فرّق المطر والثلج بين أحياء الأغنياء وتلك التي يسكنها البسطاء، فالثلج اختار زيارة الأغنياء، أثناء موجة البرد القارس التي ضربت بقوة الأيام الماضية، بينما زار المطر أحياء الطبقة الوسطي والبسطاء، ليحول الشوارع إلي برك ووحل كشف اهتراء البنية التحتية في أحياء كثيرة، استمتع الأغنياء وتكدر البسطاء في أيام الطقس المتقلبة، خرج الفريق الأول ليلهو بالثلج في أحياء "القاهرة الجديدة" و"مدينتي" و"التجمع"، بينما لعب أبناء شبرا وإمبابة وبولاق -ونظرائها في المحافظات- في "الطين"، اختلاف ثقافات ربما، أو اختلال تنمية في الحقيقة، من لم يحالفه الحظ بمقابلة الثلج الذي يزور القاهرة وعدة محافظات، للمرة الأولي في الألفية الثالثة، جلس في المنزل بعيدا عن الأوحال التي سادت الشوارع. فرضت موجة الطقس الباردة إيقاعها علي الجميع، فلا حديث علي المقاهي ولا مكالمات بين ربات البيوت، إلا عن البرد الذي اقتحم البيوت بلا استئذان، مواقع التواصل الاجتماعي في مقدمتها "فيس بوك" و"تويتر"، تباري روادها في ترديد القفشات والإفيهات الساخرة من حالنا مع إرهاصات شتاء لم يأت بعد، خاصة مع ظهور الثلوج في القاهرة ورأس البر وسيناء. صفحة "أساحبي" الشهيرة علي "فيس بوك" كشفت الكثير من المرح عن شعب لم يجمد البرد خفة دمه، وانصبت السخرية علي الدرس الجغرافي الأشهر، بأن "جو مصر حار جاف صيفًا؛ معتدل ممطر شتاء"، بعد أن قلبت العاصفة "أليكسا" حقائق الجغرافيا، ونقلت أوروبا إلي قلب القاهرة. ودشن مستخدمو"تويتر" هاشتاج باسم "صباحالثلج"، وآخر باسم "الثلجوصلمصر"، وتباري رواد "تويتر"، علي كتابة تعليقات ساخرة كان أبرزها، "الثلج في مصر...بداية التعاون بين موسكووالقاهرة"، "شكرا بوتين علي صفقة الثلوج"، "بعد الثلج..نطالب بفصل مصر عن إفريقيا والانضمام إلي أوروبا". علي أرض الواقع اختلفت الامور كثيرا، فمحمود، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وجد متعته في اللهو بمياه المطر المتجمعة في الشوارع، بينما فضلت بسنت بنت الحادية عشرة، أن تخرج مع صديقاتها لتلهو بالثلج المتساقط علي ضاحية "القاهرة الجديدة". بعيدا عن السخرية من فشل حكومي متراكم منذ عقود في مواجهة المطر، الذي يثبت كل مرة أن "القاهرة تغرق في شبر مية"، كتبت موجة البرد فصولها الحزينة، فقد مات محمد حسن، من شدة البرد، وهو أحد المهمشين الذين لا يتوقف أمامهم أحد، رفض مستشفي إمبابة استقباله، بحجة أنه لا يعاني من أي أمراض، فيما كان مرضه الحقيقي "الفقر"، وقلة الحيلة، فانتظر الموت الذي تلحف بالبرد فانقض علي جسد هده الفقر والمرض، فسقط محمد قتيلاً برصاص البرد، لكن من أطلق الزناد؟!.