في الوقت الذي كان العالم كله يشهد فيه حالة من الغليان والغضب الشديد بسبب ما أعلنه مواطن أمريكي أحمق مغمور يدعي أنه قسيس عن نيته حرق نسخ من القران الكريم احتجاجا علي قيام الجماعة الإسلامية في أمريكا ببناء مسجد بجوار موقع عمارتي مركز التجارة العالمي المعروف باسم جراوند زيرو والذي دمر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر المؤسفة عام 2001. في هذا التوقيت بالذات الذي كان فيه زعماء العالم وعلماؤه ومفكروه يتسابقون لاستنكار هذا التوجه الخطير والتنديد به وفي مقدمتهم شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان والرئيس أوباما وأمين عام الأممالمتحدة والرئيس الألماني والاتحاد الأوروبي وكافة زعماء العالم العربي والإسلامي، نظرا لما يمثله هذا الفعل المجنون من إساءة بالغة لمشاعر المسلمين البالغ عددهم أكثر من 1,5مليار نسمة في مختلف أنحاء العالم إذا بالسيدة الفاضلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تتمتع بقدر هائل من الذكاء والكياسة تستقبل الفنان الدنماركي الذي سبق أن قام برسم رسوم كاريكاتورية تسئ إلي الرسول صلي الله عليه وسلم ، وتمنحه وساما ألمانيا رفيع المستوي بحجة »تقديرا منها للإبداع وحرية الفكر وحقوق الإنسان«. وأنا هنا لا أود أن أعيد أو أكرر ما سبق أن أعلنته قيادات إسلامية ومواطنون مسلمون عاديون من انتقادات شديدة لهذا التصرف الذي أقدمت عليه المستشارة ميركل وتكريمها لهذا الفنان الذي سبق أن فجرت رسومه المسيئة لنبي المسلمين محمد عليه الصلاة والسلام أزمة عارمة بين العديد من دول العالم الإسلامي والدنماركي أدت إلي مقاطعة هذه الدول للسلع والمنتجات الدنماركية وهو ما أدي بالفعل إلي خسائر جسيمة للاقتصاد الدنماركي. ولا شك أن المستشارة ميركل قد تابعت أزمة هذا الفنان مع العالم الإسلامي وأبعادها السياسية والاقتصادية والإنسانية خاصة أن بلادها والدنمارك عضوان هامان في الاتحاد الأوربي والمجتمع الغربي بصورة عامة. وانطلاقا من حرصنا علي العلاقات الجيدة والمتميزة التي تربط بين ألمانيا والعالمين العربي والإسلامي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وإعجاب وتقدير شعب مصر وكافة الشعوب العربية للشعب الألماني الصديق لمواقفه المبدئية والإنسانية لقضايا دول العالم الثالث وفي مقدمتها قضايا التحرر الوطني وعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكل أبعادها.. فإن لي »عتابا«.. عتاب كأصدقاء ولكنه »عتاب ملئ بالألم والحسرة« من المستشارة ميركل التي تتمتع بقدر هائل من الإعجاب والتقدير علي المستوي العالمي. وهنا أتساءل أين أصدقاؤها ومستشاروها، ألم يكن هناك أحد منهم لديه الشجاعة والإخلاص لكي يوضح لها مدي أبعاد وخطورة هذا التصرف علي مستقبل العلاقات الألمانية مع كافة الدول الإسلامية والعربية التي ترتبط بها ألمانيا بعلاقات اقتصادية وتجارية ضخمة تصب بالدرجة الأولي في صالح الاقتصاد الألماني الذي يعتمد بدرجة كبيرة علي التصدير.. وما يمكن أن يمثله هذا التكريم من إثارة لمشاعر ملايين المسلمين بل وأصحاب الديانات الأخري وخاصة اليهودية التي مازالت جريمة النظام النازي عالقة في أذهانهم راسخة في وجدانهم. نعم ونحن مثلها تماما مع الإبداع وحرية الفكر وحقوق الإنسان.. ولكننا حريصون أيضا ونرجو أن تكون هي كذلك علي حماية القيم والمبادئ الإنسانية وفي مقدمتها حرية العقيدة واحترام رأي ومعتقدات الآخر. والحقيقة أن لم تكن هناك ضرورة ملحة لاستقبال وتكريم هذا الفنان الدنماركي ومنحه وساما ألمانيا رفيع المستوي وفي هذا التوقيت بالذات وهو الفنان الذي حامت حوله الشبهات وتأكدت فيما يتعلق بجريمة »ازدراء الأديان« ولا شك أن هناك فرصا عديدة مناسبة للتأكيد علي مفاهيم الإبداع وحرية الفكر والحفاظ علي حقوق الإنسان دون إثارة مشاعر الآخرين وازدراء معتقداتهم الدينية. معروف أن المستشارة الألمانية المتألقة ميركل ولدت وعاشت سنواتها الأولي في إحدي ولايات ألمانياالشرقية سابقا وعانت بالتأكيد من ظلم وقهر النظام الشيوعي الذي لا يعترف لا بحرية الفكر ولا بحقوق الإنسان بل ويعتبر الأديان »أفيون الشعوب« ثم نزحت مع ملايين الألمان الشرقيين إلي ألمانياالغربية لتصعد وتتألق سياسيا في أحضان الحزب المسيحي الديمقراطي cdu ثاني أكبر الأحزاب الألمانية والذي يضع حرية الفكر وحقوق الإنسان علي رأس أولوياته. سيادة المستشارة: إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما يقول المثل. وأود أن أشير في هذا الصدد إلي التوجهات الحضارية والإنسانية للرئيس الألماني الجديد كريستيان فولف صديقك ورفيقك في الحزب، حيث استهل أول بيان رئاسي له بمناسبة توليه منصبه الجديد الشهر قبل الماضي بدعوة الجاليات الأجنبية في ألمانيا وخاصة المسلمين بضرورة الاندماج في المجتمع الألماني حفاظا علي التعايش السلمي وحوار الحضارات.