«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور صلاح فضل يفتح النار علي التخلف والردة الثقافية
النقاب مرض نفسي وفخ نصبه الإسلام السياسي
نشر في آخر ساعة يوم 24 - 08 - 2010

الدكتور صلاح فضل واحد من النقاد المرموقين في العالم العربي، بالإضافة لعمله علي رأس عدد من الجهات الأكاديمية والثقافية، وفضلا عن تدريسه للأدب العربي بعدد من جامعات العالم، يظل أكثر ما يميزه هو رؤاه المنفتحة المنحازة للمستقبل، والتي بالتأكيد تخالف في كثير من الأحيان السائد اجتماعيا من وجهات نظر محافظة. في هذا الحوار الذي أجرته آخر ساعه معه تحدث عن أزمة النقد وعن رأيه في الإبداع المصري المعاصر وقضية الكتابات الأكثر مبيعا وما يثار من انتقادات للجوائز الأدبية العربية بالإضافة إلي آرائه فيما يعتري المجتمع المصري من ردة ثقافية وانحسار للتنوير في مواجهة قيم المجتمعات البدوية وبالطبع تطرق الحديث لجوانب السياسة باعتباره عضوا مؤسسا بحزب الجبهة الديمقراطية.
في بيته بالمعادي كان اللقاء حيث كانت في عقلي قضايا وأسئلة كثيرة لم يتسع الوقت إلا لبعضها لكن كان علينا أن نختار وقد بدأنا بالقضايا الأدبية والنقدية.
❊ ما رأيك فيما يقال عن أزمة النقد وعدم موازاته لانتعاشة الإبداع؟
أري أنه دائما كانت هناك قلة نادرة من النقاد الكبار القادرين علي القيام برسالتهم بشروط العصر الذي يعيشون فيه في كل الفترات التاريخية لدينا عجز خطير في عدد النقاد من بين الأساتذة لأنه من بين كل خمسين أستاذا يمكن أن نجد واحدا تتوافر فيه شروط الناقد ويمتلك أدوات المعرفة النقدية الضرورية وفي مقدمتها إتقان إحدي اللغات الأجنبية الحية كما أنهم لا يعطون فرصة كافية في وسائل الإعلام. وبالتالي شحبت حركة النقد في مصر وبالتالي في العالم العربي باستثناء الوضع المغاربي في تونس والجزائر والمغرب هناك حركة نقدية جيدة لكن المفارقة الطريفة أنه لا تواكبها حركة إبداعية بنفس القوة وبالتالي لا يمارسون النقد التطبيقي.
❊❊كيف تنظر إلي الأدب الأكثر مبيعا وما يثار حوله من هجوم؟
أظن أن هذا ظلم شديد فالحملة علي الأعمال الأدبية لمجرد أنها رائجة، كما أن تقديسها والمبالغة في تعظيم أمرها لأنها رائجة كلا الأمرين يجانبه الصواب والرشاد والدقة. وفي تقديري أن هناك أعمالا تروج مثل الأعمال البوليسية ومعروف أن قيمتها محدودة ويمكن أن تروج لأنها تخاطب غريزة الفضول وتشعل نهم التعطش للمعرفة. وعندما تفرغ من قراءتها فهي مثل المنديل الورقي لا يخطر ببالك أن تعود إليه. لكن هناك أعمالا أدبية حقيقية يمتلك أصحابها حسا أدبيا ومكرا أدبيا جيدا وتصنع خلطتها السحرية والسرية في مزج السياسة بالجنس بالتشويق والإبداع لتقدم لنا أدبا يأخذ بلب القارئ وتكتسب قراء جددا لم يكونوا يقبلون علي الأدب، ويقبل في الآن ذاته أن أعيد قراءته لأكتشف فيه مستويات أخري من التقنيات والشعرية والإبداع الذي يثير التأمل، وأضرب لك مثلا علي نموذج أثار شيئا من هذه القضية في الآونة الأخيرة: الأعمال الأدبية للاستاذ علاء الأسواني قيل إنها من هذا القبيل من الأدب الذي اعتمد علي رواج موقوت لأنه لا يمتلك صفات الأدب الحقيقي. وأنا أخالف هذا الرأي لأنني منذ الوهلة الأولي التي قرأت فيها العمل الأول لعلاء الأسواني أدركت أنني أمام أديب شديد الحساسية لإيقاع عصره عميق الرؤية لتشابك العوامل المختلفة لبنية المجتمع وقادر علي أن يقيم بناء دراميا محكما وأن يقدم رؤية فنية وأن يمتلك استراتيجية في الكتابة تتمثل ببساطة في إيمانه الواضح بأن مستقبل مصر والشعوب العربية كلها مرهون بالحريات والديمقراطية وتداول السلطة وهو نضج يلائم أشواق مجتمعنا للتطور ورغبة جيلنا في أن تصبح أكثر حرية وتقدما. وأظن أن كل ما يمكن أن آخذه عليه أنه يستخدم صيغا روائية سبق لمحفوظ وغيره من صناع الحبكة المتقنة أن وظفها قبل ذلك ولا يقدم تجارب طليعية في فن القصص يفتتح بها آفاقا جديدا، ولا أتوقع من مبدع أن يكون موفقا في كل الجوانب.
