عندما قام وفد من كبار المسئولين الاسرائيليين بزيارة البيت الأبيض في 13 فبراير 2017، كان الهدف هو مطالبة الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب بضرورة التوقيع علي خطاب سري سبق ان وقع عليه أربعة رؤساء امريكيين سابقين حول الترسانة النووية الاسرائيلية التي لم يتم الاعلان رسميا عن وجودها في أي يوم من الأيام. وكانت المفاجأة ان مسئولي الادارة الامريكية الجديدة، الذين يتلهفون علي تقديم أي خدمات لإسرائيل، يجهلون كل شيء عن هذا الخطاب السري. وزاد ارتباكهم بسبب إلحاح الوفد الاسرائيلي علي ضرورة الاستعجال. فما هي حكاية هذا الخطاب السري؟ كانت اسرائيل قد امتلكت السلاح النووي عشية حرب يونيو 1967. واجتمعت رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير مع الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض عام 1969، وتوصل الجانبان إلي تفاهم غير مكتوب علي أن تمتنع اسرائيل عن الاعلان عن امتلاكها للسلاح النووي ولا تجري تجارب نووية ولا تهدد باستخدام هذا السلاح (وهو ما عرف بسياسة الغموض النووي). وفي المقابل، يتعهد الامريكيون بعدم ممارسة أي ضغط علي اسرائيل لكي تتخلي عن أسلحتها النووية أو ان يقوموا بأي تفتيش علي مفاعل ديمونة النووي الاسرائيلي أو أن يطالبوا اسرائيل بالتوقيع علي المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي. ورغم التزام خلفاء نيكسون من الرؤساء الامريكيين بهذه التعهدات، إلا ان اسرائيل شعرت بأن التفاهم غير المكتوب لم يعد كافيا بعد ان بدأت دول كبري تتحدث عن إمكانية إقامة منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط عقب حرب الخليج الأولي عام 1991.. ووافق الرئيس الامريكي بيل كلينتون علي طلب اسرائيل بصياغة خطاب سري يؤكد فيه ان أي مبادرة امريكية للرقابة علي الأسلحة في المستقبل لن تحد من قدرة اسرائيل علي الردع، في إشارة واضحة، وغير مباشرة، للترسانة النووية الاسرائيلية. وسار الرئيس بوش الابن علي خطي كلينتون ووقع خطابا مماثلا. وقبل ثماني سنوات، تلقي الرئيس باراك أوباما نفس الطلب الاسرائيلي بالتوقيع علي الخطاب السري الذي لا يزال في طي الكتمان ولا يعلم عنه أحد شيئا.. إلا مجموعة ضيقة منتقاة من كبار المسئولين الذين عملوا مع ثلاثة رؤساء سابقين.. ووقع اوباما علي صيغة اكثر حداثة للخطاب السري في مايو 2009. وقبل مؤتمر حظر الانتشار النووي في 2010، شعر رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو بالقلق خشية تعرض اسرائيل لضغوط دولية لكي تتخلي عن سلاحها النووي. ومن أجل إزالة هذا القلق، أصدر اوباما بيانا يؤكد فيه ان الولاياتالمتحدة لن تطلب أبدا من اسرائيل اتخاذ أية خطوات يمكن ان تعرض أمنها للخطر. وهكذا، عندما دخل الوفد الاسرائيلي البيت الأبيض عقب فوز ترامب.. أراد ان يقرر اسماء الشخصيات الامريكية التي تشارك في الاجتماع »لدواعي السرية». وتصرف السفير الاسرائيلي في واشنطن (رون دريمر) كما لو كان، هو شخصيا، صاحب البيت الأبيض! وفي ختام هذه الوقائع التي نشرتها صحيفة »نيو يوركر» الامريكية يوم 18 يونيو.. ينتهي الأمر بتوقيع دونالد ترامب علي الخطاب السري! دولة واحدة في العالم تتمتع بهذا الاستثناء الفريد في نوعه، وهو ان تمتلك ترسانة نووية تتعهد الولاياتالمتحدة بحماية استمرار وجودها والتستر عليها رغم ان هذه الدولة -اسرائيل- تحتل اراضي شعب آخر منذ سبعين سنة وتقمع هذا الشعب المقهور وتمارس حرب إبادة وتشريد ضده كما تحتل اجزاء من اراضي سوريا وتساند المنظمات الارهابية التي تحاول تدمير دول المنطقة وتحويلها إلي كيانات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة.