منذ عرضه الأول بمهرجان برلين السينمائي في فبراير الماضي، وعشاق السينما ومتابعوها في حالة شوق وانتظار للعرض العام لفيلم "فندق بودابست الكبير" الذي أخرجه، «ويس أندرسون»، وشارك في بطولته حشد ضخم جدا من النجوم، بعضهم لاتزيد مدة تواجده علي الشاشة أكثر من دقيقتين! وقد نال الفيلم سمعة طيبة ومنحه موقع imdb درجة 4.8 من عشرة، وهي نسبة كبيرة لايمنحها أهم موقع سينمائي إلا للقليل من الأفلام! وقد بدأ عرض الفيلم في القاهرة يوم الأربعاء الماضي، وطبعا لم نتعرف حتي الآن علي درجة استقبال الجمهور العادي له، حيث إنه ليس من أفلام الخيال العلمي مثل رجال إكس، ولامن أفلام الفانتازيا "ميليفسنت"، ولا الأكشن، مثل حافة الغد لتوم كروز، إذن ماهو تصنيف فيلم فندق بودابست الكبير؟ حسب موقع imdb هو فيلم كوميدي، مدة عرضه مائة دقيقة، ولكنه ليس كوميديا مثل أفلام هانج أوفر، مثلا، ولا أفلام الكوميديا الرومانسية، أو الفارس، ولكنه أقرب إلي أفلام الكوميديا السوداء، يحتوي علي مشاهد عنف وقتل، ولكنها موضوعة في سياق ينزع عنها الوحشية أو يخففها بغلالة من السخرية، فيقلل وقعها، إنه يشبه إلي حد ما عالم أفلام الإخوة كوين، أو أفلام كوانتين تارانتينو! وتعود أحداث الفيلم إلي فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، أثناء الحرب العالمية، وسيطرة قوات النازية علي أوروبا، وكما هو واضح من اسم الفيلم فإن الفندق الذي تدور حوله الأحداث يقع في بودابست، في قلب أوروبا، وهو فندق عريق، "كما يصفة الفيلم" ومالكه الحقيقي غير معروف، أو كان كذلك لفترة طويلة من الأحداث، أما الشخصية الرئيسية التي تدور حولها قصة الفيلم، فهو جوستاف اتش، الذي يعمل كونسيريج، concierge وترجمة الكلمة تعني بواب، ولكن طبيعة عمل جوستاف اتش "رالف فينيس" لم تكن كذلك، فقد كان أقرب إلي مدير الفندق والمسئول عما يجري فيه وواضع سياسته، وهو مسئول أيضا عن توظيف كل من يعمل به، وعن الحفاظ علي سمعته، ومستواه بين فنادق أوروبا، جوستاف اتش، كما وصفه السيناريو الذي شارك فيه المخرج مع ستيفان زيويج، رجل ساحر يتمتع بوسامة وذكاء وقدرة علي التعامل مع العفاريت الزرق وترويضهم، يتصرف مثل النبلاء، رغم أن أصوله متواضعة، له تأثير جهنمي علي النساء، والعجائز منهن بصفة خاصة، وكان هذا أحد أسباب تفوقه وتميزه في عمله، ولكنه أيضا كان سر البلاء الذي هبط علي رأسه! حكاية جوستاف اتش، يرويها المالك الجديد للفندق، مصطفي زيرو، للكاتب الشاب "جود لو" الذي سأله عن الظروف التي دفعته لشراء الفندق الشهير، بعد أن كان مجرد عامل "صبي" خدمات وحمل حقائبloby boy ولكن مصطفي زيرو يفاجئ الكاتب بأنه لم يقم بشراء الفندق، ولكن آلت إليه ملكيته، بطريقة ما، والطريقة "ما" هذه ، هي حكاية الفيلم، التي نعرف تفاصيلها من رواية مالك فندق بودابست العجوز "مواراي إبراهام"، الذي التحق بالعمل في الفندق وهو لايزال في مرحلة المراهقة، وكان عليه أن يخط شاربا بالقلم الفاحم، حي يبدو أكبر سنا، ويبدو أنه وحسب ماتوحي ملامحة من أصول آسيوية، قد يكون من منطقة الهند مثلا، وظروف الحرب دفعته للهرب والبحث عن مكان يعمل به، ولذلك فهو لايحمل أوراقا رسمية، ويحمل