❊❊ نلاحظ هجوما كبيرا علي جائزة البوكر العربية، وما يوجه للجوائز العربية بعدم الحياد والنزاهة، كيف تري الأمر؟
أولا الجوائز كظاهرة عامة هي من تجليات الرواج الأدبي وأداة لتشجيع المبدعين وتقديرهم وهذا يسعد المبدعين بالتأكيد لكن هناك الكثير من المبدعين إذا أخفقوا في الحصول علي الجائزة سارعوا إلي القول بأنها هي الساقطة وهي الرديئة قبل أن يراجعوا أنفسهم وينسبوا الفشل إلي ذواتهم. لذلك فبعض هذه الضجة مصدره هؤلاء الذين لم يصبهم الحظ ولم يظفروا بهذه الجوائز ويريدون تبرير فشلهم. لكن هناك أخري تحكمها معايير أيديولجية فلا تعطي جوائزها لليساريين القدامي أو من يتهمون بأنهم ضد الأنظمة أو لبعض الأنواع الأدبية وهذه تحصر نفسها وذاتها وتحد من موضوعيتها ولا تساعد علي تنمية التيارات التقدمية. وأعتقد أن البوكر العربية عموما جيدة أصابت في دوراتها الأولي واختلف الناس حول الدورة الثالثة لكن ذلك كان يتعلق بمدي الإصابة في اختيار المحكمين فعندما اختارت محكمين جيدين كانت النتائج جيدة وعندما اختارت محكمين أقل إدراكا وموضوعية كانت النتائج غير مرضية وأظن أنها لا بد أن تفيد من تجربتها وأعرف أنها بصدد تعديل جذري في آلياتها الآن ويعاد النظر في كل المعايير التي تعتمد عليها وأعتقد انها لعبت وتلعب دورا عظيما في الترويج للأعمال الإبداعية فهي أحد الأسباب المباشرة لوصول كثير من الروايات لتكون اكثر مبيعا وأن تقرأ بعشرات ومئات الآلاف وهي ظاهرة جيدة بكل المقاييس.
❊❊ كيف تنظر للردة الثقافية وتخلي المجتمع عن إنجازاته وكأننا أمام شعب آخر موغل في الرجعية والبداوة؟
لا أكتمك أن هذه القضية علي وجه التحديد تثير أشجاني وأحزاني وتأملاتي ومكاشفاتي في العديد من الكتابات التي أكتبها الآن. وإن كنت قد وصلت بعد تأمل إلي قناعة لا أدري مدي صوابها لكنني أزيد كل يوم إيمانا بها، وهي أنني أميز بين الظواهر التي تطفو علي السطح وبين طبيعة التيارات العميقة الفكرية والثقافية. وأجد أننا نعيش الآن مفارقة فاضحة بين ظاهر المجتمع والتيارات الحقيقية الحيوية الفاعلة . هذا مثل سيختلف معي الكثيرون حوله لكنني شديد الإيمان به، وهو أن حركة تحرير المرأة التي بدأت في مصر في مطلع القرن العشرين وشارك فيها كبار علماء الدين والمفكرين والفلاسفة من الشيخ محمد عبده وقاسم أمين ولطفي السيد إلي كوكبة كبيرة في كل المجالات وقادت هدي شعراوي ذروة تجليات حركة التحرير الوطني في مظاهرة السفور ووقف الشعراء أمام هذه المظاهرة موقفا طريفا لم يجرؤوا علي تأييدها صراحة لكنهم لم يجرؤوا علي شجبها لأنها تمثل تيارا تقدميا، ورفعت المرأة الحجاب في العقود الأولي من القرن العشرين، ورفضت الحجاب وأعلن السفور وتقبلت الحياة الدينية والفكرية والثقافية والأدبية ذلك باعتباره مظهرا للنهضة وعلامة علي التقدم وتطورا ومشاركة فعالة للنصف الخامل من المجتمع وهو المرأة فمعني السفور أنها تخرج للتعليم، الجامعة استقبلت الفتيات، تخرج للعمل والحياة لا يمتلكها هذا