هذا »الشذوذ» مكانه تحقيقات الشرطة والنيابة، ومصيره زنازين السجون. البشاعة في جريمة مثل »جريمة المريوطية» تجعل الروح تنزف ألما. كشف أسرار الجريمة بسرعة أزال شبهة الاتجار بالاعضاء البشرية، لكنه وضعنا أمام عالم يمتزج فيه البؤس بالانحلال بدرجة مخيفة. أضواء الإعلام لابد أن تنحسر، لتترك مكانها لمؤسسات البحث العلمي والدراسات الاجتماعية لتقول لنا كيف ينحدر البشر إلي هذا المستوي؟ وكيف أصبح لدينا أطفال يولدون ويعيشون ويموتون بهذه الطريقة؟ وكيف تكون هناك امرأة »لا يمكن أن توصف بأنها أم» تفعل ما فعلته امرأة المريوطية؟ فلندع القانون يأخذ مجراه. ولندعم مؤسسات البحث العلمي لكي نعرف ونفهم ثم نعالج كما ينبغي. وليبقي كل ذلك في دائرة »الشذوذ» لأن القاعدة في مكان آخر، حيث المرأة المصرية العظيمة تضرب المثل في التضحية والأمومة ورعاية الأسرة.. كما تضرب المثل في التقدم وتحمل المسئولية، رغم ميراث الجهالة وأباطيل المتاجرين بالدين والمناصرين للتخلف. خذ الأم المصرية في أحدث تجلياتها مع نتائج الثانوية العامة والمتفوق محمود صبحي ابن كفر الشيخ والرابع علي الثانوية يقول لنا : أبويا مات وأنا عندي سنتين، وأمي بتبيع أنابيب الغاز علشان تصرف علينا. هذه هي الأم المصرية علي حقيقتها. اتركوا جانبا هذه »القشرة» البسيطة التي تملك ما يمكنها من بناء مجتمعها الخاص بساحله الشمالي وبمدارسه وجامعاته »وكومباونداته». واتركوا جانبا حكايات »الشواذ» الذين غرقوا في أوحال الجريمة والانحلال. مصر الحقيقية تبقي هنا، حيث الأمهات الحقيقيات. وحيث الحفر في الصخر من أجل ابناء يستحقون الأفضل. أمهات يتحملن قسوة الأيام ويصنعن الأمل. كادحات يبحثن عن لقمة العيش الكريم يوما بيوم، وأخريات من الطبقة الوسطي يفعلن المستحيل للإبقاء علي »الستر» ولإبقاء أبواب المستقبل الأفضل مفتوحة أمام ابنائهم. أجمل ما في المصرية أنها »أم» وأجمل ما في أمومتها أنها عطاء لا يتوقف. هذا هو ما يقوله لنا نموذج السيدة الكريمة بائعة الأنابيب وابنها المتفوق . ننحني إجلالا لها ولملايين الأمهات في مصر. نعرف حجم العبء الذي تتحمله كل أم مصرية، ومقدار العطاء الذي تقدمه . السيدة »أم محمود» كانت تختصر بعض القصة وهي توزع الأنابيب.. وتزرع الأمل.