تصريحا مؤقتا، لايتيح له الانتقال خارج بودابست، وفي لقاء سريع بين جوستاف والصبي الصغير، الذي كان يطمح في إيجاد عمل دائم بالفندق الشهير، أدرك كل منهما أنه سوف يصبح له مكانة مميزة في حياة الآخر، وتبدأ أزمة الفيلم بعد وفاة "مدام دي" أو تيلدا سوينتون، وهي واحدة من أهم زبائن الفندق" وأكثرهم ثراء، وكانت الصديقة المقربة لجوستاف، وتقدر تقول إنها كانت تهيم به حبا، ويذهب جوستاف لتقديم واجب العزاء لأسرة الراحلة، ويصطحب معه صديقه الصبي "مصطفي زيرو"، وفي منزل الراحلة، أو لنقل في قصرها الفاخر، تعرف علي أفراد عائلتها وبينهم ابنها ديمتري "أدريان برودي"، تجتمع العائلة، مع محامي الأسرة ليعلن عليهم وصيتها، ويفاجأون بأنها تركت لجوستاف جزءا كبيرا من ثروتها، ممثلة في لوحة فنية، ويدرك جوستاف أن حياته في خطر، وأن غضب ديمتري ابن الفقيدة سوف يلاحقه، فيسرق اللوحة ويهرب بها، عائدا إلي الفندق ولكن سرعان، مايجد الشرطة تحيط بالمكان، بعدما تبين أن هناك شبهة جنائية في موت الراحلة، وأنه أصبح متهما بقتلها، ويتم القبض عليه وإيداعه السجن، ويسعي للهرب بمعاونة بعض السجناء! الكوميديا، التي تنطلق من أحداث الفيلم، وتجعلك في بعض الأحيان تسمع قهقهتك، نابعة من المواقف المرسومة بعناية بالغة، وبطريقة غير متوقعة، وهنا ممكن أن نتحدث عن فن الأداء، الذي يتسم بالجدية الشديدة، فلا أحد يتعمد الإضحاك، ورغم قسوة بعض المشاهد، إلا أنك تجد نفسك متورطا في الضحك رغما عنك، لأن فرط المفاجأة وتناقض الصورة مع ماهو متخيل، حتما يؤدي للضحك، كأن يكون جوستاف في مواجهة مجموعة من جنود النازية" دون أن يذكر الفيلم ذلك"، ويتعامل معهم بكل غطرسة عندما يطلبون أوراق صبيه مصطفي، ويهددون بإلقائه من القطار، فيقول لهم بمنتهي الثقة، لو حد قرب منه، مش حايحصل له طيب!! فيوسعونه وصبيه علقة ساخنة، تتكرر بعد ذلك بحدة أشد، يدفع ثمنها حياته فيما بعد! إننا إزاء سيناريو يعتمد علي وجود جريمة، وثروة ضخمة، وقاتل محترف يطارد ضحاياه، ورجل في حالة هروب دائم ممن يلاحقه، وشاب يستخدم كل طرق الضغط والعنف ليحصل علي ثروة والدته كاملة، ومطاردات غير مألوفة، وحوار ساخر ومثير وخاطف، وشديد الذكاء! الكوميديا في فيلم فندق بودابست ليست مثل تلك التي ألفناها في أفلامنا، التي تعتمد علي الإفيه اللفظي أو المبالغة في الحركة، ولكنها تنبع، من دقة رسم المشاهد، ومن حدة ردود الفعل أحيانا، لو كنت قد تابعت الفيلم الإيطالي الحياة حلوة للممثل والمخرج ألبرتو بينيني، ربما تكون قد فهمت ما أقصده، هناك عنف نعم، والبطل يقتل في النهاية، ولكن لاتتابع مشهد موته، ولكن موته أو مقتله نتيجة حتمية لكل ماتقدم، فهو يتحدي وريثاً شريراً، ويتحدي قوة غاشمة، ممثلة في جنود النازية، ويتحدي كيانات ضخمة، وهو لايملك سوي ابتسامته، وشخصيته الناعمة الأرستقراطية بالممارسة وليست ارستقراطية متأصلة، فهو أقرب للنصاب الشيك، الفيلم حالة غير متكررة، من عناصره المميزة بالإضافة للسيناريو وأداء الممثلين، جودة التصوير والإضاءة والمونتاج، والموسيقي التصويرية، رالف فينيس كما سبق الإشارة يقدم واحدا من أروع أدواره ربما يصل به دور جوستاف للترشح للأوسكار!