الإحساس بالضعف الأنثوي ولا الحساسية الشديدة تجاه جسدها المختلف عن جسد الرجل واستطاع حتي علماء الدين الكبار الأفذاذ أن يؤولوا النصوص التي كانت في ظاهرها تدعو إلي غير ذلك وقبل الضمير المجتمعي ذلك وعاش علي ذلك جيلان من العشرينيات حتي السبعينيات ثم جاءت موجة الإسلام السياسي وموجة المال النفطي من السعودية علي وجه التحديد وموجة الهجرة المصرية للعمالة في دول الخليج وموجة انعزال مصر بعد كامب ديفيد وتقدم المملكة العربية السعودية لتتقدم حركة الوطن العربي وتراجع النهضة القومية والقيادة والزعامة المصرية، فاتخذ أصحاب التيار الديني من عودة المرأة للحجاب رمزا لانتكاس العروبة وانتكاس النهضة ولسيادة الفكر البدوي الوهابي السعودي وتراجع الفكر المصري التقدمي العروبي النهضوي ولأن المرأة هي المنطقة الحساسة في المجتمع ولأن هذا أرضي نسبيا غرور الرجل وانتصر لذكورته واسترداد ما تصور أنه فقده بمساواة المرأة به ففي الظاهر لبست النساء في مصر معظمهن الحجاب وبدا هذا كأنه نكسة في حركة التنوير والنهضة المصرية لكن عندما أري هؤلاء الفتيات أنفسهن وهن يغطين شعورهن لكن يلبسن علي الموضة ويحافظن علي أنوثتهن وعلي جمالهن وأكثر من ذلك يأخذن مساحة من الحرية في سلوكهن الشخصي وعلاقاتهن بالرجال بأكثر مما كانت أمهاتهن يأخذن عندئذ أدرك أن هذا السطح المحافظ المحجب سطح خادع وغير حقيقي وأن طبيعة تطور المجتمع المصري نحو مزيد من التحرر الداخلي للرجل والمرأة والمساواة الحقيقية في الإمكانات ما زالت كما هي لم تتراجع فإصرار المرأة المصرية الآن أن تكسب أرضا جديدة في مساواتها بالرجل وأن تمارس حريتها وحقها في أن تختار زوجها وأن تتحكم في حياتها وأن تخلع هذا الزوج إذا لم يتوافق معها وأن تكون معه علي قدم المساواة، يجعل هذا الغطاء الرمزي للرأس غير ذي قيمة علي الإطلاق. هو مجرد مظهر للنفاق الاجتماعي والخضوع السطحي لهيمنة الرجل لكن قوة شخصية المرأة وزيادة إقبال النساء علي التعليم ومشاركتهن في العمل وهامش الحرية في حياتهن الشخصية واستقلال إرادتهن عن الرجل لم ينتقص شعرة عما مارسته الأجيال السابقة. هذا يعطيني قدرا من الاطمئنان إلي أن ما نعده نكسة هو مجرد تراجع ظاهري تكتيكي لن يلبث أن يستقر الأمر بعد ذلك علي مفهوم جديد للأخلاق حيث لا يقتصر مفهوم الأخلاق علي علاقة الرجل بالمرأة ولكن يأخذ المفهوم الأخلاقي حقه الصحيح في المجتمع المصري عندما تكون الأخلاق هي الرادع عن الفساد والرشوة والعفونة وإهمال المصلحة العامة واحتكار النفوذ والسطوة والمتاجرة بالصحة والمرأة، لا يتوقف علي العلاقة بين الرجل والمرأة لأن هذه علاقة شخصية وأن الأخلاق هي سلوك الإنسان النزيه الفاضل المنتج في المجتمع الناهض المتقدم عندما يحدث ذلك ستستقيم أخلاقنا. لكنني لا أعتقد علي الإطلاق أن غطاء الرأس هو مظهر الأخلاق الصحيح.
❊❊ تحليل جيد لكن كأنه يتحدث عن مرحلة ما قبل اكتساء الشوارع بالسواد الذي يفصل نهائيا ذلك الجيتو والذي يتسع باطراد.
