إذا كان طفلك يهوي الإمساك بالأشياء لاستكشاف كيف تعمل، ولا مانع عنده من فكها وإعادة تركيبها، وأنت من خوفك علي فلوسك التي دفعتها في هذا الشيء أو تلك اللعبة، تمنعه وتنهره ألا يفعل ذلك، وقد يتطور الأمر إلي ضربه وتعنيفه، ومن أجل إشباع رغبته في الفك والحل، نحن ندعوك إلي زيارة متحف مقنتياته قابلة للفك والتركيب، بل إنه يحث الأطفال علي القيام بهذا الفعل المجرم من جانب الآباء والأمهات، فهو يدعو كل طفل إلي القيام بمغامرة لتدمير أعمدة معبد فرعوني أو تقطيع خريطة البلاد أو قلع شجرة أو الحفر في الرمال أو توسيخ ملابسه بالألوان، أما الغرض من كل ذلك فهو تعليمه كيف يكتشف الإجابات عن تساؤلاته البريئة . وهذا المتحف الفريد من نوعه عبارة عن مركز تعليمي ترفيهي، يقضي فيه الأطفال وكل أفراد الأسرة ساعات ممتعة من الإبداع واكتشاف طاقاتهم، وهو يقع في 34 شارع أبو بكر الصديق بحي مصر الجديدة، وقد تعرفت علي هذا المتحف من خلال دورة أخذتها عن دور المتاحف في تنمية المجتمع ببيت السناري بالسيدة زينب، وكنت مقررة أن أزوره في إجازة الصيف مع بعض أطفال الأسرة لكي يقضوا ساعات من التفاعل مع الطبيعة المصرية والتعرف علي الظواهر التاريخية والطبيعية بها، ولكن نظرا لانشغال الأطفال بالإنترنت وعدم رغبتهم في مغادرة منازلهم بسبب ارتفاع درجة الحرارة، لم أقم بهذه الزيارة ولكن ذهبت إليه بالصدفة فقد كنت في مهمة خاصة بأختي الصغيرة وكنت بالقرب منه، فدخلت إليه لرؤية أصدقائي في الدورة المتحفية وللقيام بجولة داخل المتحف، وكان في استقبالي معتز المكاوي مدير قطاع التربية المتحفية ووليد محمود أمين المتحف وآية فتحي أمينة المتحف التي اصطحبتني أنا وأختي في جولة شيقة بداخله، وقد أشفقت عليها من الإفاضة في الشرح لنا، لدرجة أنها أرادت أن تقف أمام كل معروض لتشغيل الفيلم المصاحب له أو فك القطع وتركيبها أو الرسم بالطريقة الفرعونية وغيرها.. وبعد زيارتنا للطابقين الأول والثاني من المتحف كانت الساعة قد قاربت الرابعة مساءً وكان وقت الإغلاق قد حان، وقد بدأت جولتنا من استعراض آية فتحي للماكيت الموجود في مدخل المتحف (المكون من أربعة طوابق) ولكنه خاص بمركز الطفل للحضارة والإبداع ككل الذي مساحته تصل لحوالي 14 فدانا ويشمل مبني المتحف ومبني السينما والبيت الريفي والمسرح الروماني ومنطقة الألعاب والخيمة البدوية والحديقة وبيت الفراشات وبيت الطيور ومنطقة الغابات والاستكشافات وغيرها. وفي الطابق الأول يمكن للطفل أن يكتشف كنوز الأجداد الخفية من خلال مغامرة في علم الآثار، التي بدأت برحلة داخل الهرم الأكبر للمك خوفو يقوم بها الأثري زاهي حواس، ثم الولوج داخل ممر الهرم ومشاهدة صور لمقبرة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو وهي المقبرة الوحيدة التي عثر بداخلها علي أثاث مطلي بالذهب وكنوز ذهبية، وهناك صورة لتمثال المهندس المعماري حم ابونو وزير الملك خوفو الذي شيد الهرم الأكبر ثم تذكر لوحة أخري كيف فقد أبو الهول أنفه، وفي الغالب أنها أزيلت لأسباب دينية من قبل شخص ما، وذلك لوجود آثار تكسير بالأزميل تؤكد أنها دمرت بشكل متعمد، وإن كان أبو الهول يرمز إلي الحكمة والقوة وسلطة الملك الفرعون بل ومصر كلها وهناك حجرة تشرح محاولات دخول الهرم الأكبر وممرات التهوية الغامضة بداخله وأيضا كيف طور المصريون القدماء بناء الأهرامات وهناك خريطة من خلالها يستطيع الأطفال معرفة تاريخ مصر وذلك بأن يعيدوا فك وتركيب المواقع الأثرية والأطفال يحبون فكرة لوحات البازل الأثرية كما تري آية فتحي ,حيث ينزعون القطع من أماكنها وتلخبط ثم يعيدونها مرة أخري لمواضعها وهناك منطقة تنقيب مدفون فيها نماذج لقطع أثرية، حيث يأخدون أدوات حفر من البلاستيك للبحث عنها وكل واحد