في الفترة الأخيرة ظهر الغاز في شرق البحر المتوسط، وتغيرت خريطة الطاقة في العالم، فبعد أن كانت منطقة الخليج العربي هي أكبر منطقة منتجة للطاقة في العالم، صار لها منافس الآن في شرق المتوسط. والقاعدة تقول : حيثما ظهرت الطاقة من بترول أو غاز في أي منطقة ظهرت معها الأطماع الأمريكية والأوروبية، ولذلك فعلينا أن نتوقع مزيداً من الأطماع في منطقتنا في الفترة القادمة. والطريق إلي تحقيق الأطماع والحصول علي الطاقة برخص التراب هو إشعال الحروب بين الدول المنتجة، كما حدث بين العراق وإيران، فأمريكا لا تحارب بنفسها، بل تشعل الحروب بين أبناء المنطقة التي تطمع فيها، ثم تبيع السلاح للطرفين، وتحصل علي البترول بأرخص الأسعار. ومع ظهور البترول والغاز في شرق المتوسط فمن المتوقع أن تزداد أطماع أمريكا وأوروبا بالمنطقة، وأن تحرص أمريكا علي إشعال الحروب بين دولها. خصوصاً أن المنطقة بها بذور الصراعات التالية : الصراع التركي القبرصي، الصراع التركي اليوناني، الصراع التركي السوري، الصراع التركي المصري، أضف إلي ذلك : الصراع الإسرائيلي السوري، الصراع الإسرائيلي اللبناني، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وربما أشعلت إسرائيل الصراع مع مصر إذا جاءتها التعليمات الأمريكية بذلك. وقد بدأت البادرة الأولي لهذه الصراعات بتحرش تركيابقبرص لمنعها من حفر الآبار في مياهها الاقتصادية، بزعم أن قبرص التركية لابد أن يكون لها نصيب في هذا الغاز، كما أعلنت تركيا أنها لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، مما دفع مصر لإجراء مناورات في البحر المتوسط لكي ترسل رسالة لتركيا بأنها مستعدة للدفاع عن حقول الغاز في مياهها الاقتصادية. وتتمثل المصالح الأوروبية والأمريكية في أمرين : أولاً : الحصول علي الغاز من المنطقة لأنه أقرب إليها، وتكلفة نقله أرخص، ثانياً : أن تكون الشركات المسئولة عن الاكتشافات شركات أوروبية في المحل الأول، مثل شركة إيني الإيطالية، وبريتيش بتروليم الإنجليزية. لكن طبعاً هذا لا يمنع بأن تترك أوروبا مساحة مناسبة لكل من أمريكا وروسيا. وفي سبيل هذين الهدفين فإن أوروبا مستعدة لدخول المنطقة لحماية الدول الصغري مثل قبرص عند اللزوم. ولعله من المفيد أن نذكر أن سوريا ستكون من أكثر الدول إنتاجاً للغاز، وهذا يفسر لنا لماذا لا يهدأ الصراع فيها. ومصر أيضاً لن تكون بعيدة عن هذه الأطماع، وعلينا أن نستعد منذ الآن لمواجهتها.