أعتقد أنه بولغ كثيرا في مسألة النقاب وأنا شخصيا أعتقد أن حالات النقاب هي حالات أمراض نفسية تحتاج إلي معالجة نفسية وللأسف لا تنتشر لدينا عيادات المعالجة النفسية. كل امرأة تشعر هذا الشعور المريب العجيب أن وجهها عورة وان عليها أن تخفيه هي تحتاج إلي طبيب نفسي وليس لهذا علاقة بالدين وقد بح صوت رجال الدين في أن النقاب عادة وليس عبادة وأنا أضيف أنها عادة بدوية في بيئات غريبة عن مصر وعن المدينة المصرية والقرية المصرية لأنني عشت من القرية المصرية إلي المدينة المصرية ولم أر إنسانة طبيعية تتنقب وهذا النقاب هو فخ من أفخاخ الجماعات الدينية مثل الشخصيات المفخخة يبث في المجتمع لكي يشيع فكرة معينة وللأسف هذه ألاعيب الإسلام السياسي والتعصب الديني وليس لها علاقة بتطور المرأة ولا إسهامها في الحياة الاجتماعية.
❊❊ ولكنها ألاعيب نجحت نجاحات كبيرة في زيادة مساحات السواد في الشارع؟
هذا مصطنع ومأجور ومدبر ومنظم مثل الميليشيات العسكرية ويستغل جهل النساء وفقرهن وينفق عليه مليارات ولذلك أعتقد أن حالة الحراك الفكري والثقافي وارتفاع مستوي الحياة ودرجة التمتع بالحريات الشخصية وتداول السلطة يمكن أن يحل المشكلة والدولة تظن أنها عندما تسكت علي ذلك وتخضع لهذا الابتزاز ولتلك المناورات ترضي الجماهير وتسكتهم، بينما هي في حقيقة الأمر لا بد أن تأخذهم بقدر من الحسم، وأنا أحسب أن تخلل هذه المناورات لصفوف كثير من المؤسسات والهيئات بداية من مؤسسات الشرطة إلي مؤسسات القضاء في بعض الأحيان التي تصدر أحكاما لتأييد وضع هؤلاء المنقبات هو ضعف حكومي واضح.
❊❊ ألا تعتقد أن الليبراليين في مصر يفتقدون الجرأة والشجاعة وأحيانا شرف التعبير عن آرائهم؟
أظن أنهم لا يفتقدون ذلك لكن لا يتاح لهم ما لم يكونوا من المحسوبين سياسيا علي النظام والمؤيدين لكل خطواته لا يتاح لهم مثل هذا التعبير، أظن أن الليبراليين أكثر حماسا وإخلاصا وقدرة علي مجابهة هذه التيارات إذا مكنوا من ذلك. لكن مشكلتنا أنهم لا يمكنون من أجهزة التواصل خاصة الإعلام المرئي وهو التليفزيون.
❊❊ وفي ظل هذه الظروف هل يوجد من أمل للفكر الليبرالي في مصر؟
هو المستقبل الحقيقي، لا مستقبل لمصر إلا عبر هذا الفكر الليبرالي لكن العجيب وغير العقلاني أن السلطة تضخم من الفكر الديني المتعصب بعدائها الشديد له واضطهادها له ومتابعاتها الأمنية دون أن تطلق عليه الجدل الليبرالي الذي هو كفيل وحده بأن يكسر حدته ويطفئ بريقه ويحبط مسعاه، دعه في مقابل المناورات الاجتماعية وكراتين الطعام التي تتحدث عنها، الأموال التي تنفق. دع مفكرا حقيقيا ليبراليا في عمود صحفي يناقشهم ويحاجهم ويبرهن علي ضعف وزيف أفكارهم وأنهم لا يمثلون الدين ويكشف نواياهم السيئة وسوف تحبط كل أعمالهم. لأن حججهم ضعيفة جدا وأن إمكاناتهم محدودة للغاية ولا يملكون إلا مجموعة من الشعارات البراقة الزائفة وتنظيمات محكمة واعتمادات مادية لا حد لها وأن ذلك لا يصمد أمام الحوار الهادئ المفتوح لأننا في مجتمع لا ينقصه من يأتي ليعلمه الدين لأن خبرته مع الأديان ترجع لآلاف السنين وأنضجها وطورها وليس بحاجة لأن يستعيرها من شعوب أخري ولأننا مجتمع يعرف حاجته الحقيقية للنهضة والتقدم العلمي ولبناء الإنسان وتحقيق العدل والكفاية والرخاء وللنمو كدولة من الدول الكبري الرائدة في المنطقة وليست بحاجة إلي من يعيد تعليمها كيف تعبد ربها وكيف تتواصل فيما بينها لأن هذه هي المجتمعات البدائية الأولي التي تجاوزنا مراحلها من قرون بعيدة.
