»الهروب من الواقع« هذا ما يعيش فيه مرضي الإيدز ليس في مصر فحسب بل في العالم كله ، فجميعهم ينكرون هذا المرض ويتنصلون منه كأنه وصمة عار ستظل تلاحقهم وأسرهم معا ، الحق معهم فيما يفعلون وما يعتقدون فالمصاب بهذا المرض يكون بمثابة الهارب من جريمة ولابد من معاقبته. المجتمع يعاقبهم وأصدقاؤهم يفرون منهم وأسرهم تتبرأ منهم حتي فلذات أكبادهم يودون أن يمحوا اسم أبيهم أو أمهم من شهادة ميلادهم حتي لايتذكروا أن أيا منهم أصابه المرض اللعين، الشك يلاحقهم طوال إصابتهم بالمرض وكالعادة لا يصدقهم أحد في سبب نقل العدوي لهم، وأول ما يخطر ببال أقاربهم هو "سوء سلوكهم" حتي إن كان الجميع يشهد لهم بحسن سمعتهم. الحقيقة تضيع بين الزوج وزوجته حينما يعرف أن أحدهم أصابه الفيروس ويصل الأمر إلي القتل في بعض الأحيان، فيقتل الرجل زوجته لعلمه بمرضها ويغفل تماماً أنه هو السبب الرئيسي في إصابتها بسبب علاقاته الطائشة في الصغر، وبالرغم من أن إكتشاف المرض يأتي متأخراً إلا أنه يعيش مع الضحية لأكثر من عشر سنوات متواصلة وينتهي بالموت. حكايات.. تنزف دما لم يكن سهلاً علينا أن نتحدث لعدد من مصابي الإيدز، كونهم يعيشون في معزل عن الجميع حتي عن أقرب الناس لهم، هم أناس لا يعرفون سوي الظلام والكتمان، فهو صديقهم ورفيق دربهم في محنتهم التي لن تنتهي إلا بموتهم، حكايات وقصص أقرب إلي الخيال من الواقع ولن يصدقها أحد من المحيطين بهم، ولأنهم يتهمون الإعلام بأنه يغفل حقوقهم، كان يجب علينا أن نصل لبعض منهم لنروي قصصهم التي لا يعلم حقيقتها إلا الله. »س. ح« سيدة في الأربعينيات من عمرها علمت بمرضها وهي في الحادية والثلاثين عندما علمت بحملها في الطفل الثالث، فعند إجرائها فحوصات الدم المطلوبة منها علمت بهذا المرض اللعين، وتأكد حينها أن ما تحمله في أحشائها بالتأكيد قد أصيب بالمرض، وبات كل ما يشغل بالها هو معرفة السبب وراء إصابتها، ولم تجد إلا زوجها كي تواجهه بالاتهامات تارة وبحزنها تارة أخري علي مصابها. سباب وضرب وتعذيب تلقتها الزوجة من زوجها بعد أن طلبت منه إجراء تحاليل للتأكد من عدم إصابته بالمرض، وهنا ذهب عقل زوجها وأخذ يوبخها ويشكك في سلوكها وهددها بالطلاق وطالبها بالإجهاض، وذهب الزوج ليطمئن علي نفسه ليكتشف أنه مصاب بالمرض منذ أكثر من 6 سنوات ولا يعلم عنه شيئاَ. دائرة الاتهام لم تغلق بعد فالشك بين الزوجين لا يزال قائماً، وهنا اعترف الزوج لزوجته بأنه أقام علاقات محرمة قبل زواجهما وقد يكون هذا السبب وراء إصابتهما، والزوجة لم ولن تسامح زوجها علي ما فعله بها، انفصلت عنه وأخذت تربي أبناءها بعيداً عن الحي التي كانت تقطن فيه وتنتظر هي الأخري الموت بين ليلة وضحاها. تحديات كثيرة واجهها "ع.أ" بعد أن علم بإصابته بالمرض ، ولكنه ظل واقفاً علي قدميه لا يهزه شيء، وواجه مرضه بكل شجاعة وثبات، روي لنا قصته مع المرض حيث أكد أن سبب إصابته هو نقل الدم من شخص مصاب. وأكد المصاب أنه تعايش مع المرض وواجه المجتمع بكل سخافاته، مشيراً إلي تعرضه لضغط نفسي كبير من قبل المحيطين به، ولكنه تغلب علي ذلك بالصبر والمثابرة، ولفت إلي أن مرض الإيدز لم يعد حملاً علي كتفه مشيراً إلي أنه تعايش معه بشكل طبيعي وهو بالنسبه له ك"الأنفلونزا". الإعلام مخطئ "س.ر" رجل في الخمسينات من عمره ، ظل مريضاً لأكثر من 7 سنوات دون أن يعلم، ولا يعلم شيئاً حتي الآن عن الطريقة التي انتقلت بها العدوي له، كما أنه يؤكد أنه لم يقم أي علاقات محرمة قبل زواجه وحتي بعد وفاة زوجته، مشيراً إلي اعتقاده أن المرض انتقل له عن طريق فحص أسنانه في مرة من المرات، وأكد "س" أن الإعلام المصري أخطأ كثيراً في تناوله لمرض الإيدز حيث أنه يصور الضحايا علي أنهم مخطئون وما يحدث لهم نتيجة أفعالهم، ولفت إلي أن وسائل الإعلام لها دور رئيسي في نشر الصورة الحقيقية عن طرق انتقال العدوي وأساليب الوقاية من الفيروس، وتحسين الصورة السلبية عن المتعايشين وإيصال صوت مريض الإيدز وحقه في الحصول علي الحقوق الإنسانية التي تكفل له الحياة الكريمة، لأن هذا هو أول طرق العلاج. أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر الشريف، أن من مات بمرض الإيدز فهو "شهيد"، مشيراً إلي أنه مات مبطوناً. وقال كريمة: "صفة وفاة هذا المبطون أنه شهيد في الآخرة، كما أن من يصبر علي مرضه له منزلة الشهداء عند الله"، واستند كريمة إلي الحديث الشريف : "من مات مبطوناً فهو شهيد". وطالب أستاذ الشريعة، المجتمع بالتعامل مع المرضي بصورة طيبة، وعدم نبذهم والتحلي بروح وأخلاق الإسلام الحسنة في التعامل مع هؤلاء المصابين، الذين لا ذنب لهم في مرضهم. 