جيش الاحتلال يعلن مقتل أحد جنوده في اشتباكات بقطاع غزة    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    لينك و موعد نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025 برقم الجلوس    منظمات أممية تدعو إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    مساعدات عاجلة واستئناف «هدنة غزة».. تفاصيل مكالمة وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    مصرع طفلتين غرقا في ترعة بسوهاج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    أفضل وصفات طبيعية للتخلص من دهون البطن    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    سي إن إن: إسرائيل تستعد لضربة محتملة على المنشآت النووية الإيرانية    وزير دفاع سوريا: قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات يصب في مصلحة الشعب    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    واقف على باب بيت وبيقرأ قرآن، نجل سليمان عيد يروي قصة حلم شخصين لا يعرفهما عن والده    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    ترامب يطلق حرب نجوم جديدة ويسميها "القبة الذهبية" بتكلفة تصل إلى نحو 175 مليار دولار    ترامب يتهم مساعدي جو بايدن: سرقوا الرئاسة وعرضونا لخطر جسيم    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأم في حياة.. أربعة أنبياء
نشر في آخر ساعة يوم 18 - 03 - 2014

هناك قصص عن أمهات فضليات.. أمهات قمن بتربية من اصطفاهم الله ليكونوا أنبياء يهدون الناس قاطبة إلي الطريق السوي، والهدي المبين..
لقد كان دور الأمهات في حياة الأنبياء الأربعة:
إسماعيل، وموسي، وعيسي، ومحمد.. عليهم أزكي الصلاة والسلام، من أهم الأدوار في تلك الرسالات السماوية..
لقد يبدو من عجب الاتفاق أنهم عليهم السلام قد عهد بهم في طفولتهم إلي الأمهات وحدهن دون مشاركة الآباء، فلم تقم الأم بدورها الطبيعي فقط، بل عوضت إلي جانب فقد الأب أو غيابه.. غير أننا نري الآن هذا الوضع طبيعيا لا غرابة فيه ولا مصادفة، ولا اتفاق، إذ إن الأمومة في عاطفتها الجياشة وإيثارها الرائع، أقرب إلي أن ترعي أصحاب الرسالات الدينية التي تقوم علي الروحانية وما كانت السماء لتجحد هذه الصلة، ولا كانت الأديان التي جمعها أبناء ربتهم أمهاتهم، بالتي تؤخر مكان الأم أو تضعها في غير موضعها العتيد.
فما هي قصة الأمهات الفضليات التي ذكرها القرآن الكريم؟
إن قصة إسماعيل وأمه رضي الله عنهما، تبدأ عندما هاجر إبراهيم إلي فلسطين، ومعه زوجته «سارة» وخادمتها «هاجر» كانت سارة عقيما لا تلد وأحزنها أشد الحزن عندما رأت زوجها يتطلع إلي أن يكون له ذرية، ولكنها بلغت من الكبر عتيا، فأشارت إلي زوجها أن يدخل بخادمتها «هاجر» علها تنجب ولدا تشرق به حياتهما، ويسري عنهما بعض ما يجدانه من لوعة الوحدة، ومرارة الوحشة.
ودخل إبراهيم عليه السلام بهاجر، فانجبت غلاما زكيا هو إسماعيل فانتعشت نفس إبراهيم، وقرت عيناه، ولكن الغيرة بدأت تأخذ طريقها إلي قلب سارة، وظلت حزينة، ولم تستطع أن تتحمل الفرحة التي كانت مرتسمة علي وجه إبراهيم ووجه «هاجر» فطلبت من إبراهيم أن يقصي «هاجر» وابنها عن دارها وأن يذهب بهما إلي مكان بعيد جدا، حتي لا تسمع صوتهما ولا تقع عيناها عليهما.