❊❊ يبدو لي أن تمكين الليبراليين من طرح أفكارهم حلم بعيد في ظل اختراق مؤسسات الرأي التابعة للدولة من قبل ذيول وأتباع تلك الجماعات. ويكفي أن إحدي الجرائد منذ سنوات قليلة روجت علي لسان محمد عمارة للخلافة وللإخوان، وهو ما تصدينا له في حينه.
للأسف الحكومة أحيانا تداهن وتتواطأ لكن في هذا قصر نظر لأن هذا علي المدي الطويل سيمثل طوفانا يغرق الجميع وهم في المقدمة.
❊❊ يأخذ البعض علي المثقفين سلبيتهم حتي مع قضاياهم الحميمة. والمثال ما حدث لنصر حامد أبو زيد من تنكيل ولم يتحركوا.
أظن أن هناك ثلاث ملاحظات حول سلبية المثقفين. أولها أن الحياة العامة الآن لم تعد تستجيب لوجهات نظر المثقفين ولا يأخذها أصحاب القرار في اعتبارهم. فمنذ ثورة يوليو حدثت فجوة وأصبح التفضيل لأهل الثقة علي أهل الخبرة. قبل الثورة كان يكفي أن ينشر مثقف كبير موقفا لتستجيب أعتي الحكومات وسط تهليل الرأي العام، لكن بعد الثورة أصبح المثقفون آخر من يسمع لهم رأي بل علي العكس قد يعاند المثقف ليظهر صاحب القرار عدم خضوعه وهناك عشرات الأمثلة، فالسادات مثلا عندما قال: أبعث أخلاق القرية. كتب زكي نجيب محمود إن القرية مجتمع زراعي وإن أخلاقيات المدينة بوصفها مجتمعا صناعيا وتجاريا أكثر رقيا وتطورا. ولكن المقال منع من النشر في الأهرام بل ورد السادات علي مالم ينشر بخطاب يسفهه باعتباره من الأفندية المتعالين. هذا مثال علي أن المثقف يحاول لكن صلف الحكام خاصة العسكر يمنعهم من الاستجابة. وثانيا المثقفون تم استقطابهم في جبهتين: الأولي المستنيرة وقد كانوا جميعا مع نصر حامد أبو زيد في أزمته. والثانية تتاجر بالدين وتلعب علي مشاعر الجماهير وهؤلاء كانوا الأعلي صوتا وخشيت منهم الدولة لأنها أضعف من الوقوف مع الاستنارة ولولا تخاذل الدولة ما كان ما كان. الدولة تعرف آليات كثيرة للتدخل مع الاحتفاظ بما تزعمه من استقلال القضاء. الدولة صدمت في الحكم لكنها لم تستطع التصرف والرأي العام كان قد شحن والرجل لم يكن بوسعه ممارسة حياته الوظيفية والعلمية. المصريون لم يتوانوا من الوقوف مع الحرية والجامعة بدون حرية تتدهور في البحث والعلم. الجامعة تدهورت منذ ذلك التاريخ ولم يعد هناك بحث حقيقي وهذه كارثة يجب أن نواجهها بشجاعة، ونعالجها بقوة إذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض.
❊❊ ماذا عن حزب الجبهة الديمقراطية الذي كنت أحد مؤسسيه وأنت الذي لم يعرف لك من قبل نشاط سياسي؟
كنت مشغولا بالعمل الثقافي ولم تكن هناك من فرصة آمنة للعمل بعيدا عن الحكومة، وعندما ارتفع سقف الحريات نسبيا في السنوات العشر الأخيرة سمح هذا الهامش بإمكانية النقد الثقافي للنظم الاجتماعية والسياسية دون تهديد مباشر بالسجن. وجدت انه من الضروري مع كوكبة مثل الدكتور يحيي الجمل الدكتور علي السلمي وأسامة أنور عكاشة وأسامة الغزالي حرب ومحمد غنيم وسكينة فؤاد وآخرين أن نكون هذا الحزب الليبرالي لدخول معادلة الحياة السياسية. وانا الذي اخترت اسم هذا الحزب ورأست المؤتمر التأسيسي الأول ولكنني اكتفيت بعضوية اللجنة التنظيمية العليا لان ما يعنيني هو الجانب الفكري السياسي.
