين واحدة في الكارجو- مكان الحمولة - والأخري في المروحة الخلفية التي تتحكم في اتجاهاتي فسقطت الطائرة في مياه الخليج ولا أعرف كيف خرجت خارج الكابينة رغم أني مربوط بأحزمة في الكرسي وجميعنا وجدنا أنفسنا أحياء خارجها وكنت أرتدي لايف جاكت فنادينا علي بعضنا وكان الظلام حالكا في الواحدة فجرا وتجمعنا وحطمنا لمبات الوميض لأننا سقطنا في منطقة العدو وسمعنا طلقات نار باتجاهنا من الشاطئ وحتي لا نكون هدفا سهلا ومن لطف المولي أنها منطقة شعب مرجانية فخففت من صدمة وقوع الطائرة ومنعت أسماك القرش عنا. سبحنا في اتجاه الطلقات علي بعض المعدات المتناثرة من الطائرة واقتربنا من الشاطئ ووقفنا في المياه ونحن نسمع أصوات اليهود حتي توقفت فخرجنا وحفرنا ودفنا أنفسنا في الرمال رغم برودة الطقس وسمعت أصواتا مرة أخري وشاهدت سيارة نقل أفراد يهودية غرست في الرمال علي بعد 20م فأخذت أردد (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون).. حتي انصرفوا وطوال الليل كنت أسمع أصوات محركات سيارات صوتها ليس ببعيد فأدركت أننا داخل موقع إسرائيلي ومع أول ضوء شاهدت أمامنا تبة ارتفاعها 2م تفصلنا عن المعسكر وقررت تسليم أنفسنا بعد دفن الأوراق التي معنا والأسلحة في الرمال. وتقدمنا مهندس الطائرة وبعد عشر دقائق جاءت مجموعة من ثلاث سيارات جيب وأخري مجنزرة عليها جنود بالرشاشات وأقاموا كردونا حولنا فأخذونا إلي قائد الوحدة فاتصل بقيادته وأخذونا للمخابرات الإسرائيلية بأبورديس وكان أول استجواب وبه تهديد عنيف "نحن نعلم أنكم طيارون ولاد ناس ومحترمون ولما نسألك هتجاوب وترد وأنا ممكن أخليك مش ابن ناس وأخليك مش محترم" وكان يمسك بفتاحة سالمون في يديه ينظف بها أظافره في إشارة أنه ممكن يخلع أظافري وزميله الآخر ممسكا في يده خطافا حديديا ويجذبني به وأعتقد أنه منهج عندهم حتي أعترف من الخوف فكان السؤال: كنت رايح فين؟ كنت رايح الجيش الثالث. ماذا كنت تحمل في الطائرة؟ والحمولة عندك في الطائرة. قمت بكام طلعة؟ - وقلت هذه كانت أول طلعة فالحرب خلصت وكانت أول طلعة. وشبه اقتنعوا بكلامي ثم نقلونا إلي أشدود بإسرائيل علي البحر المتوسط حيث المعسكر الرئيسي للمعتقلين وكنت في صندوق السيارة النقل وكان السائق يتعمد النزول في المطبات وكنا نرتفع وننزل علي أرض السيارة حتي وصلنا لمعسكر الاعتقال وبدأوا في ضرب النار حولنا كنوع من العذاب النفسي ووصلنا للمعتقل فاستحمينا وأعطوني أفرولا أكبر مني بكثير وحذاءً بدون رباط، وبدأت المرحلة الحقيقية من الاستجواب وكان عندنا ثبات غير طبيعي وتقابلنا في الداخل مع الأسري المصريين وعندما عرفوا منا الأخبار أننا منتصرون كانت روحهم المعنوية ترتفع فسألتهم عن نوعية الاستجواب فكان للإسرائيليين طريقة في الاستجواب هي من نفعتني أنه يسأل سؤالا