مع إسماعيل وهاجر
وكان الله قد أوحي إليه أن يطيع طلبها، فاستجاب إلي رجائها، وركب دابته، واصطحب الغلام وأمه. وسار بهما طويلا في الصحراء، حتي استأنس مكانا، فوقف وأنزل هاجر وابنها إسماعيل.. وترك قليلا من الطعام والماء، وإيمان بالله يعمر قلبيهما؟
وقد وصف هذا المشهد كثير من المفسرين، وحاولوا جاهدين أن يصوروا ما حدث مستوحين بآيات القرآن، فمن الممكن حدوثه، أن تستعطف هاجر إبراهيم عندما رأته يبدأ في الرحيل.. وربما سألته قائلة: إلي أين تذهب يا إبراهيم.. ولمن تتركنا بهذا الوادي.. الموحش المقفر.
ولا شك أنها حاولت استعطافه، ولعلها قد توسلت إليه بفلذة كبده ترجوه ألا يتركهما للجوع، وقسوة حرارة الشمس وربما ظلت تبكي، وتتعلق بثيابه، وبخطام دابته، توسلت إليه ألا يتركهما بلا حارس يحميهما من هجمات الذئاب والوحوش.. ولعله لم يستمع إليها لأنه كان موحي إليه بكل ما يقوم به من أعمال.. فلم يقل لها شيئا سوي إن الله قد أمره بهذا، فلابد من الخضوع لأمر الله، والتسليم له ، والإيمان به..
الامتثال لأمر الله
وامتثلت هاجر لحكمة الله.. ومرت الأيام، ونفد الماء والطعام وجفت ريقها من شدة الحر، فاحتملت صابرة، ولم يلبث أن جف ضرعها، وأصبحت لا تجد لبنا ترضعه الطفل.. واشتد صراخه، فتفتتت نياط قلبها، وانهمرت دموعها مدرارا وودت لو تروي ظمأه بدموعها لتنقذه من العطش المميت ونظرت هنا وهنا، فلم تجد إلا الرمال تنتظرها، وظلت تعدو في الصحراء المقفرة، لتبحث عن نقطة ماء، ولكن بحثها وجريها وراء السراب.. لم تثمر شيئا، فلم تجد إلا الطفل وقد علا بكاؤه، وكان يتلوي من ألم الجوع، وكان يضرب الأرض بقدميه..
وحدثت المعجزة.. لقد تفجرت المياه من تحت قدمي الطفل.. قدمي إسماعيل.. فبهرت الأم.. لما حدث.. واستقر إيمانها بالله فارتوت بعد أن شرب إسماعيل من العين المتفجرة.. عين زمزم التي مازالت قائمة حتي اليوم.. يزدحم حولها الحجاج ليفوزوا بقطرة.. ولما نبع الماء تكاثرت الطيور، فحومت حوله وحلقت فوقه.. وكان قوم من جرهم يسيرون قرب المكان، فرأوا الطير يحط في ساحته.. وأنهم ليعرفون أن الطيور لا تقع إلا علي الماء، فرجع يزف إلي قومه البشري، فوفدوا إليه زرافات ووحدانا، واتخذه بعضها موطنا ومقاما.
الأم تشكر ربها
فأنست هاجر بهم، واطمأنت إلي جوارهم، وشكرت الله أن جعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
ثم شب إسماعيل، وذاع صيته، واختلط القوم.. وتزوج بواحدة منهم وأحس بالسعادة تغمره، ولكن المنية اختطفت أمه، فعز عليه فقدها، وتقطر قلبه حزنا عليها، فقد تعهدته في مهده، ورعته في طفولته، وأظلته بحنانها في شبابها، وكانت له أكبر معين في كل الأزمات والملمات.
