تسابق مصر الزمن لمواجهة موجات التحديات الاقتصادية العاتية التي تعيقها عن التقدم والتطوير، وطبقاً لآراء الاقتصاديين فإن بلادنا قادرة علي تخطي هذه الصعاب لأن لديها عناصر متنوعة من القوة يمكن الارتكاز عليها، فنحن نمتلك أكبر كتلة سكانية بالمنطقة بما يعني أننا أكبر سوق، ولدينا قوة عاملة قوامها 82 مليون عامل، واقتصادنا الأكثر تنوعاً، ونتمتع بموقع متميز بين القارات الثلاثة أفريقيا وآسيا وأوروبا.. فتمتلك مصر كل المقومات اللازمة لقفزة اقتصادية كبري لكن كل ذلك لا يغني عن تواجد عنصري "الإدارة"، و"الإرادة" للعمل علي النهوض باقتصادنا، فيمكن تلخيص مشاكل مصر الاقتصادية في المطالبة بالمزيد من العمل والإنتاج وتشجيع الاستثمار وخفض النفقات وإعطاء الأولوية للتعليم والتدريب والبحث العلمي.. من هذا المنطلق دار حوارنا مع السفير جمال الدين بيومي، أمين عام المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، وأمين عام اتحاد المستثمرين العرب، ليتطرق معنا للأوضاع الاقتصادية الراهنة بمصر وكيفية الانطلاق نحو تقوية شبكة العلاقات الاقتصادية الدولية سعياً نحو جذب المزيد من الاستثمارات بما يعني المزيد من الإنتاج وتوفير فرص العمل، كما يحدثنا عن تداعيات قرارات الحكومة المصرية بخفض دعم الطاقة والكهرباء. كيف تري قرار التخفيض الجزئي لدعم الطاقة والكهرباء للحد من العجز في الموازنة العامة؟ - أعتقد أن قرار الخفض الجزئي لدعم الطاقة والكهرباء قرار ممتاز، وصدر متأخراً علي الأقل عشر سنوات، فقد ظلت الحكومات المتعاقبة تتجنبه لأنه قرار غير شعبي، ودائماً قرارات العلاج الاقتصادي لا تحظي بأي شعبية. أضاف: "نحن في مصر نعمل بامتياز علي تلويث سمعة كل رجال الأعمال، والذي يثير الدهشة أنه بدلاً من محاولة كل منا العمل من أجل تحسين إيراداته ودخله نطالب بإفقار الأغنياء وأخطر ما يواجه مصر الآن ثلاثة ظواهر، الأولي هي استعداء الطبقات علي بعضها البعض فقير ضد غني وغني ضد فقير، والظاهرة الثانية، استعداء الشباب ضد الكبار والعكس، أما الظاهرة الثالثة فهي تتركز في الجهل النشيط، وهي ترديد أقوال خاطئة وإشاعتها بين المواطنين بما يضر بالمناخ العام للبلاد. وقال، نأتي للوضع الراهن في مصر، وعلينا أن نتساءل هل من الممكن أن نحيا علي شراء بضائع بأقل من قيمتها؟، ومن الذي يتحمل هذا الفارق في النهاية؟، وعلينا أن نتأكد من البداية أن الفارق بالطبع تتحمله الطبقة الفقيرة التي ندافع عنها لإنها جزء من دافعي الضرائب. تابع، البعض يقول لكي ندفع قيمة الوقود بالسعر العالمي لابد أن تكون رواتبنا وأجورنا علي المستوي العالمي، وهذا قول حق يراد به باطل لأنه من ليس معه ثمن السلعة التي يريد شراءها فليس الحل في أن يستدين لشرائها، وعليه إما أن يعمل لزيادة إيراده حتي يصبح قادراً علي شرائها، ثم هناك من يردد أن أموال الأغنياء يمكن أن تمول استمرارنا في دعم السلع بأكثر من احتمال الاقتصاد الوطني وهذا يعني أننا نسعي إلي تعميم اقتصاديات الفقر والصحيح هو أن نحاول جميعاً العمل من أجل زيادة إنتاجنا ودخولنا فنصبح في اشتراكية مع الأغنياء. ملفات هامة كيف تقيم موقف دول الخليج الإيجابي لمصر، بعد ثورة 30 يونيو؟ - ما قامت به دول الخليج مؤخراً مع مصر كان موقفاً إيجابياً متوقعاً منهم، ولكنه فاق كل التوقعات وهذا يرجع لإحساس قادة الخليج وعلي رأسهم جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العاهل السعودي بأهمية الدور المصري في دعم الأمن القومي العربي حيث يعتبر قادة الخليج الأمن المصري العمود الفقري للأمن القومي العربي، وعلي هذا الأساس فإن كلا من مصر ودول الخليج يدركان أهمية العلاقات فيما بينهما في بعديها السياسي والأمني. وإذا انتقلنا للحديث عن البعد الاقتصادي، فإنني أعتقد بأنه لابد من نقله نوعية في أسلوب إدارة هذه العلاقات فإذا كنا جادين بالفعل في دعوتنا للمستثمرين للاستثمار علي أرض مصر فالخطوة الأولي علي هذا الطريق هي الحرص علي ألا يكون لدينا أي منازعات مع المستثمرين علي أرضنا سواء كانوا مستثمرين عربا أم أجانب فليس من المنطقي دعوة الدول العربية للاستثمار وأكبر مستثمر إماراتي في مصر وهو (حسين سيجواني) يواجه حكما لمدة سبع سنوات أو أن يتم سحب ثلاثة أرباع الأراضي المستثمرة زراعياً من أكبر مستثمر في القطاع الزراعي وهو الوليد بن طلال والتي كانت في حوزته بمنطقة توشكي فاستصلاح الأراضي وزراعتها في هذه المنطقة يحتاج لتكاليف باهظة لا يقوي عليها شباب الخريجين كما يعتقد البعض. وكيف يمكن إدارة العلاقات الاقتصادية في إطار الدعوة لعقد مؤتمر أصدقاء مصر لدعم التنمية والاستثمار بمصر؟ - فيما يتعلق بمؤتمر أصدقاء مصر القادم الذي دعت إلي انعقاده دول الخليج بالتنسيق مع مصر، علينا أن نحضر ونعد بدقة عددا من الملفات الهامة الأولي هي ملفات تتعلق بالبنية الأساسية مثل الطرق والري والطاقة الكهربائية والسكك الحديدية وجميعها تحتاج إلي تمويل حكومي، أما الملف الثاني فهو الذي يتعلق بالاستثمارات ونحن بحاجة ماسة لتشجيع الاستثمارات في مجالات هامة وعلي رأسها الصناعة والزراعة والخدمات فنحن نعاني في المنطقة العربية من الهرم المقلوب فلدينا التركيز علي السياحة والفنادق أكثر من مجالات الصناعة والزراعة، أما الملف الثالث فيتعلق بكيفية دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تؤدي إلي توظيف الآلاف من الشباب الذين يتطلعون للعمل، والملف الرابع وهو أهم هذه الملفات جميعا ويتعلق بملف العمالة المصرية وحرية الانتقال فلا يمكن الحديث عن الاستثمار دون مستثمرين أن نتحدث عن التجارة دون حرية التنقل وإزالة الحواجز بين الدول العربية أو عن حقوق العمالة المصرية وواجباتها في منطقة الخليج فنحن علينا واجب أن نؤهل عمالنا وخبراءنا للمستويات العالمية التي تتطلبها هذه الأسواق مقابل ما نأمله من معاملة من جانب هذه الدول في تسهيل الإقامة ومنح التأشيرات وحرية التنقل. مصر وأفريقيا وماذا عن عودة مصر لدعم العلاقات الاقتصادية مع دول القارة الأفريقية؟ - مصر لم تغب أبداً كدولة وأفراد ومصالح عن أفريقيا والدليل علي ذلك أن تجارتنا مع أفريقيا تضاعفت خلال ال 15 سنة الأخيرة فبعد أن كانت تشكل تجارتنا مع أفريقيا 1% من التجارة الخارجية أصبحت 3%، وهذا يرجع إلي اتفاقيات التجارة الحرة وفي مقدمتها انضمام مصر للكوميسا.. من ناحية أخري فإن مصر متواجدة في كافة الدول الأفريقية، والصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا قام بدور كبير في تدريب وتعليم الأفارقة وإيفاد الأطباء والمهندسين والخبراء في الري والزراعة وكافة المجالات. وهناك دور يمكن أن يتسع للأزهر الشريف في إطار الدعوة الإسلامية وقد كانت لي تجربة في الكاميرون لا تقدر بثمن ولكن الذي غاب عن أفريقيا هو الرئيس الأسبق حسني مبارك منذ محاولة الاعتداء عليه في أديس أبابا عام 1998 ولذلك فإن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لغينيا الاستوائية ومشاركته في قمة مالابو الأفريقية أثلجت صدري بصفتها أول زيارة لرئيس مصري تأتي بعد انقطاع دام سنوات طوالا من قبل الرئاسة المصرية. هل تعتقد أن إنشاء الوكالة المصرية الجديدة للتنمية، والتي صدر قرار من مجلس الوزراء بشأنها قد ساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والدول الأفريقية؟ - أعترف بأنني كنت واحدا من الذين طالبوا بتطوير الصندوق الفني للتعاون مع أفريقيا بحيث لا يقتصر دوره علي إيفاد الخبراء والفنيين فقط بل كنت دائما أطالب بدور له في تمويل المشروعات الصغيرة في أفريقيا مثل تعليب الغذاء والفاكهة وغيرها ولابد من الذين عملوا في أفريقيا أن يدرسوا الظروف الأفريقية جيدا حيث إننا لا نعترف بما يعرف بسوق البضاعة الحاضرة فهناك دول ترسل سفنا محملة بالبضائع لتبيعها أمام الموانئ الأفريقية وذلك لتفادي المشاكل التي تعاني في أفريقيا من غياب للاعتمادات البنكية وبطاقات الضمانات وغيرها وقد كانت لي تجربة مماثلة عندما خدمت كسفير لمصر في الكاميرون بالتعاون مع شركة النصر للتصدير والاستيراد والأسر المنتجة. توافق سياسي وكيف تري تطورات أزمة سد النهضة؟ - نحن نسير علي الطريق السليم ولقاء السيسي مع ديسالي في مالابو يمثل بداية طيبة علي طريق الحل، وأعتقد أن مشكلة سد النهضة يمكن حلها بنسبة 99% من خلال حل توافقي سياسي وأن التفاوض والحوار هو الحل الأمثل ونحن أصحاب حق قانوني وفني.. قانوني من حيث الاتفاقيات القائمة والتي تضمن حقوق مصر في مياه النيل وفني من حيث تمسك مصر بتشكيل لجنة فنية علي مستوي عالمي لتحسم موضوع سعة التخزين وفترة التخزين والمخاطر التي قد يشكلها وزن مياه السد علي الأرض الطفيلية في هذه المنطقة. كيف يمكننا وصف علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي في ضوء اتفاقية المشاركة مع أوروبا؟ - لعلك عاصرت الحوار الإيجابي المتسع مع وضد الاتفاقية والذي دار خلال صياغتها وخلال المشاورات مع الجانب الأوروبي أثناء الاتفاق علي بنودها وقد كان هذا يشعرنا بمسئولية كبيرة لكن نضمن تحقيق الاتفاقية لمجمل المصالح المصرية، والآن ونحن في عام 4102 وبعد مرور عشر سنوات علي نفاذ الاتفاقية فإنني أقول بسعادة ورضا تام أنها تعتبر قصة نجاح للدبلوماسية المصرية فقد ارتفعت الصادرات المصرية في هذه الفترة إلي أوروبا 4 مرات من 3 مليارات دولار في 2003 إلي ما يقرب من 12 مليار دولار في عام 2102 كذلك زادت الواردات الأوروبية ثلاث مرات من 7 مليارات دولار 3002 إلي 12 مليار دولار عام 2102.. وفي هذا النطاق أريد أن أنبه إلي أن الصادرات والواردات لهما نفس الأهمية لأن الواردات تلزم لسد احتياجاتنا الغذائية ومتطلبات أخري. وأوضح أنه إذا كان الميزان التجاري يحقق عجزا رغم ازدياد حجم التجارة فإن نسبة تغطية الصادرات المصرية للواردات الأوروبية تزداد سنة بعد أخري كما أن تجارة الخدمات تحقق فائضا لصالح مصر أي أن ميزان المدفوعات يحقق فائضاً لصالح مصر. أما علي مستوي العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في مجال التنمية فإن الاتحاد ضاعف من حجم مساعداته كما أن هذه المساعدات علي مستوي التعامل ثنائياً مع الدول الأوروبية قد حققت تقدماً ملحوظاً. علاقات متوازنة وماذا بشأن الانفتاح علي قوي اقتصادية أخري مثل الصين والهند وماليزيا، وغيرها؟ - الصين والهند كانا شريكين لمصر منذ سنوات طويلة وعلينا أن نسعي لتعلم قيمة الشغف بالعمل وإعلاء قدره من دول آسيوية كاليابان والصين والهند وماليزيا وكذلك فإن العلاقات مع روسيا لم تنقطع رغم فترات الصعود والهبوط ولكن علينا في إطار تنشيط علاقاتنا ودعمها مع القوي الآسيوية أو روسيا أن ندرك بأن هناك تطوراً في العلاقات الدولية أدي إلي إنهاء الاستقطاب في العالم حيث أصبحت الصين أكبر مصدر في العالم لكنها في نفس الوقت لا تستطيع أن تعيش دون أكبر مستورد في العالم وهو الولاياتالمتحدة وفي إطار دعم علاقاتنا مع دول مثل الصين أو روسيا يجب ألا نتوهم بأن هاتين الدولتين ستقف بأي حال موقف يتعارض مع توجهات المجتمع الدولي ككل والولاياتالمتحدة علي وجه التحديد.