لا يخفي علي أحد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم كل الإخفاقات لاتزال تسعي بجدية لتمرير مخططها في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في مصر. ويخطئ من يظن أن الإدارة الأمريكية قد قررت الاستسلام للأمر الواقع في مصر وأنها لن تسعي مجدداً لإشاعة الفوضي من خلال مساندتها للمنظمات والجماعات الإسلامية المتشددة التي تتخفي وراء الدين، وعلي رأسهم جماعة الإخوان ودوبليراتها في المنطقة وآخرها "داعش". وحتي هذه اللحظة لا تزال بلاد العم سام تحتضن أفراد التنظيم الدولي للإخوان الذين يتمتعون بنفوذ كبير داخل البيت الأبيض ومراكز صنع القرار الأمريكية، بل تصر علي رفض تصنيفهم كمنظمة إرهابية بحجة كونهم فصيلاً سياسياً، وتسعي الآن إلي التلميح بمصالحة قريبة معهم في مصر.. إذن فالأمر برمته لا يتعدي محاولة من واشنطن لالتقاط أنفاسها وترتيب أوراقها من أجل إعادة الجماعة المحظورة إلي سدة الحكم مرة أخري. لاتزال الأصوات المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين ترتفع داخل البيت الأبيض رغم تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عقب فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، علي تطلعه إلي العمل مع الرئيس المصري من أجل دفع المصالح الاستراتيجية المشتركة بين البلدين. ووصف "روبرت سبنسر" الكاتب الأمريكي بمجلة "فرونت بيج"، أوباما بكونه ممثل ومندوب الإخوان الأول في الولاياتالمتحدة، حيث قام بدعم تنظيمهم قبل قفزهم علي السلطة في مصر وحتي وقتنا الحالي، وإصراره علي مساندة هذا النظام الذي أثبت فشله، ثم السلفيين "حصان طروادة" لمساعدتهم في إحكام سيطرتهم علي السلطة، من خلال تمويلهم بما يقرب من 25 مليار دولار، بشرط ضمان أمن إسرائيل. فالإدارة الأمريكية رأت أنه من المجدي أن تدعم المحظورة في عموم شمال أفريقيا والشرق الأوسط، نظراً لعلاقاتهم القوية بحماس والتيارات المتطرفة في سيناء وليبيا وسوريا، وغيرها من الملفات التي تحتاج واشنطن الإخوان فيها، وهو بالفعل ما تم عمله في مطلع عام 2011 في مستهل ثورات الربيع العربي. وعلي الرغم من الرفض الشعبي للإخوان داخل مصر وما شهدته الميادين من احتشاد ضدهم، إلا أن الولاياتالمتحدة في بادئ الأمر رفضت الاعتراف بأن ما حدث في أرض الكنانة ثورة ضد حكم الإخوان وقررت حينها التلويح بتعليق المساعدات كمحاولة للترهيب والضغط دون جدوي. وانصاعت مؤقتاً لإرادة المصريين حتي تعيد ترتيب أوراقها مرة أخري. ومن الأفكار الجادة التي تناقش في الوقت الحالي بين أروقة الكونجرس والبيت الأبيض الآن هي فكرة عودة الحكم الإسلامي إلي مصر وقيام المشروع برمته ليس فقط ببلدان الربيع العربي بل في الشرق الأوسط بأكمله، لتمرير مخططهم بتقسيمه وإبقائه علي جمرة من لهب والاستفادة من خيراته وثرواته وتحقيق الأمان التام للكيان الصهيوني، لذا ستصر إدارة أوباما علي دمجهم في الحياة السياسية بمصر دون ممارسة ضغوط علي الحكومة. ويدل علي ذلك بعض ما أوردته بعض الصحف الأمريكية ومراكز الأبحاث الغربية، وكان أوله تصريحات مسئولين أمريكيين لوكالة "فوكس نيوز" أثناء زيارة جون كيري الأخيرة لمصر الذين قالوا: "إن برنامج السيسي المعني بالإصلاحات الاقتصادية، لا يمكن أن ينجح إذا فشل في البدء في عملية المصالحة مع الإخوان، لكنهم لن يسعوا إلي دفعه في هذا الاتجاه." فيما أكدت (Conservative Tribune) علي تمتع الجماعة بمكانة كبيرة داخل الولاياتالمتحدة، حتي أنه تم استصدار قرار خلال مايو الماضي في معروف باسم قائمة "ارفعوا أيديكم" ينص علي حمايتهم والسماح لهم بدخول البلاد دون الإجراءات المعقدة ورفع أسمائهم من قوائم الإرهاب. وأيضاً تم إنشاء حزب سياسي رسمي تحت مسمي"مجلس المنظمات الإسلامية في الولاياتالمتحدة (USCMO) الذي سيكون ممثلاً للجماعات الإسلامية هناك، وسيجعل من الإخوان المسلمين كتلة لها ثقل سياسي من خلال قدرتها علي التصويت، خاصة في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2016. ويروج