يري الكاتب عبيد السهيمي في صحيفة »الشرق الأوسط» ان مجتمع الفتوي تشكل علي أيدي البرامج الدينية التي تبثها القنوات الفضائية، لأنها شجعت الناس علي البحث عن فتوي تخص أمورهم الحياتية واليومية. وهذا المجتمع، في رأي الكاتب، شبيه بالمجتمع الكهنوتي، وخاصة في البلدان العربية حيث تحتكر طبقة معينة أسرار العلم الشرعي مما عطل دور العقل الناقد لصالح من يمسك بزمام الفتوي ويملك آلة الإفتاء. وهنا يقرر صاحب الفتوي أحيانا أحكاماً خطيرة فيما يخص الحلال والحرام. ويقول الشيخ قيس المبارك، عضو هيئة كبار العلماء السعودية إنه يقع من بعض الناس السؤال عن حكم أشياء لا يصح السؤال عنها. ويورد الشيخ قيس طرفة للإمام الأكبر ابي حنيفة النعمان، فيقول إن رجلا طرح علي الإمام السؤال التالي: »إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر لأغتسل، هل اتوجه إلي القبلة أم إلي غيرها»؟ فقال له الإمام النعمان: »الأفضل أن يكون وجهك تجاه ثيابك لئلا تسرق»! هذا النهج الاجتماعي في البحث عمن يفسر الأحكام ويفكر بالنيابة عن الآخر يمثل معضلة يختصرها الكاتب العربي محمود الصباغ، في جملة واحدة: »انحرافنا عن مدار المجتمعات المعرفية التي تقوم علي قيم راسخة من الإبداع والاستقلال والانتقاد». وفي وقت من الأوقات، أفتي شيخ مصري بجواز أكل لحوم العفاريت! وأفتي آخر بأن كعب حذاء المرأة حرام!، وأفتي إمام مسجد مغربي بزواج الأطفال من الأثني في سن التاسعة! والمشكلة، في رأي الباحث السعودي »رائد السمهوري»، ان ما يقوله صاحب الفتوي ليس مجرد »فهم» للنص، بل إنه يطرحه وكأنه يحمل موافقة وتوقيعا من الله، فهي مسألة أشبه بالنيابة عن الله! فهو يوقع المراسيم بدلا منه! والنتيجة هي ارتباط حياة المجتمع بالفتوي وصاحبها، فلا يقدم المجتمع رجلا ولا يخطو خطوة.. إلا بفتوي. ويقول الدكتور تركي الحمد ان القاعدة الفقهية التي تؤكد ان الأصل في الأمور الإباحة ما لم تحرم بنص شرعي.. هذه القاعدة قد انقلبت لتصبح تغليب التحريم في كل شيء ما لم تقل آلة الإفتاء انه حلال إذن، فالقاعدة الآن ان الحرام هو الأصل - أما الحلال فهو الاستثناء، الأمر الذي يدفع البعض من الناس إلي توجيه اسئلة متدنية من الناحية الفكرية، مثل: »هل يجوز الأكل بالملعقة أم لا؟!». إنه مؤشر علي التخلف.. عندما يندفع الناس للحصول علي فتوي لكل شيء. ومن هنا، يري الدكتور تركي حمد ان إدمان إطلاق الفتاوي أصبح أقرب الطرق إلي، الوجاهة، بعد ان اخذ هذا الدور يضفي »قداسة» علي من ينتهجونه مما جعله وسيلة للترقي الاجتماعي في بعض الدول، واصبح من يعارض المفتي كما لو كان يعارض الله وتحيط به هالة من التعظيم والإجلال. هكذا، يضمر التجديد والابداع، وتصبح الحياة - في أدق تفاصيلها منوطة بالفتوي. وما يلفت النظر ان الصحابة كانوا يتجنبون الفتوي.. أما الآن، فإننا نشهد تقاتلا علي إصدارها. ولذلك، فإن توجه وزارة الأوقاف إلي تنظيم الفتوي.. خطوة هامة لتصحيح الأمور.