❊❊ لكن لماذا بعد البداية القوية انتهت الأمور إلي خفوت؟
التفسير واضح وبسيط جدا وهو أن الهامش الديمقراطي للممارسة الحزبية محدود للغاية وينطبق عليه قول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تخشي من الغرق. الأحزاب يتاح بعضها صوريا ولا يتاح معظمها وعندما يتاح بعضها صوريا تخنق معظم منافذ نموه ويمنع من ممارسة حياته الحزبية. كل الأحزاب المصرية فيما عدا الحزب الحاكم ممنوع عليها عقد الاجتماعات العامة في الميادين العامة وممنوع عليها استقطاب الجماهير، ممنوع عليها جمع التبرعات العلنية، ممنوع عليها الاتصال بأي أحزاب مشابهة لها في أي من بلدان العالم، ممنوع عليها عقد الاتفاقيات. ممنوع عليها أن تمارس نشاطها الحزبي، وهي بالتالي تظل حبيسة حضانة لا تتجاوزها وهذه هي السياسة الماكرة التي تم تدبيرها عبر ستين عاما لتخليق أحزاب ثم خنقها وما نعانيه في الجبهة هو هذا علي وجه التحديد. كانت الآمال والطموحات عالية علي أساس أننا فهمنا أن توجه الدولة هو إتاحة هامش كبير من الحرية لتشكيل الأحزاب ولتعديل الدستور والمضي قدما نحو التداول الديمقراطي وعلي هذا الأساس تشكل هذا الحزب واكتسب قواعد كبيرة وانتظم وتجاوز أزمات ومشكلات لكنه ممنوع من النمو بآليات شديدة الإحكام والدقة أتقنتها السلطة وتمارسها علي كل الأحزاب. لا أعرف أن الحياة الديمقراطية الصحيحة تدعو إلي أن القوي السياسية العظمي في المجتمع تمنع عن تكوين تشكيلاتها، وعقد مؤتمراتها. الأمن هو الذي يحكم كل خطواتها، وأكثر من ذلك كثيرا ما يدس لها ما يفجرها من داخلها وعندما تنجح في تجاوز هذه الدسائس فإنها لا يمكن أن تنجح في أن تكتسب شعبية لأن هذا محرم عليها. وأظن أننا بحاجة فعلية لنمارس حياة حزبية حقيقية والسبيل إلي ذلك ببساطة شديدة: تعديل الدستور، حرية تشكيل الأحزاب، نزاهة الانتخابات، لأن الديمقراطية انتخابات، والانتخابات عندما تصنع في المعامل، والصناديق عندما تزيف علنا وإرادة الناس عندما يمنعون من دخول اللجان وعندما تزور أصواتهم فهذه مهازل تريد أن تحافظ علي الشكل الذي لم يعد يخدع أحدا وتتصور أنها بذلك تقنع الآخرين. لدينا مثلا 90٪من الناس لا يذهبون إلي صناديق الانتخابات لأنهم يعرفون أن النتيجة محسومة مقدما وأن أصواتهم لن تغير شيئا وبالتالي نحن في مصر لم نبدأ حياتنا الديمقراطية بعد. في اللحظة التي يقدر لنا فيها بمعجزة لا أعرف كيف تتم وأتمني أن يعيننا الله عليها لأن الحكام لن يبدأوها علي الإطلاق، عندما تبدأ الديمقراطية فلا بد أن تبدأ بثلاث خطوات لا جدال فيها: الخطوة الأولي حرية تشكيل الأحزاب من كل القوي السياسية دون رقيب فالرقيب هو الشعب. الخطوة الثانية الجدل الحر حول برامج هذه الأحزاب. الخطوة الثالثة هي الانتخابات النزيهة الحقيقية التي لم تشهدها مصر منذ عام 1949 حتي اليوم. وعندئذ سوف يبدأ مشروع الديمقراطية في مصر في التخلق وتبدأ النهضة الحقيقية ويبدأ وضع أولويات الشعب المصري الواضحة في تعليم جيد وخدمات صحية واجتماعية جيدة وقدرة حقيقية في الشروع بالبناء العلمي للمستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.