غير هام ويعيده علينا بعد يومين أو ثلاثة فإذا كانت الإجابة مختلفة يعاقبونا فعرفت طريقتهم واتخذت حيطتي. ومن ضمن الأسئلة أسماء دفعتي فأعطيتهم أسماء زملائي في الثانوية العامة وسألني مرة أخري عليها فأعطيته نفس الأسماء ... وكان هناك استجواب يريد أن يلعب بنا لعبا نفسيا فكان السؤال في سنة 1948 مصر بدأت الحرب مع إسرائيل وفي سنة 1956 حاربتونا وفي عام 1967 بدأتوا الحرب معنا فلو كنتم فعلتم في 48 ما فعلتموه في 73 لكنتم ألقيتم بنا في البحر ولم يكن هناك إسرائيل بالمرة وفي كل مرة أنتم من تبدأوا الحرب فرردت عليه إجابة وهي الهام من الله فقلت في 48و56و67 أخذتم أرضا وفي 73 سنأخذ كل الأرض التي أخدتموها فكان عندنا ثبات انفعالي وحكمة غريبة في الردود. السؤال الثاني في جلسة أخري قال لي إن السادات رجل مكار و بتاع حرب وبيضحك عليكم وعلي العالم فقلت له إن السادات أحسن قائد عربي ومصري وإنه الوحيد الذي قال ممكن إعمل سلام مع إسرائيل وفي مرات كثيرة كانوا يستدعوننا للاستجواب واضعين كيسا أسود علي رأسنا ونجلس في وضع القرفصاء بالثلاث ساعات ومن الممكن نرجع للعنبر بدون استجواب، في إحدي المرات حضر عالم اجتماع إسرائيلي قال أنا مليش دعوة بالحرب أنا عالم اجتماع وأعطانا ورقة أسئلة لنجاوب عليها وجلسنا في غرفة كبيرة وكانت الأسئلة صح وغلط فقلنا لبعض في الصالة «محدش يقرأ الأسئلة ونجاوب بدون قراءة حتي لا نعطيه الإجابات التي يريدها» وكان في نهاية الورقة رسم كاريكاتيري كل أسير يكتب التعليق الذي يراه مناسبا لها وكانت الرسمة عبارة عن اثنين من العرب بالعقال جالسين مذعورين علي الأرض وكانت فوقهما طائرة فانتوم إسرائيلي تقوم بهجوم عليهما فوضعت تعليقا "متخافوش العم سام طالع حالا يوقعها" والعم سام أقصد به الصاروخ سام والعم سام بالنسبة لهم هو الأمريكي وهذا يسبب لهم نوعا من الإحباط والمعني أني لم أهزم من الداخل رغم الأسر.. ونوعية الأكل كانت رديئة وفي مرات كانوا يحضرون العيش باللبابة فنأكل العيش ونترك اللبابة نأكلها بعد ذلك بفترة. وفي إحدي المرات شربت نسكافيه وشيكولاتة علي حسابهم ففي أحد الاستجوابات سألني يوجد في الطائرة المصرية جهاز به شفرات فقلت له «نعم» يوجد فسألني تشرب نسكافيه فقلت له «أيوه» فأحضره وقال إذا أحضرت لك الجهاز ممكن تشغله قلت له أيوه وفي اليوم التاني أحضره وقبل أن أعمل فيه أحضر لي كسكسي وفراخا وبيضة مسلوقة كنوع من الهدية فأكلتهم وشربت النسكافيه وقال أريدك أن تضع عليه الترددات المصرية فقلت له كم جهاز أحضرته قال جهاز واحد فقلت له لن ينفع أنا أحتاج 300 جهاز لأن الشفرة تتغير كل ساعة وأسأل الطيارين في إسرائيل وأنا عاوز أحط لك 300 تردد ونظر إليّ في ذهول فعوقبت ثلاثة أيام حبس انفرادي لكن ذلك لم يهزمنا معنويا وعدنا أقوي مما كنا.