تفاوت أسعار الكعك في الأسواق أمر يمكن تفهمه، ويحدث في سلع أخري عديدة، كما يحدث في أسواق بلاد غيرنا.. لكن الذي توقف أمامه باندهاش وتعجب كثيرون هو علبة كعك مشكلة عرضت في السوق بسعر مبالغ فيه جدا، حيث وصل إلي بضعة آلاف من الجنيهات !.. ولم يتقلص أو ينحسر هذا الاندهاش بعد أن تبين أن هذا السعر المبالغ جدا فيه سببه أن علبة الكعك هذه مستوردة من الخارج، كما برر ذلك من يبيعها.. لكن لعل ذلك يحثنا مجددا علي مراجعة وارادتنا من الخارج لاستبعاد بعض ما يتعين علينا التخلي عنه والتوقف عن استيراده، خاصة وأن وارادتنا لم تتوقف عن الزيادة، وإن كانت نسبة الزيادة انخفضت في السنتين الأخيرتين بعد تعويم الجنيه. والتوقف عن استيراد بعض السلع غير الضرورية من الخارج ليس بدعة سوف ننفرد بها دون بقية الدول.. هناك دول فعلت ذلك قبلنا حينما وجدت نفسها تحتاج ذلك حماية لاقتصادها، خاصة وأن قوانين منظمة التجارة العالمية (الجات) تسمح لنا ولغيرنا اتخاذ قرارات بالتوقف عن استيراد بعض السلع من الخارج، وليس فقط تخفيض حجم وارداتها، لفترة من الوقت واتخاذ قرارات حكومية بذلك.. وفي قائمة وارادتنا من الخارج ما يمكن الاستغناء عنه ويكلفنا الكثير من الأعباء أهمها أعباء تدبير نقد أجنبي لاستيراد هذه السلع، في وقت نحن نحتاج فيه لزيادة مواردنا من النقد الأجنبي لتمويل ما هو ضروري من المشروعات الإنتاجية التي نحتاجها، وأيضا الحفاظ علي الزيادة التي حققناها في احتياطيات النقد الأجنبي لدي البنك المركزي، والتي تعد أحد مؤشرات تعافي اقتصادنا. بل إن هناك دول الآن في العالم تتخذ إجراءات إدارية وحكومية لتخفيض حجم وارداتها من الخارج، وتحديدا من بعض الأسواق الخارجية.. وها هي الولاياتالمتحدةالأمريكية تفرض عقوبات علي الصين تتمثل في فرض رسوم إضافية أو زيادة الرسوم الجمركية علي وارداتها للسوق الأمريكي لتوقف تدفق السلع الصينية عليها.. ولا تبالي واشنطن بأن ذلك يتعارض مع حرية التجارة العالمية التي قدمت نفسها من قبل حامية لها، بالترويج للعولمة، أو أن ذلك ينذر بحرب تجارية عالمية، بعد أن كررت فعل ذلك مع دول أخري. ونحن الآن في حاجة أكبر لترشيد وارادتنا من الخارج في ظل الارتفاع الحالي والمستمر منذ بداية هذا العام في الجنيه، والذي سوف يسهم بالقطع في انخفاض أسعار السلع المستوردة من الخارج مهما ماطل المستوردون أو كبار التجار في ذلك.. فقد كان انخفاض الجنيه من قبل بعد تعويمه سببا لتخفيض بعض وارادتنا من الخارج التي قل الإقبال عليها من قبل المستهلكين، وزادت تكلفة استيرادها علي المستوردين إلي الضعف تقريبا.. والآن بارتفاع الجنيه يصير ضروريا أن تقوم السياسة الاقتصادية، وليست السياسة النقدية بدورها في السيطرة علي الاستيراد من الخارج بوقف استيراد ما هو ليس بضروري ويمكننا الاستغناء عنه مثل علبة الكعك هذه التي أثارت الدهشة!