أما الأم الثانية التي وردت في القصص القرآني فهي «يوكابد» أم موسي وقد جاءها المخاض.. وولدت موسي.. وعندما أبصرته طفلا ذكرا.. اضطرب قلبها، لأنها كانت تعلم أن فرعون قد أمر بقتل كل مولود في بني إسرائيل، لأن الكاهن أخبره «أن ملك فرعون يذهب علي يد مولود في بني إسرائيل» وأصبح فرعون عدو الأطفال: وعندما خافت يوكابد علي ابنها الوليد وخشيت أن يعلم جنود فرعون وعيونه بمولد ابنها فيأخذونه منها، ويقتلونه كما فعلوا مع كثير من الأطفال، واحتارت في أمرها.. ماذا تفعل لتنقذ وليدها من الهلاك المحقق؟
مع امرأة فرعون
ولكن الله ألهمها أن تهيئ للوليد صندوقا، وأن تضعه فيه، ثم تلقي به في النيل، وترسل علي الشاطئ أخته لقص أثره وظلت أخت موسي تقص أثره حتي رأت امرأة فرعون وهي تأمر خدمها أن يأتوا بالصندوق العائم في النيل، وعندما عرفت أن طفلا فيه، طلبت رؤيته فأحبته ثم طلبت من زوجها فرعون أن يتبنيا الطفل ليكون ابنا لهما.. بينما كانت «يوكابد» في قلق شديد علي مصير ابنها، وكانت في انتظار ابنتها لتخبرها ماذا حدث للطفل.. وعادت أخت موسي إلي أمها لتخبرها بما حدث، فأزداد قلق الأم علي وليدها الذي وقع في أيدي آل فرعون.
وحاولت زوجة فرعون أن تجعل المراضع يرضعن الطفل، ولكنه عاف المراضع.. وعندئذ انبري «هامان» وأشار علي أخت موسي قائلا.. إن هذه الطفلة تعرفه، فخذوها حتي نعرف منها شيئا.. وقالت الفتاة.. إنما أردت أن أكون للملك من الناصحين، وإنني أعرف مرضعا تستطيع أن ترضع الطفل الصغير.. فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله.. وذهبت الفتاة إلي أمها وأخبرتها بما حدث، فأسرعت مهرولة إلي فرعون، وتقدمت من طفلها لترضعه فالتقم ثديها من دون المرضعات، فدهش فرعون وقال لها.
من أنت؟
إنني امرأة طيبة الريح.. طيبة اللبن.. لا أوتي بصبي إلا قبلني.
إلي القصر الفرعوني
عندئذ طلب منها فرعون، أن تأخذ الطفل لترضعه، وأجري عليها رزقا.. فرجعت بالطفل إلي بيتها، والسعادة تغمر جوانب قلبها، فقد كافأها الله علي إيمانها وصبرها.. وأتمت «يوكابد» رضاع ابنها موسي، ثم أرسلته إلي القصر الفرعوني ليكون لهم عدوا وحزنا.. وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَي.. أوحي الله إليه بالنبوءة وأتاه العلم والحكمة.
والأم الثالثة هي «العذراء مريم» قبل أن تولد مات والدها قبل أن تقر عيناه برؤيتها، وكانت أمها تريدها أن تكون ذكرا، فلما رأتها أنثي تحسرت وحزنت إلي ربها، إذ كانت ترجو أن تلد ذكرا تهبه لبيت المقدس، وتقفه علي خدمته تقربا إلي الله، وشكرا علي نعمته.. ولذلك سمتها «مريم» ومعناها العابد وطلبت إلي الله أن يعصمها بعنايته، فحملتها إلي بيت المقدس، وقدمتها إلي الأحبار، ودفعتها إليهم قائلة:
دونكم هذه البنت.. فإني قد نذرتها لخدمة البيت..
ثم تركتها وانصرفت.. وهناك تكفلها زكريا.. وكان دائما يتفقد شئونها، ويتردد عليها في محرابها ليطمئن علي حالها.. واستمر علي ذلك حتي رأي يوما شيئا عجب له، بل فيما رآه.. ذلك أنه كلما دخل عليها زكريا المحراب، وجد عندها رزقا، وعهده بها ألا يدخل إليها أحد، فلم يستطع تفسير ذلك، وحاول أن يعرف ذلك السر العجيب، فاتخذ عدة أساليب، ولكنه لم يوفق، فدخل عليها وقال:
يا مريم.. أني لك هذا الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه.. والأبواب مغلقة عليك؟
رزق من الله
إنه من عند الله.. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب..
