تعيش الأمم في تاريخها أوقاتا عصيبة تكثر فيها التناقضات والأمور المحيرة والمعقدة تسمي بالفترات الانتقالية خاصة بعد الحروب والثورات قد تطول أو تقصر حسب قدرة الشعوب علي استيعابها وتجاوزها بأقل ثمن أو خسارة والانتقال إلي مرحلة الاستقرار، نمر بتلك الأوقات وقد طالت لدينا ورأينا الكثير من المتناقضات التي يحار العقل في استيعابها! ومن تلك الصور قامات علمية وأدبية من كافة التخصصات دخلوا ساحة العمل السياسي قبل ثلاث سنوات وكانت لهم مواقفهم المتضاربة والمتناقضة ففقدوا الكثير من هيبتهم وتاريخهم المشرف ، رأينا سياسيين بارزين كنا ننظر إليهم باعتبارهم معارضين شرفاء لكن سرعة تبدل مواقفهم يمينا ويسارا ورغبتهم الملحة في الزعامة أفقدتنا الثقة في كفاءتهم ومصداقيتهم والتي ظهرت بوضوح عندما تولي بعضهم مناصب وزارية وظهر فشلهم جليا، رأينا قضاة في ساحة العدالة يخلطون القضاء بالسياسة ، يلقي أحدهم مؤخرا بيانا سياسيا قبل أن يصدر حكمه في القضية المنظورة أمامه وآخر يصدر حكما في وقت قياسي علي أكثر من خمسمائة متهم بإحالة أوراقهم للمفتي مما أثار جدلا واسعا في الداخل والخارج رغم أن القاضي لايحكم برأيه ورؤيته السياسية لكن بما أمامه من أدلة ثابتة وقاطعة وبما استقر في وجدانه ويقينه لإصدار الأحكام. رأينا إعلاميين يتنقلون يسارا ويمينا في تناقض مواقفهم فمنهم من كان ضد ثورة يناير علي طول الخط ثم فجأة وبدون مقدمات أصبح ثوريا لايشق له غبار ثم أخيرا عاد لقواعده القديمة بسلام مودعا مواقفه المستحدثة لفترة من الزمن ، رأيناهم في إعلام لم يلتزم بأي معايير مهنية أو أخلاقية وبدلا من أن يوجه الرأي العام نحو البناء فإنه أسهم بقصد أو دون قصد في زيادة شق الصفوف والانقسام المجتمعي، رأينا علي شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد لغة حوار لم نعتدها تجاوزت كل الخطوط الحمراء، أما في ساحات الإنترنت فحدث ولا حرج فكل شيء مباح ولا خطوط من أي نوع حيث انتقلت لغة وأساليب قاع المجتمع إلي أعلاه ! رأينا كيف اختلط الحابل بالنابل في مجال الدين حيث تصدي للحديث والفتوي من يعلم ومن لايعلم، في مجتمع للدين فيه مكانة لاتنكر. والسؤال المطروح: متي يعود كل هؤلاء إلي المسار الصحيح ربما مع عودة استقرار المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأن يتصالح هؤلاء مع أنفسهم قبل التصالح مع الآخرين ويحاسبوا أنفسهم قبل حساب التاريخ وأمام الله !