97٪ منهم رجال مصر تعتبر دولة ذات معدل انتشار منخفض للإصابة بالمرض، هذا ما أكدته الدكتورة مها الرباط وزيرة الصحة، خلال مشاركتها في مؤتمر اطلاق التقرير الاقليمي لبرنامج الاممالمتحدة المشترك المعني بالايدز لمنطقة الشرق الأوسط ، مشيرةً إلي أن عدد المتعايشين مع مرض الإيدز في مصر 3477 مصابا 79٪ منهم من الرجال و21٪ من السيدات، و90٪ في الفئة العمرية من 15 إلي 50 سنة. وأكدت الرباط أن معدل انتشار مرض الإيدز بمصر أقل من 0.2٪ وأن المعدل التقديري لحدوث العدوي أقل من 4 لكل مليون مواطن، مشيرة إلي ضرورة الاستمرار في بذل الجهود للسيطرة علي المرض لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر من أكثر المناطق نموا في انتشار المرض وزيادة خطر الإصابة به. وقالت الوزيرة، في كلمتها بمؤتمر اليوم العالمي للإيدز أن طرق العدوي الرئيسية في مصر عن طريق الممارسات الجنسية وتبلغ نسبتها 77٪. ولفتت الرباط إلي أن الوزارة وضعت في خطتها أولوية للوقاية من العدوي بفيروس نقص المناعة البشري الإيدز ورعاية المصابين، وتم إنشاء البرنامج الوطني للإيدز عام 1986 لخفض معدل الانتشار وتقليل الإصابة بالأمراض والوفاة المتعلقة بالعدوي بفيروس الإيدز ورعاية ودعم المتعايشين مع الفيروس وذويهم. وأكدت الرباط أن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإيدز هي من أخطر ما يكون، ومن أكبر المعوقات التي تواجه البرنامج الوطني لمكافحة المرض لأن الوصم الاجتماعي قد يلحق عائلات بكاملها، ما يوجد صعوبة في التعامل مع المرض. إحصائيات خاطئة قالت د. سوسن الشيخ، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لمكافحة مرض الإيدز ، إن إجمالي عدد من أصيبوا بفيروس نقص المناعة البشري "الإيدز" في مصر، منذ ظهور المرض بلغ حتي نهاية سبتمبر الماضي 4999 توفي منهم 1358 مصابًا بالمرض، وأن ثلثي الحالات تتراوح أعمارهم بين ال20 حتي 45 عامًا ، مشيرة إلي أن الأرقام التي أعلنت عنها الصحة مؤخراً ليست دقيقة. وشددت الشيخ علي أهمية ودور وسائل الإعلام لافتةً إلي أنها شريك أساسي لتأمين رد فعل المجتمعات تجاه القضايا المختلفة وتأمين استجابة فعالة تجاه المتعايشين بالمرض، من خلال إزالة كافة أشكال الوصم والتمييز ودعم حقوقهم الإنسانية وإعلاء قيمة التسامح وتعزيز سبل الرعاية الاجتماعية والصحية. وأوضحت الشيخ أن معظم المتعايشين مع المرض واجهوا تجارب سلبية خلال حصولهم علي الخدمات الصحية المتنوعة من القطاعين الحكومي والخاص، خاصة عند طلب إجراء خدمات جراحية وأحيانًا عانوا من الحرمان من تلقي الخدمة، وهو ما يؤثر علي حياة المرضي وأسرهم ليس فقط من الناحية العضوية، ولكن علي المستوي النفسي أيضًا، مشددة علي ضرورة التعامل مع مريض الإيدز علي أنه مريض وعدم عزله والتوسع في تنفيذ جلسات دعم المرض مع مراعاة الخصوصية والسرية التامة، وكذلك التوسع في تدريب كوادر من مختلف التخصصات، من خارج مستشفي الحميات لضمان توفير خدمة صحية متكاملة بدون وصم أو تمييز. الأطفال والإيدز وتبعاً لمنظمة الطفل العالمية يصل عدد أطفال الشوارع في مصر إلي مليون طفل وفي دراسة حديثة عن تصرفات هؤلاء الأطفال في القاهرة الكبري والإسكندرية وجد أن 67٪ من المشاركين في الدراسة بين 15-17 سنة قد مارسوا الجنس مع الطرف الآخر، ومن بين الذين مارسوا الجنس آخر 12شهرا 54٪ مارسوه مع أكثر من شخص، ولسوء الحظ غياب التعليم وغياب المعرفة بالمرض والفيروس له آثار سلبية عدة، حيث إن 79٪ سمعوا من قبل عن الفيروس بينما 16٪ لايعرفون كيفية تجنب الإصابة. وأكدت الدراسة الصادرة من البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز أن المعرفة بين عامة الشعب ضعيفة، حيث أن 7.1٪ من النساء (15-59 سنة) و18.1٪ من الرجال (15-59 سنة) لديهم معرفة جيدة بالفيروس ، كما أن هذا المستوي من المعرفة يقل في مراحل عمرية أصغر (15-24 سنة) خاصة بين النساء حيث تصل 4.8٪ علي عكس الرجال 18.3٪.