عندئذ علم أن الله قد اختصها بمنزلة دونها منازل الناس، وأنه قد اصطفاها علي نساء العالمين.
وفي يوم ما اعتكفت مريم كعادتها تصلي لله وتعبده، فاضطربت نفسها فجأة وداخلتها رهبة لم تعهدها من قبل وظهر أمامها ملك من السماء، وقد تمثل لها بشرا سويا، لتأنس به، ولا تنفر منه، فحاولت الهروب، واستعاذت بالله، إذ ظنته معتديا أثيما، ولكنه أعاد إليها طمأنينتها، وسكن روعها، ثم طفق يتحدث إليها قائلا..؟
إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا..
فغشيتها سحابة من الحزن، وطافت بها موجة من الأسي ولكنها استجمعت شارد قوتها، وقالت له.
أني يكون لي غلام، ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا..
فقال:
كذلك قال ربك هو علي هين، ولنجعله آية للناس ورحمة منا.. وكان أمرا مقضيا..
ثم مضي واختفي.
من المقدس للناصرة
وجلست حائرة تفكر فيما سمعت، ولا شك أنها تخيلت ما سيقوله الناس: عذراء تحمل من غير أن تتزوج، فارتاعت وتملكها الخوف، فظلت دائمة التفكير في ذلك الرهيب الذي بدأ يتحرك داخل أحشائها.. ومرت الأشهر، وهي تقاسي الآلام النفسية المبرحة، وتنتابها الوساوس، وتمضي أكثر وقتها منفردة مع نفسها، ورحلت عن «بيت المقدس» إلي «الناصرة» منبتها ومسقط رأسها فأقامت في بيت ريفي عن الناس متظاهرة بالتعب والإعياء، خوفا من أن يكتشف أحد السر الذي يتحرك في أحشائها واقتربت ساعة الوضع، وأحست ألم المخاض وخرجت من القرية.. فألجأها المخاض إلي جذع نخلة يابسة وهي وحيدة منفردة بلا يد رحيمة تساعدها في محنتها وتخفف آلامها، وتعالجها وهناك قاست تلك الأم العذراء آلام الوضع.. وفي الفضاء الواسع ولدت الطفل.
وعندما رأته اشتدت حسرتها، وجعلت تتمني لو ضمها القبر فقَالَتْ:
يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.
ولكنها ما لبثت أن سمعت صوتا يرن صداه في آذانها، فبددت مخاوفها فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا..
لا تحزني يامريم
«أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً» يجري ماؤه في تلك البقعة الجرداء.. «وهزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً...» فكلي منه ليعيد إليك بعض ما فقدت من قوة واشربي وقري عينا، واطمئني قلبا، بما ترين من قدرة الله التي اخضر بها جذع النخلة اليابسة، وطيبي نفسا، بما حباك الله من جريان الماء في تلك البقعة المقفرة.
لقد كانت تلك المعجزة بلا شك أقوي دليل علي براءتها، وأسطع برهان علي طهرها وكان ذلك المولود الصغير وقد أطلعه الله علي سبب حيرتها، وكشف له عن دخيلة نفسها، فكفاها الكلام بما يبرئها، وأخذ علي نفسه الجواب عما يوجه إليها.. فقال:
«فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» وعندما ذهبت إلي قومها رأوا الطفل علي ذراعيها.
يامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا»...
لم تنفرج شفتاها، وعقد الحياء لسانها، والتزمت الصمت وقالت:
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فلن أتكلم بكلمة، أو أرد سؤالا، وإن أردتم أن تعرفوا الحقيقة، فاسألوا الغلام.
الكلام في المهد
فعجبوا من أمرها.. وسخروا منها وقَالُوا:
« كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً».
وانطق الله الطفل بتلك الكلمات التي برأت أمه من كل التهم والافتراءات، وقَال:
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا».
