الأم مصدر الحب ونبع الحنان، كثير منا لا يدرك هذه الحقيقة، إلا متأخرا، وأحيانا بعد فوات الأوان، لكل من لا يشعر بأهمية أمه في حياتها، أسوق هذه القصة التي رواها أحد الشباب لتكون عبرة لغيره يقول: كنت أتصور حين كنت في العاشرة من عمري، أني أكره أمي وأنها أسوأ أم في العالم، فهي لا تسمح لي بتناول الحلويات، بحجة أنها ضارة، وتضع في حقيبتي بدلا من ذلك بعض الخضراوات والفواكه، آكلها علي مضض عندما يشتد بي الجوع، وكنت أسأل نفسي، لماذا يأكل الأطفال الحلويات ولا يحدث لهم شيء، كما أنها ترفض إقامة حفل ميلاد كأصدِقائي، بل ترفض ذهابي إلي حفلات أعياد الميلاد، بحجة أنه لا يوجد في هذه الحفلات سوي الحلويات المضرة والعصائر، لقد كرهت حياتي خاصة بعد حديث صديقي تامر عن لذة كعكة الكريما بالأناناس التي اشترتها له أمه، فرجوته أن يحضر لي قطعة كبيرة منها، وافق أن يحضرها لي مع العصير، عندما أخذت القضمة الأولي شعرت باضطراب في قلبي وبنشوة عارمة كأنني أركب قطار الموت الشهير في مدينة الألعاب، وأخذت من يده شراب التوت ثم أتيت علي ما فيه بلحظات، وبعد أن أنهيت وجبتي السرية، شعرت بدوار شديد وبدأت بالتقيؤ، شعرتُ بخوف شديد وصرخت بتامر: هل وضعت لي سما في الكعكة، ثم أغمي علي، وعندما استيقظت نظرت من حولي لأجد نفسي في سرير وسط غرفة باردة، تملؤها أجهزة غريبة تصدر أصواتا مزعجة، مكبل بالعديد من الأنابيب، تقدمتْ نحوي امرأة قالت لي أنا ممرضتك، سأنادي أمك حالا، دخلت أمي مهرولة وهي تحمد الله علي سلامتي، توقعت أن تكون غاضبة مني لأنني عصيتها، اعتذرت وقلت لها إن الله عاقبني، لكني فوجئت بها وهي تعتذر لأنها أخفت عني أنني مصاب بالسكري منذ كان عمري عامين، كي لا أشعر بالنقص أمام زملائي، وأنها كانت تحرمني الحلوي بسبب ذلك، وعندما أكلت هذه الكمية الكبيرة من السكر دفعة واحدة، حدث ما حدث، وقالت لي مبتسمة أنت حلو جدا ولا تحتاج إلي السكر، كم هي جميلة أمي أحبها كثيرا، لم تأكل الحلويات منذ إصابتي بالسكري، أمي رائعة جدا تستيقظ كل ليلة لتقيس لي نسبة السكر وتعطيني دوائي، أمي هي الحياة، لولاها لما بقيت حيا لليوم.