وشطارته، أما أصحاب الحالات الخاصة منهم، فهناك قطع مدفونة لهم في مكان مرتفع ولكنها مثبته ويمكنهم العثور عليها وتحديد معالمها، أما الآثار الغارقة.. فالأطفال يركبون غواصات أو يغوصون في أنابيب بلاستيك ملونة من أجل العثور عليها! وفي الطابق الثاني تبدأ رحلة أخري ليتعلم طفل النيل كيف أن الحضارة المصرية بدأت بمواسم النيل الثلاثة (الفيضان والبذر والحصاد) حيث يوجد مجسم لمنابع نهر النيل حتي تصل مياهه لمصر وتنتهي في البحر المتوسط، كما يوجد نماذج لتطور وسائل الري من مياه النيل، فنجد الشادوف والطنبور والساقية بالقواوير، وأيضا وسائل النقل عبر النهر وأنواع المراكب في مصر القديمة، وحيوانات النهر ومنها التمساح وكان المصريون القدماء يتخذون منه إلها، ونموذج لحجر رشيد وأكدت آية فتحي أن الحجر الأصلي لايوجد في المتحف المصري وأنه تم اكتشافه بفترة قبل أن يفك شامبليون سر الكتابة الهيروغليفية من خلاله، وكل حرف هيروغليفي هو رمز لكلمة أو صوت. وأثناء شرح آية فتحي لنا دخل ثلاثة أطفال مسرعين لاصطياد الأسماك، فهي لعبة حظ، فمن منهم سوف يملأ السلة بالأسماك الطازجة، كما كان يفعل المصريون القدماء، ثم سبقونا ليزرعوا بعض المزروعات ومن لا يعجبه ما قام به ينزع الزرعة ليعيد زراعتها بطريقة متناسقة، وقد يكون الأصغر منهم هو الجيد في الزراعة، وفي المعبد قام هؤلاء الأطفال بهدم أعمدته وإعادة تركيبها، أما السوق فقد قاموا بلمس كل أنواع الخضر والفاكهة وبالطبع لم يأكلوها لأنها مصنوعة من خامات صناعية، وقد شاهدنا ثلاثة أفلام رائعة للمواسم الثلاثة سواء الفيضان أو البذر أو الحصاد حتي وصلنا لعملية تخزين الحبوب والغلال، وعمل العيش والفرن الذي يخبز فيه، ولم ينته الأمر عند ذلك لكن هناك لعبة مصرية قديمة هي السنت التي تشبه الشطرنج، يحاول مسئولو المتحف كتابة لوحة توضيحية لكيفية لعبها ويوجد نسخة أصلية منها في المتحف المصري، وفي نهاية الجولة في هذا الطابق يمكن للأطفال كما تقول آية فتحي ارتداء الأزياء الفرعونية للملك أو الملكة والجلوس علي كرسي العرش لالتقاط صور تذكارية لهم. وقد اكتفينا بزيارة هذين الطابقين وعليكم أن تصطحبوا أطفالكم لاستكشاف ما يحتويه الطابقان الآخران، وإن كان أحدهما يتناول علوم الطاقة والمياه والآخر مغامرة ممتعة في علوم الفضاء تنطلق بك إلي عالم الخيال بعيدا عن الأرض.. فهذا المتحف ليس مجرد متحف عادي.. ولكنه كما يقول معتز المكاوي من الأماكن التي تعني بدراسة التراث بشكل تعليمي تفاعلي، وقد حصلنا علي عدد من الجوائز عن برامجنا لتعليم الأطفال التراث بطريقة شيقة، كما أن لدينا أنشطة مختلفة تلائم جميع أعمار الأطفال حيث إن محتوي المتحف نفسه يناسبهم كافة. فنحن نحاول أن نقدم معلومات وخدمات وبرامج تستوعب طاقاتهم في الإبداع والاستكشاف، فلدينا السينما والمكتبة والحديقة التعليمية وغيرها من الأنشطة المكملة للمتحف لتنمية المهارات والهوايات عندهم.. ويشير معتز المكاوي إلي أن المتحف حاليا يعمل علي أكثر من مشروع مع جهات أخري لاستيعاب أطفال الأماكن المهمشة والعشوائية مثل منطقة الزلزال ومنشية ناصر، فهؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل العنف والجريمة، ونحاول أن نصل إليهم ونقدم لهم من خلال المركز نشاطا مجتمعنا يساعدهم علي الاندماج في الحياة بطريقة سوية. وفي ختام زيارتنا جاء وليد محمود ليسلم علينا بعد أن انتهي من جولته الطويلة مع مجموعة من الأطفال، وكان لابد من أن نشكر الجميع علي كرم الضيافة وعلي حسن الشرح والتقديم، وهناك دعوة عامة مقدمة منهم للجمهور لحضور حفلة مجانية غداً 26 من يونيو الجاري للاحتفال بيوم الهند الصغيرة من التاسعة صباحا حتي العاشرة مساء وسيقدم فيها فقرات فنية ويصاحبها معرض للصور.