عندئذ انجلت عن صدر مريم الهموم، وانداحت فيه نشوة هزتها، فانهمرت دموع الفرح من مآقيها.. ودخلت مريم دار أهلها، فإذا أشرقت الشمس جلست أمام الباب تداعب ابنها، وتمد بصرها إلي ما حولها، فتحس انشراحا، كأنما ردت إلي شبابها، والتلال توجت بأشجار التين، والزيتون فلاحت في النور زاهية، وانطلقت الأغنام ترعي العشب هادئة بريئة، براءة ذلك الطفل الراقد في حجرها يهز يديه ورجليه في صرح ثم كبر عيسي عليه السلام، وأدي الرسالة التي كلف بها، وأنار السبيل إلي عبادة الله الحق المبين.
آمنة بنت وهب
والأم الرابعة هي أم الرسول [، آمنة بنت وهب بن عبد مناف.. وتبدأ القصة عام 571 ميلادية، عندما اجتمعت في ذلك اليوم النسوة عند السيدة آمنة بنت وهب، كانت النساء يرحن ويغدون حول صاحبة الدار آمنة التي جلست هادئة لا تشاركهن حركتهن الكثيرة، وإن كانت أكثرهن فرحا وسرورا.. فقد كانت في انتظار عودة القافلة التي خرجت من مكة منذ شهور وغايتها «غزة» في جنوب الشام.. وكانت الأنباء قد ترامت إلي أهل مكة بأن القافلة علي أبواب هذه المدينة.
فخرج الشبان علي عادتهم ينتظرونها وجعلت النسوة يجتمعن عند من كان لها في القافلة رجل أو زوج.. أو ابن.. أو زوج ابنة.. ودخلت القافلة العائدة إلي مكة، فترك الرجال منها، وهرعوا إلي بيوتهم، تستقبلهم زوجاتهم مرحبات، ويستقبلون هم بيوتهم فرحين راضين..
وانتظرت آمنة بنت وهب أن يعود زوجها عبدالله، فلم يعد، فحسبت أنه لقي أحدا في طريقه إلي داره، فحدثه، وطال الحديث فعاقه قليلا، ولكن الانتظار طال، وعبدالله لم يعد، فانتابها القلق، واشتاقت إلي رؤية زوجها الذي لم يبلغ الخامسة والعشرين.. ولكن عبدالله لم يعد، وعلمت آمنة بنت وهب أن زوجها في «يثرب» عند أخوال جده، لأنه مريض مرضا عاقه عن السفر إلي مكة.
ثم جاءها النبأ المفجع، فقد فاضت روح زوجها وهو في «يثرب» ودفن بها عندئذ انطوت علي نفسها، وكل عزائها الجنين الذي يتحرك في بطنها، والذي لا تشعر لحمله بما يشعر به النسوة من ألم وتعب.
مولد رسول الله
وفي يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وضعت آمنة جنينها، فنزل إلي الحياة يتيم الأب وأسرع عبدالمطلب والد عبدالله إلي آمنة، فوجد طفلها إلي جانبها، فحمله وقبله، وأسرع به إلي الكعبة، حيث سماه «محمدا».. وعندما أصبح محمد في السادسة من عمره، ذهبت به أمه إلي يثرب ليزورا معا قبر «عبدالله» والده، زوجها، وليزورا أيضا أخواله من بني النجار فلما فرغت الزيارة وقفلا عائدين، ماتت آمنة، ودفنت في «الأبواء» وهو مكان بين مكة والمدينة.. وبذلك كمل يتم الطفل.
وقد عاش محمد عليه الصلاة والسلام مع والدته قبل مماتها بثلاث سنوات، لم يشعر خلالها بقسوة اليتم ومرارته، فقد سبغت عليه من حنانها، وعطفها، بحيث عوضته فقدانه لأبيه.
ولا شك أن أمهات الأنبياء إسماعيل وموسي، وعيسي، ومحمد عليهم جميعا أزكي الصلاة والسلام، قد قمن برعاية خاصة لأطفالهن، بالنسبة للظروف الخاصة التي أحاطت كل نبي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.