العرابون.. الراسبوتينيون هواة شهوة السلطة وذائقة أمراض العظمة الفادحة والطموحات الشخصية والتي يدفع ثمنها الدامي الأغلبية المنومة والغافلة دوما عن الخطر الداهم ومنهم من يتسترون وراء العقيدة هذا ما أبرزه وحيد حامد في مسلسله الرائع الجماعة. فكان أن نزع بذكاء باهر ويسر الغلالة التي تستر حقيقة غائمة عن جذور الجماعة، فيداهمنا شبق الهيمنة، النرجسية الشاهقة، هذا التعالي علي الآخر باسم الدين، أيضا غريزة القتل والتحكم في أقدار الآخرين ولعبة دور الإله!! فمن لا ينتمي إلي الإخوان فهو خارج علي العقيدة. ولا أحد ينكر أن حسن البنا يتمتع بذكاء عبقري وسمات الزعامة وهذه ليست القضية وإنما الخطورة في توظيف هذا النبوغ لتحقيق أمجاد وأطماع ذاتية باسم الدين ومن ثم احتكار الفضيلة، العدالة والصواب. وتتجلي من خلال الجماعة تلك الجدائل المدمرة والموقوتة عن مساندة التيار الوهابي منذ البداية ثم الضباط الأحرار للإخوان. وتجنح الجماعة للمزايدة والخروج علي العقيدة ذاتها فتكون السيطرة المطلقة والتقليل من شأن الآخر. فالتي ترتدي الحجاب تشعر بالتفوق علي السافرة والتي قد تتمتع بالفضيلة الضمير، النقاء، النزاهة والرحمة أي كل ما يمس الجوهر، والتي تتلفح بالنقاب تشعر المحجبة بالدونية، حلقة مفرغة، عبثية من هواجس العظمة والتفوق. وجاء التصعيد من خلال المسلسل برقي ليبرز علي مهل خبيئة النفوس وخائنة الأعين وترك وحيد حامد الأحداث والأفعال تسفر عن نفسها دون اللجوء لأساليب الدراما التقليدية »الفجة«. ويشرق الديكور والمناظر لأنسي أبوسيف والتصوير يحاكي لوحات المستشرقين الذين ولجوا لروح الأمكنة علي سبيل المثال لويس وجيروم فجاءت الأجواء مسحورة تبرز غموضا ما وضبابية آسرة تعلن عن فحيح المؤامرة في الأسواق، الأقبية حيث تحاك الفتن، حيث تتواصل الجماعة مع إرهاصات التيار الوهابي في مصر حتي الأثاث الداكن العتيق يحمل في طياته مصداقية الزمن، الغلظة والقتامة. ويبزغ إخراج محمد ياسين المحلق بكل عناصر تلك المعزوفة الفاتنة، فينجح في استخلاص الرحيق البديع لكل المشاركين في الجماعة الذي بالرغم من ألقه يبث الحزن والحسرة وأحيانا الغيظ من هذا التاريخ المخضب المفجر لهذا الحاضر المحبط.