البعض لاتفاقات تتم الآن بين الجماعة والمرشحين المحتملين في الحزب الديمقراطي والجمهوري لدعم أحدهم مقابل مكاسب سياسية للجماعة. ومن ناحية أخري. واعتبرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية، سواء كانت تدار من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لن تقطع اتصالاتها بالتنظيم الدولي. فهم لا يزالون، من وجهة نظرها، تيارا سياسيا يتمتع بشعبية كبيرة في كثير من البلدان العربية، وجزءا من المعادلة السياسية في دول مثل تونس واليمن وغيرها. ولهذا فلا يمكن استبعاد عودتهم إلي الحكم حتي وإن كان هذا بعد سنوات عدة، وهو ما يفسر رفض أمريكا اعتبار الجماعة "تنظيما إرهابيا" رغم الالتماس المقدم للبيت الأبيض بإدراج الإخوان علي قوائم الإرهاب والذي حصد توقيعات أعلي من الحد المطلوب لتنفيذه، بعد الإطاحة بهم في 30 يونيو 2013. وعلي جانب آخر تثير تغريدات محمد الإبياري، مستشار أوباما للأمن القومي، المؤيدة لجماعة الإخوان التي قام بنشرها عبر حسابه علي تويتر علامات استفهام كبيرة علي صمت الإدارة الأمريكية تجاهه واستمراره في العمل معهم، علي الرغم من انتقاد سياسيين كبار لهذه التصريحات وللاختراق الواضح من الإخوان للبنتاجون، وعلاقاتهم القوية بعدد من الجنرالات بينهم "ويليام بويكين" وكيل وزارة الدفاع السابق لشئون الاستخبارات في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والخبير الأمريكي "سيباستيان جورك". وكان من بين التغريدات المثيرة للإبياري تعليقاً علي ظهور داعش العراق تغريدة قال فيها: "إن دولة الخلافة الإسلامية حتماً قادمة، ولكن الاختيار فقط سيتمثل في مدي دعمنا لرؤية الاتحاد الإسلامي، علي غرار الاتحاد الأوروبي." ووفقاً لموقع مشروع كلاريون، فإن الإبياري أثار انتقادات عدة من قبل بسبب تغريداته التي ادعي فيها أن الولاياتالمتحدة دولة إسلامية ذات دستور يتوافق مع الشريعة الإسلامية، هذا بجانب تعليقاته بعد عزل مرسي الذي وصفه ب"مانديلا المصري، إلا أن ردود أفعال غاضبة اعتبرت تلك التصريحات غير مناسبة لشخص يجب عليه حماية البلاد من العناصر الإرهابية طبقاً لمهام وظيفته، وهذا جعله في مرمي نيران الانتقادات من نواب بالكونجرس مثل "ميشيل باكمان" النائبة الجمهورية اليمينية، التي طالبت بإجراء تحقيقات في أنشطة الجماعة واستبعادهم من مناصبهم. ووصفت "ميشيل" أثناء زيارتها مصر سبتمبر العام الماضي، الإخوان بكونهم "عدوا مشتركا" بين القاهرةوواشنطن، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن هذا التصريح، لتبقي واحدة أمام تيار آخر أقوي وأعلي صوتاً من المسئولين الأمريكيين الحاليين والسابقين والباحثين الأكاديميين، الرافضين لمثل هذه الأصوات.. ويعد "عارف علي خان" المحامي الباكستاني الذي شغل منصب المدعي العام الفيدرالي في لوس انجلوس منذ عام 1997 من أشهر أذرع الأخطبوط الإخواني داخل الإدارة الأمريكية المشاركين في صنع القرار بعد "الإبياري"، وقد تم تعيينه في 2009 في منصب مساعد وزير الأمن الداخلي في حكومة أوباما. كما أنه عضو ناشط في التنظيم وعقد لقاءات ومفاوضات سرية وعلنية بين الإدارة والإخوان. أما "رشاد حسين" ممثل أوباما لدي العالم الإسلامي، فهو من أبرز الوجوه الإخوانية والمكلف منذ عام 2009 بكتابة خطب أوباما الموجهة للعالم الإسلامي ومن أشهرها خطاب جامعة القاهرة. . كل هذه التقارير بالإضافة إلي الوثائق التي تم الإفراج عنها مؤخراً بموجب قانون حرية تداول المعلومات، توضح الاتصالات الأمريكية مع قيادات الإخوان قبل ثورات الربيع العربي وبعدها وتوضح مساعيها لاستبدال عباءة الدكتاتور بعباءة التيار الإسلامي في الشرق الأوسط، تجعلنا ندرك تمسك الولاياتالمتحدة بالمحظورة والجماعات الجهادية المتطرفة وتآمرها معهم لعدم الإطاحة بهم من حكوماتها، حتي لا تتخلي عن طموحاتها ومصالحها في المنطقة، وحتي تحقق أمن إسرائيل، وتبعد أي تهديدات لأمنها القومي وتتجنب أي عمليات إرهابية ضدها.